أخبار وتقارير

زينة عطارباشي: المرأة والتاريخ ساهما في انتقالها من الهندسة إلى الفن

بإجتياز نهر دجلة في طريقها من المدرسة إلى متجر والدها للتجهيزات الرياضية في مدينة الموصل القديمة، كانت زينة عطارباشي تمرّ بأسوار نينوى القديمة والثيران المجنحة والأحياء القديمة. ساعدت صور التاريخ الثقافي هذه، والمحفورة في ذاكرتها، في تشكيل الفنانة المستقبلية.

قالت عطارباشي، الفنانة العراقية الكندية المقيمة في دبي الآن، “أدركتُ في وقتٍ مبكر مدى ثراء تراث العراق والموصل. كنتُ مغرمة بالفن وفضلتُ شراء دفاتر الرسم والأوان على الدُمى. كانت المواقع الأثرية في الحضر وسامراء أماكني المفضلة لقضاء الإجازات.”

لكن عطارباشي، كحال غالبية الطلاب في المنطقة، تخلت عن هوايتها وحصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة الموصل.

في الثمانينيات، غادرت العراق إلى اليونان، حيث عملت في مجال البحث والتطوير في مجال النقل ودرست اللغة اليونانية في جامعة أرسطو في ثيسالونيكي، أكبر جامعة في البلاد.

أحبت عطارباشي الثقافة والموسيقى والناس في اليونان، وقد وجدت في ثيسالونيكي وطنا آخر لمدة 11 عامًا.

قالت “أتحدثُ اليونانية بطلاقة. لقد ولد ابني هناك. اليونانيون شعب طيّب ومرح. لدينا العديد من الأشياء المشتركة، لا سيما المطبخ.”

من الهندسة إلى الفن

في عام 1999، انتقلت عطارباشي إلى تورنتو للعمل في شركة الهندسة المعمارية العالمية IBI Group، ليأخذها توسع الشركة إلى دبي في عام 2007.

مع ذلك، لم تتوقف عطارباشي عن الانصات لشغفها الاقدم.

قالت “يختلف الفن [عن الهندسة] في كونه يغذي مشاعرنا وذوقنا معًا. إنه أداة تعبير جمالية وفكرية مهمة. أي عمل فني يترجم ذاكرة الفنان الفكرية وخياله.”

في ثيسالونيكي، التحقت عطارباشي بالعديد من دروس الفن. مع ذلك، لم يتم اكتشاف موهبتها وصقلها إلا من قبل الرسام والنحات والشاعر السوري الشهير سهيل  بدّور في عام 2016.

قالت “حضرتُ دروس الدكتور بدّور لمجرد الاستمرار في الرسم، لكنه أخبرني أن بإمكاني شغل مكان في المشهد الفني. لذلك، أخذتُ المزيد من الدروس المكثفة للتعبير عن رسالتي من خلال الألوان.”

على مدى أربع سنوات، أثر بدّور على أسلوب عطارباشي نظريًا وفنيًا. حيث قالت “لقد كان معلمًا لامعًا ومصدرًا صادقًا للإلهام.”

يعتقد بدّور أن عطارباشي تعمل بجدية لإيجاد مكان ذو خصوصية في تقديم حضارة العراق وفقًا لرؤيتها الفنية الخاصة.

قال “إنها تعمل على إيجاد توليفة لتقديم حلول فنية جديدة، وهي متقدمة قليلاً بين تجارب الفنانات العراقيات. إنها شخصية مصمّمة وصبورة ومنفتحة.”

الاحتفاء بالمرأة والتاريخ

في عام 2019، أقامت عطارباشي معرضها الفني الأول في دبي لتقديم رؤيتها عن حضارة بلاد ما بين النهرين للعالم وللأجيال الشابة.

“إنها تعمل على إيجاد توليفة لتقديم حلول فنية جديدة، وهي متقدمة قليلاً بين تجارب الفنانات العراقيات. إنها شخصية مصمّمة وصبورة ومنفتحة.”

سهيل بدّور
 الرسام والنحات والشاعر السوري الشهير

بألوان مبهجة وصريحة وجريئة، وظّفت عطارباشي بوضوح موضوعات عراقية قديمة في لوحاتها – الثيران المجنحة الآشورية، متعبدين سومريين بشعورٍ مجعدة، قيثارات سومرية، وصور الإلهة الأم من حضارة حسونة من العصر الحجري الحديث (6500 قبل الميلاد) – إلى جانب نساء يحملن بوضوح شديد لمسة أعمال رواد الفنانين العراقيين المعاصرين.

قالت “المرأة والتاريخ مصدرا إلهامي. المرأة، بالنسبة لي، هي رحم كل الإبداع الذي نراه على الأرض، والأرض الخصبة التي تنبت منها شجرة الحياة.”

يقول بدّور إن محاكاة ومناكفة التراث يمثل تحديًا يتطلب مزج هذا الإرث مع رؤية الفنان بهدف إنتاج لوحة.

قال “إنها تبحث وتحاول بشكل جيد من خلال حلولها الفنية. النتائج أكثر من مرضية حتى الآن.”

يعتقد بدّور أيضًا أن عطارباشي قد استفادت من التنقل بين الثقافات.

قال “لقد منحها هذا التعدد الثقافي المباشر، مع الثقافة اليونانية على وجه الخصوص، ونشأتها في الموصل وسفرها حول العالم، مخزونًا بصريًا وإنسانيًا وفكريًا رائعًا.” (اقرأ المقال ذو الصلة، “لقاء مع مصور موصلي.”)

الملامح النهرينية والبوم والتمرد

تبحث عطارباشي في مواضيعها جيدًا قبل البدء بفترة طويلة.

قالت “لمسة بلاد ما بين النهرين واضحة في أعمالي؛ العيون والوجوه والمجوهرات وتسريحات الشعر. وقد ساعدتني في هذا الصدد الكتب الفنية، وخاصة كتاب الآثارية العراقية زينب البحراني. أنا أحب هذه الملامح وفخورة بها.”

تشرح زينة عطارباشي، أعمالها لزوار معرضها الفردي الأول في عام 2019. تظهر اللوحة قيثارة سومرية برأس ثور. (الصورة بإذن من زينة عطارباشي).
تشرح زينة عطارباشي، أعمالها لزوار معرضها الفردي الأول في عام 2019. تظهر اللوحة قيثارة سومرية برأس ثور. (الصورة بإذن من زينة عطارباشي).

تعتبر الألوان الجريئة الركن الأهم في أعمالها، بحسب عطارباشي، التي تستخدم أحيانًا الألوان الأساسية مباشرة من أنابيب الطلاء دون أي خلط ومعالجة.

كما أن للبومة مكانة خاصة في مُخيلة عطارباشي.

بينما يخشاها الكثيرون في الشرق الأوسط على اعتبارها نذيرًا بالموت، تعني البومة الحكمة والحظ الطيب في الغرب.

كما أنها ترتبط بـ ليليث، زوجة آدم الأولى المتمردة في الفولكلور اليهودي، والتي تعود جذورها إلى العفاريت البابلية القديمة. وهكذا، أصبحت البُوَم رمزا لتمرد النساء ضد النظام الأبوي البطريركي.

قالت عطارباشي “البومة حاضرة في جميع معارضي، كرمز للحكمة. حتى في والت ديزني، دائمًا ما تكون البومة ذلك المعلم الحكيم. بالنسبة لي، إنها مرتبطة بالإلهة عشتار. كلاهما رمز للحكمة والحب والجمال. وتُسعد يومي حقّا رؤيتها.”

من الهدايا التذكارية إلى مجال الأعمال

كإلتفاتة شكر لزوار معرضها الأوّل، طبعت عطارباشي بعضًا من أحب لوحاتها إليها على أوشحة حريرية ووزعتها كهدايا تذكارية.

ساعدها ابنها زيد، خريج جامعة كولومبيا وصاحب بوتيك ستافروس في متجر جيجي كونسبت Gigi Concept في دبي، في تنفيذ الفكرة.

قالت “يدعمني ابني في التخطيط للمعارض واختيار الموضوعات. وقد وجد شغفه أيضًا في تصميم الأزياء.”

بعد ترحيب الزوار بهذه الفكرة، حولتها عطارباشي إلى مجال عمل وبدأت في إنشاء لوحات على الأوشحة والوسائد الحريرية بهدف بيعها في متجر ستافروس.

قالت “كانت وسيلة لمساعدة أولئك الذين لا يستطيعون شراء لوحة يحبونها كثيرًا، من خلال شراء الوشاح. قام البعض بتأطير الأوشحة وتعليقها كلوحات.”

كوفيد-19 يعصف بالأحداث الفنية

ازدهرت مسيرة عطارباشي المهنية بمشاركتها في ثلاثة معارض فنية جماعية: معرض الفن العربي في بيروت (2019)، ومهرجان هلسنكي الدولي (2019)، ومعرض “مشهد متغير: الأنثى” في غاليري فان دير بلاس في مانهاتن (2020).

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ومع ذلك، أجبرتها جائحة فيروس كورونا على إلغاء معرضين فرديين كان من المخطط إقامتهما في ثيسالونيكي ومكتبة جامعة كولومبيا.

قالت “لم يؤثر الوباء على المعارض فحسب، لقد تم إغلاق دول ومتاحف بأكملها. لكننا سوف نتعافى.”

أثرت عمليات الإغلاق بشكل مؤلم على الفنانين الذين يعتمدون على مبيعات أعمالهم. لكن عطارباشي تمكنت من إيجاد مخرج.

قالت “لقد انتعشت المبيعات عبر الإنترنت. تم توجيه الميزانية المخصصة للسفر إلى الاستثمار في شراء الأعمال الفنية في الإمارات العربية المتحدة.”

تبدو عطارباشي متفائلة بخصوص تعافي المشهد الفني الصاعد في دبي.

قالت “سيفتح آرت دبي أبوابه أواخر هذا الشهر. يفتقد كل من المواطنين والمقيمين الأحداث الفنية في دبي. أنا متحمسة للمشاركة في الجناح الكندي في معرض إكسبو 2021 المتوقع إقامته في دبي في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى جانب معرض فردي آخر في ميامي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى