أخبار وتقارير

جامعات بريطانية توفر ملاذاً آمناً للباحثين الهاربين من حروب الشرق الأوسط

تشعر عطاء السلوم بالسعادة والأمان داخل حرم جامعة ليفربول. بعد أن تم إنقاذها وابنتها من سوريا في عام 2016، عملت السلوم محاضرة في الهندسة المعمارية والتراث العمراني، وطوّرت المسار المهني الذي جعلها هدفًا لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في وطنها.

قالت “هذه مدينة متعددة الثقافات؛ مكان يرحّب بجميع الأشخاص الأجانب، لا سيما في محيط الجامعة، حيث أشعر بالسعادة والاحترام وأنني جزء من فريق العمل – إنه مكان جيد للتواجد فيه.”

ساهم مجلس الأكاديميين المعرضين للخطر (كارا) ومقره المملكة المتحدة في ترتيب مغادرتها البلاد. في شباط/ فبراير، أنقذت كارا أكاديمية سورية أخرى، وهي الأولى من بين عشرة باحثين من دول مزقتها الحرب في الشرق الأوسط الذين سيتم إحضارهم إلى المملكة المتحدة خلال الأشهر المقبلة.

يفر بعض الأكاديميين من الصراع، فيما يهرب البعض الآخر لاستهدافهم من قبل الأنظمة الاستبدادية.

قال ستيفن وردزورث، المدير التنفيذي لمؤسسة كارا، “تتمثل مهمتنا في كارا في إخراج الأكاديميين المهددين بأمان من بلدانهم ومساعدتهم على الاستقرار في مناصبهم الجديدة. إنهم موهوبون للغاية، إنهم حقًا من بين “الأفضل والأذكى”. نحن نساعدهم على إيجاد أماكن يكونون فيها آمنين لإجراء أبحاثهم وتنفيذ عملهم الحيوي حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم مرة أخرى.”

قبل إنقاذها، كانت السلوم تعيش في دمشق بعد أن فرت من مسقط رأسها في حمص. لكن الحرب وصلت إلى العاصمة أيضًا وكان الخطر مستمرًا.

قالت “كل يوم، كان الذهاب إلى الجامعة يعرض حياتك للخطر لأنك لا تعرف متى ستسقط قذائف الهاون. … ولكن عندما تكون في خضم حرب لا يمكنك التوقف عن العيش.”

القشة القاصمة

انتقلت السلوم وابنتها، التي كانت تبلغ من العمر 12 عامًا، خمس مرات بينما كان الجيش يكافح لاستعادة المدينة من مسلحي داعش. قالت “أتذكر أحيانًا النوم على أرضية الحمام لتجنب الرصاص العرضي، وهو ما يمثل خطرًا آخر إذا كان لديك منزل في الزاوية أو على شارعٍ رئيسي.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: أطفال سوريا ضحايا الاضطرابات النفسية).

بعد ذلك، أصابت قذائف مدرسة ابنتها فقتلت اثنتين من صديقات الفتاة وتشوهت أخريات. عندما اتصل الموظفون بالسلوم لاستلام حقيبة ظهر ابنتها، كانت تعلم أنه يتعين عليها إيجاد مخرج من سوريا.

قالت “كانت هناك العديد من الحوادث التي اعتقدت أنها ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير؛ في كل مرة أقول إن الأمر لا يمكن أن يصبح أسوأ من هذا.” لكن الدمار الذي حصل في ذلك اليوم أقنعها بضرورة السفر.

قالت “كانت هناك العديد من الحوادث التي اعتقدت أنها ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير؛ في كل مرة أقول إن الأمر لا يمكن أن يصبح أسوأ من هذا.”

عطاء السلوم  

أضافت “بدأتُ في التقديم على وظائف في كل مكان … كنتُ أحاول الخروج فقط.”

لجأ الآلاف من الناس في غمرة اليأس لسلوك طرق غير رسمية، لكن السلوم، بصفتها أم وحيدة، كانت بحاجة لإيجاد مخرج آمن. قالت “كنا امرأتين، لذلك لم أرغب في المخاطرة.”

اكتشفت السلوم مؤسسة كارا عبر الإنترنت وتواصلت معها. قالت “عندما أجابوا، لم أصدق ذلك، ما زلت أتذكر اللحظة.”

استغرق الأمر أكثر من عام لفرز الأوراق وتأمين التأشيرة وترتيب مكان للدراسة للحصول على درجة الدكتوراه في ليفربول في رحلة نقلتها من دمشق إلى المدينة التي تدعوها الآن وطنًا.

كوفيد-19 يلقي بظلاله على عمل كارا

أثارت أزمة كوفيد-19 تحديات جديدة لمنظمة كارا في وقت تتلقى فيه المنظمة عددًا قياسيًا من الطلبات.

يعتقد وردزورث أن عمليات الإغلاق المفاجئ للحدود وفترات الحجر الصحي واختبارات فيروس كورونا جميعها عوامل تزيد من تكلفة وتعقيد التخطيط لعملية الإنقاذ.

قال “سيقول الناس أحيانًا، إذا لم تتمكن من إخراجي من هنا فسوف أُقتل. نحن نعمل بأسرع ما يمكن، ولكن هناك الكثير مما يمكننا القيام به لتسريع الأمور، فنحن نعتمد على الأشخاص والأنظمة الأخرى.”

حققت كارا معدل نجاح بنسبة 100 في المئة في استخراج التأشيرات في عام 2020، ولكن لا يوجد يقين من أن كل شيء سوف يستمر بحسب الخطة. تم رفض أحد العلماء مؤخرًا من التوقف في باريس لأن القواعد تغيرت في اللحظة الأخيرة بسبب فيروس كورونا.

قال وردزورث “إنه شعور عظيم بالراحة والفرح عندما يتمكن شخص ما من المجيء إلى هنا.”

الفرار من الموصل

تمكن سلام داوود من شغل المنصب الذي أمنته كارا له بهدف نيل درجة الدكتوراه في طب الأسنان في جامعة برمنغهام في كانون الأول/ ديسمبر 2020. وتأخرت رحلته لمدة عام بعد أن تم تعليق الفحوصات الطبية التي كان يحتاجها لغرض السفر من العراق إلى المملكة المتحدة بسبب كوفيد-19.

أصبح وضع داوود محفوفًا بالمخاطر بشكل متزايد بعد أن اجتاح تنظيم داعش مدينته الموصل في عام 2014. هدد المسلحون داوود وعائلته، بوضع متفجرات في منزلهم، ثم خطفوا وقتلوا عمه وابن عمه. هرب داوود وأسرته، ولم يعودوا إلا بعد طرد المسلحين من المدينة في عام 2017. لكن أعضاء الجماعة ما زالوا نشطين في الموصل وحولها، التي تعيش حالة من الخراب، مع تدمير العديد من منشآتها الجامعية بسبب القتال العنيف لتحرير المدينة. (اقرأ التقرير ذو الصلة :طلاب الموصل يعودون للدراسة وسط الدمار).

يقول داوود، الذي يستخدم اسمًا مستعارًا لحماية أفراد العائلة التي لا تزال معرضة للخطر في العراق، “بعد تحرير الموصل، اعتقدنا أن الوضع سيصبح أفضل، لكنه ليس كذلك.”

يعتقد داوود أن وصوله لمطار هيثرو مع زوجته وطفليه العام الماضي كان مذهلاً. قال “شعرنا أننا بأمان وأن حلمنا قد تحقّق.”

بينما يشاهد ابنته البالغة من العمر ست سنوات وهي تلعب في الحديقة، وتتحدث مع أصدقاء جدد باللغة الإنجليزية التي تعلمتها في الفصول الدراسية في الموصل، يشعر داوود بثقة في المستقبل. قال “حصلتُ أخيرًا على مكان لإكمال شهادتي في واحدة من أكثر الجامعات تقدمًا، في واحدة من أكثر البلدان تقدمًا في العالم.”

انعكاسات إيجابية

يؤدي جلب العلماء مع عائلاتهم إلى زيادة تكاليف كارا، التي تمولها مجموعة من المؤسسات والصناديق الائتمانية والمتبرعين من القطاع الخاص والأفراد. قال وردزورث “نحن نعطي الأولوية على أساس المخاطر، ولكن كلما زاد إنفاقنا على عائلة واحدة، قل عدد الأشخاص الآخرين الذين يمكنهم الحصول على المساعدة، لهذا نحاول تحقيق التوازن.”

“نحن نعطي الأولوية على أساس المخاطر، ولكن كلما زاد إنفاقنا على عائلة واحدة، قل عدد الأشخاص الآخرين الذين يمكنهم الحصول على المساعدة، لهذا نحاول تحقيق التوازن.”

ستيفن وردزورث  
المدير التنفيذي لمؤسسة كارا

تدعم كارا حاليًا 330 باحثًا في مراحل مختلفة – وهو عدد يفوق من ساعدتهم في أي وقت مضى في تاريخها، والذي يعود إلى عام 1933، عندما تم إنشاؤها لمساعدة الأكاديميين اليهود وغيرهم من الأكاديميين الفارين من الاضطهاد النازي. منذ ذلك الحين، أنقذت المؤسسة الخيرية آلاف الأرواح، بما في ذلك 16 باحثًا حصلوا على جوائز نوبل و18 ممن حصلوا على وسام الفروسية.

قال وردزورث “الفوائد التي تعود على المملكة المتحدة ضخمة من دون أن يتكلف دافع الضرائب أي شيء،” مشيرًا إلى العمل القيّم الذي يواصل العديد من زملاء كارا متابعته. يعمل أحد الزملاء من سوريا على طريقة رائدة لتشخيص كوفيد-19، بينما يعمل الآخر على تطوير سلالات هجينة من القمح والشعير لتكون أكثر مقاومة لتأثيرات تغير المناخ.

في السنوات العشر الماضية، كان هناك تركيز على سوريا، التي تمثل أكثر من 40 في المئة من الطلبات التي تتلقاها كارا الآن، وشهدت الأشهر الثمانية عشر الماضية زيادة في الطلبات المقدمة من باحثين من اليمن.

على الرغم من كون الأكاديميين أكفاء، فقد حُرم البعض من فرصة تقديم أوراق الاعتماد التي توقعتها جامعات المملكة المتحدة.

 قال “في سوريا، كان النظام يميل إلى دفع الأكاديميين إلى التدريس بدلاً من البحث، لذلك لم تكن لديهم المهارات البحثية التي تتوقع أن يمتلكها أكاديمي ما بعد الدكتوراه في النظام الغربي.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

تدافع كارا نيابة عنهم، حيث تعمل مع أكثر من 120 جامعة ومؤسسة أخرى في جميع أنحاء البلاد للعثور على مكان لزملائها لتطوير حياتهم المهنية. قال وردزورث “هدفنا وهدفهم البقاء هنا ما داموا بحاجة إلى ذلك.”

أضاف “لكن الهدف أن يعودوا إلى ديارهم مرة أخرى، متى ما أمكن ذلك، لأن مهاراتهم ستكون مطلوبة وهم يرغبون في المساعدة في إعادة بناء بلدانهم حيثما تسمح الظروف بذلك. … نحن لا ندعم هجرة الأدمغة.”

بخلاف المنظمات الأخرى، تركز كارا على طلاب الدراسات العليا ذوي الخبرة في التدريس.

قال “إذا كان هدفك إعادة بناء المجتمع، فلا فائدة من وجود الكثير من الطلاب الحاصلين على درجة البكالوريوس إذا لم يكن هناك أي شخص آخر يعلمهم. يتعلق الأمر بمساعدة الأشخاص الذين ستكون هناك حاجة إليهم في مجال التدريس عند عودتهم.”

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى