أخبار وتقارير

جاله مخزومي: مهندسة مشاهد طبيعية في سباق لوقف التصحر

بشغف وتفانٍ، سعت جاله مخزومي إلى سد الفجوة بين المجال الأكاديمي والممارسة العملية في حياتها المهنية الطويلة في التدريس وإدارة المشاريع في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

قالت مخزومي، أستاذة الهندسة المعمارية والتصميم بالجامعة الأميركية في بيروت، “أحب التدريس، وأعتبر رؤية طلابي يتفوقون مكافأة عظيمة. العمل على الأرض يغذي تجربتك. يحتاج المهندس المعماري إلى كلا الأمرين.”

بصفتها مستشارة للمشاريع، قامت مخزومي بزيارة العديد من الأماكن في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، وساعدت في وضع خطط رئيسية لتطوير المدن وإنشاء أحزمة خضراء، والحفاظ على التراث في العراق وسوريا ولبنان وقبرص والمملكة العربية السعودية، من بين دول أخرى.

في عام 2009، عملت مخزومي مستشارة رئيسية لمشروع الحزام الأخضر الداخلي في أربيل. تسببت الأزمة الاقتصادية والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في تنحية المشروع جانبًا، لكن مخزومي وفريق من الجامعة الأميركية في بيروت أعادوا إحياءه مؤخرًا وأكملوه باعتباره تعافيًا للتراث الريفي وجهود التنمية بعد الصراع.

قالت مخزومي “تعني الأحزمة الخضراء في المنطقة إعادة التشجير فقط. يعتبر هذا منظور أحادي الثقافة للمشاهد الطبيعية. لقد غيرنا هذا تمامًا من خلال إعادة اكتشاف 23 قرية منسية ذات مشاهد زراعية مذهلة حول أربيل.”

إبقاء الصحراء بعيدًا 

أقنع الفريق بلدية أربيل بالتركيز على المجتمعات الريفية الفقيرة والاستثمار في بناء القدرات.

قالت “تمثلت رؤيتنا في تضمين بساتين الفاكهة ودعم الزراعة لتوفير سبل العيش للأسر والمجتمعات النازحة.” كما قاموا بتدريب مهندسين معماريين وعلماء آثار من جامعة صلاح الدين في أربيل للعمل على تطوير “حلول مع المجتمع بدلاً من استخدام حلول  مستوردة يقترحها الأجانب.”

ترى مخزومي في الصحاري أماكن ساحرة وملهمة، لكنها لا تقبل بتعدي الصحراء على المشاهد الطبيعية الأخرى. قالت “أحب أن أخرج إلى هناك وأراها، عوضاً عن الترحيب  بزيارتها لي في مكان إقامتي.”

تقول مخزومي إن زحف الصحراء الناتج عن إهمال الزراعة ما هو إلا أحد التحديات البيئية الخطيرة التي تواجه العراق. وتشمل التحديات الأخرى مخلفات القذائف المصنوعة من اليورانيوم المنضب التي استخدمت خلال حرب الخليج. (اقرأ التقرير ذو الصلة: عالمة تواصل الكشف عن أضرار اليورانيوم المنضب في العراق).

برنامج رائد في جامعة ييل

بدأ حب مخزومي للعمارة وعلم الآثار منذ طفولتها ونشأتها في بغداد النابضة بالحياة في الستينيات. دفعها ذلك إلى الالتحاق بكلية الهندسة بجامعة بغداد.

كنت جاله مخزومي، المتحدث الرئيسي في المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لمهندسي المشاهد الطبيعية، الذي عقد في أوسلو عام 2019. (الصورة بإذن من جاله مخزومي).
كنت جاله مخزومي، المتحدث الرئيسي في المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لمهندسي المشاهد الطبيعية، الذي عقد في أوسلو عام 2019. (الصورة بإذن من جاله مخزومي).

في عام 1971، حصلت مخزومي ومجموعة من أفضل خريجي كلية الهندسة على منح دراسية حكومية للدراسة في الخارج. قالت “انضممتُ إلى برنامج لنيل الماجستير في التصميم البيئي الذي أطلقه تشارلز مور لتوه في جامعة ييل. كانت البيئة مجالاً يتم اكتشافه للتو في ذلك الوقت.”

مع ذلك، اندهشت مخزومي عندما اكتشفت أن النساء العراقيات كُنّ أكثر امتيازًا من النساء في الولايات المتحدة.

قالت “كان العراق مكانًا للتكافؤ التام في الفرص من حيث الجنس والعرق والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. ما يؤهلك للدراسة هو درجاتك. لا أحد يمكنه التدخل في ذلك، سواء أكنت ابن فلاح أو وزير. … في السبعينيات، كانت النساء في الولايات المتحدة الأميركية يناضلن من أجل بعض حقوقهن.”

بعد التخرج، عادت مخزومي إلى بغداد وقامت بتدريس العلوم البيئية للمهندسين في الجامعة التكنولوجية في العراق لمدة 15 عامًا. لفترة طويلة من ذلك الوقت، مُنعت مخزومي من السفر بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988.

قالت “كان الوضع صعبًا. في أواخر الثمانينيات، تلقيتُ رسالة من جائزة الآغا خان بهدف ترشحي للجائزة. شعرتُ بالخوف ولم أعرف كيف يمكنني إخفائها. كان يُنظر إليه على أنه عميل لوكالة المخابرات المركزية الأميركية. لقد شعرتُ بالرعب من فكرة استجوابي حول كيفية واسباب ترشيحهم لي.”

من التنافس إلى التعاون

كانت مخزومي في إجازة إلى لندن عام 1990 عندما اندلعت حرب الخليج الأولى، مما أجبرها فجأة على توديع العراق ومنزلها وزملائها. ومع ذلك، منحها ذلك الفرصة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة شيفيلد، والتي أكملتها في عام 1996.

في المملكة المتحدة، قاد عمل مخزومي في شمال قبرص – في تطوير منهجية للمشاهد البيئية لا يزال يستخدمها طلاب الدراسات العليا في الجامعة الأميركية في بيروت – إلى لقاء غلوريا بونجيتي، وهي باحثة إيطالية ذات اهتمامات مشتركة.

قالت “كنا نبحث في أمورٍ مماثلة، وندرس جزيرتين: سردينيا في حالتها وقبرص في حالتي. كنا نتنافس مع بعضنا البعض حرفيا. ومع ذلك، قال المراجع الخارجي إنه يتعين علينا النشر معًا.”

قادتهم نقطة التحول تلك إلى تعاون مستمر أسفر عن المشاركة في تأليف كتابين: التصميم والتخطيط البيئي للمشاهد الطبيعية (1999) والحق في المشاهد الطبيعية (2016).

في عام 2001، شاركت مخزومي في تأسيس قسم هندسة المشاهد الطبيعية في كلية العلوم الزراعية والغذائية بالجامعة الأميركية في بيروت بعد إلقاءها محاضرة هناك. أنشأت مخزومي المنهج ودرّست هناك لمدة 12 عامًا.

قالت “لقد بدأتُ البرنامج من الصفر. وهو الآن أحد البرامج الرائدة والأكثر تميزًا في مجال هندسة المشاهد الطبيعية في العالم العربي.”

جائزة ملهمة

في بعض الأحيان، تشككت مخزومي في قيمة مسيرتها الأكاديمية حتى أصبحت أول فائزة بجائزة تميز للنساء في العمارة والإنشاء عام 2013.

قالت “لقد رشحني طلابي للجائزة! كان ذلك مؤثرًا للغاية. جعلتني جائزة تميّز أدرك فجأة أن ما اعتدت على اعتباره حظًا سيئًا تبين أنه أفضل شيء قمتُ به على الإطلاق. لقد رأيتُ الطلاب يقولون إننا نحبها، لقد علمتنا. ما الذي يمكن أن يكون أكثر قيمة من القدرة على التأثير على حياة الناس؟”

يعتقد أحمد الملاّك، المهندس المعماري العراقي المقيم في المملكة المتحدة والمدير المؤسس لجائزة تميّز، أن مخزومي نموذج رائع للعديد من المهندسين المعماريين الشباب.

قال “كرست جاله حياتها للنشاط العلمي والنهوض بواقع هندسة المشاهد الطبيعية في العراق والمنطقة على نطاقٍ أوسع. طوال حياتها المهنية، حرصت على نقل هذه المعرفة إلى الطلاب من خلال التدريس والأبحاث.”

“كرست جاله حياتها للنشاط العلمي والنهوض بواقع هندسة المشاهد الطبيعية في العراق والمنطقة على نطاقٍ أوسع. طوال حياتها المهنية، حرصت على نقل هذه المعرفة إلى الطلاب من خلال التدريس والأبحاث.”

أحمد الملاّك  
المهندس المعماري العراقي المقيم في المملكة المتحدة والمدير المؤسس لجائزة تميّز

المواطنة والمشاهد الطبيعية

على الرغم من أنها ليست من هواة السياسة، نزلت مخزومي إلى الشارع في حملة لحماية دالية الروشة، آخر جيب طبيعي في بيروت مفتوح للناس من جميع الخلفيات.

قالت “جننتُ عندما سمعتُ عن خطط للبناء على هذا الموقع. لمدة عام كامل، اجتمعت مجموعة الناشطات، وجميعهن من الشابات، في مكتبي. عقدنا مؤتمرًا دوليًا للبحث عن بدائل ووقعنا عريضة أدت في النهاية إلى منع ريم كولهاس، أحد المهندسين المعماريين الرئيسيين، من المضي قدمًا في المشروع.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

تعمل مخزومي الآن مع الصندوق العالمي للآثار والتراث لترميم متحف الموصل الحضاري، إلى جانب مشاريع جديدة في الزبير والبصرة في جنوب العراق مع شركة ديوان في الإمارات العربية المتحدة.

قالت “قلبي ينزف من أجل البصرة، جوهرة كل مدن الخليج. عندما زرتها في عام 2014، لم أستطع رفع عيني عن جلالها وبهائها. هناك مسحة من الألم بداخلي، بسبب ما يمكن أن تكون عليه البصرة وما هي عليه الآن. لتلك المدينة الكثير من الإمكانات. أنا أتطلع لأن تكون لي بصمة ملموسة هناك.”

Countries

تعليق واحد

  1. د.جالة المخزومي
    اتشرف باني كنت إحدى طالباتها في قسم الهندسة المعمارية في الجامعة التكنولوجية الدورة الأولى بالقسم …وبعد تخرجي عملت في القسم نفسه
    وتشجيعها لي لعب دور مهم في حياتي المهنية( الأكاديمي والعملي) هي استاذه متألقة في كل شئ ومحبة للجميع من يتعامل معها يعرف مدى إنسانيته وقلبها الكبير والجميع بلا استثناء طلبة وكوادر تدريسية وعاملين يحبها ويحترمها….تحياتي وتقديري لها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى