أخبار وتقارير

افتحوا غزة: توظيف العمارة والخيال لفك الحصار عن القطاع

تستحضر عبارة “افتحوا غزة” معانٍ متعددة، باعتبارها عنوانًا لكتاب نُشر حديثًا من قبل دار تيرفورم ومطبعة الجامعة الأميركية بالقاهرة، إذ توحي بإمكانية الوصول، والاستقبال، ومستقبل غزة بدون حصار، لكنها تحمل في معانيها أيضًا دعوة للتحرك واتخاذ موقف. تنتهي الجملة الأخيرة من مقدمة الكتاب، التي كتبها المحرران المشاركان دين شارب والكاتب الراحل مايكل سوركين، بعلامة تعجب، “افتحوا غزة!”

تم إطلاق مشروع “افتحوا غزة”، الذي يتجاوز مجرد نشر كتاب، من قبل منظمة تيرفورم غير الربحية قبل ستة أعوام ونصف، ليكون خروجًا عن المألوف في معظم المشاريع الأكاديمية والسياسية في جميع أنحاء غزة.

خلال ندوة عبر الإنترنت عُقدت في 22 شباط/ فبراير بمناسبة إطلاق الكتاب، قال طارق باقوني إن العمل في غزة “يحاصره اليأس” في الغالب. يقرّ هذا الكتاب ويعترف بعزلة غزة القاسية، لكنه ينسج أيضًا بين ما هو جميل وطموح ورائع.

يضم الكتاب واحدًا وعشرين مقالة كتبها باحثون وممارسون من جميع أنحاء العالم، فضلاً عن مخططات وقوائم ونماذج من الفن التأملي. يشمل المؤلفون متخصصين في مجموعة متنوعة مثل: الهندسة المعمارية والتخطيط، والعلوم الاجتماعية، وحماية البيئة، والنظرية النقدية.

كان إطلاق الكتاب، الذي قدّمه المحرر المشارك دين شارب، بداية لسلسلة من فعاليات إلكترونية بعنوان “افتحوا غزّة”. حضر الفعاليات ثلاثة من المساهمين في الكتاب هم: باقوني، المؤلف والمحلل في مجموعة الأزمات الدولية؛ وفادي شايع، المهندس المعماري والباحث بجامعة مانشستر؛ وهلجا طويل الصوري، مخرجة الأفلام والباحثة في جامعة نيويورك.

أكد المساهمون الثلاثة أن الكتاب، على الرغم من تركيزة على غزة، لا ينظر إليها بمعزل عن غيرها، حيث تتماشى مجموعة المقالات، كما قالوا، مع الخط الفاصل بين الاعتراف بالحقائق المروعة في غزة وعدم اعتبارها ثابتة.

أمل من نوع خاص

ولدت فكرة مشروع “افتحوا غزة” في خضم حرب غزة عام 2014، التي نزح خلالها مئات الآلاف من سكان غزة داخليًا، وتضررت عشرات الآلاف من المنازل، وقتل أكثر من 2,000 مواطن من سكان غزة، من بينهم 551 طفلًا. ومع ذلك، لم يرغب سوركين وشارب في أن يكون المشروع “خلاصة وافية للكوارث واليأس”، بحسب ما قاله شارب في حفل إطلاق الكتاب.

تحقيقا لهذه الغاية، كان العنوان الفرعي لكتاب افتحوا غزة “عمارة الأمل”. لا يشير هذا إلى تفاؤل غامض بشأن المستقبل، بل يشير إلى محاولة تصميم أمل جديد بشكل مدروس.

كتب شارب وسوركين في مقدمة الكتاب أن “غلاف هذا الكتاب يعبر عن نيتنا تسليط الضوء على الحصار الإسرائيلي وإفشال منطق الحصار المفروض على حدٍ سواء”. تُظهر الصورة أحد أعضاء فريق غزة باركور وهو يقوم بحركة شقلبة خلفية مع مشهد للبحر في الخلف – وهو منفذ آخر لإتصال سكان غزة بالعالم الخارجي تعرّض للإغلاق بفعل الحصار.

“غلاف هذا الكتاب يعبر عن نيتنا تسليط الضوء على الحصار الإسرائيلي وإفشال منطق الحصار المفروض على حدٍ سواء”.

المحرران المشاركان دين شارب والكاتب الراحل مايكل سوركين  

يُفصّل المساهمون في كتاب “افتحوا غزة” لحظات من الجمال اليومي، مثل الباركور، وهي رياضة حضرية تم تطويرها من تدريب اجتياز الحواجز، لكنهم توصلوا أيضًا إلى حلول إبداعية لتحديات المنطقة. يتضمن فصل “القبة الشمسية” بقلم كريس ماكي ورافي سيغال مخططًا لغزة تعمل بالطاقة الشمسية؛ فيما يقترح فصل “إعادة رسم غزة” لألبرتو فويو وبوستوبيا خطة جديدة للعمارة والزراعة في المنطقة؛ وتقترح “شبكة الإنترنت الزاجل” لهلجا طويل الصوري شبكة اتصالات جديدة صديقة للبيئة.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

قالت طويل الصوري في ندوة الإنترنت التي عقدت في 22 من شباط/ فبراير، “يبدو الأمر جنونيًا بعض الشيء، لكنني ابتكرت هذه الشبكة الواسعة النطاق لقطاع غزة بأكمله … وهي خالية قدر الإمكان من أشكال المراقبة الإسرائيلية.”

وأضافت إن مسألة شبكة الإنترنت في غزة تثير عددًا من الأسئلة الفلسفية. قالت “هل يمكن للمرء أن يكون متصلاً بالإنترنت من دون أن يكون تابعًا؟ هل يمكنك أن تكون جزءًا من الشبكة مع الاحتفاظ بتمتُعك بالسيادة؟ وكيف يبدو ذلك؟”

من جلسة إطلاق كتاب افتحوا غزة عبر الإنترنت في شباط/فبراير. من أعلى اليسار المحرر المشارك دين شارب، ومدير الجلسة: طارق باقوني، المؤلف والمحلل في مجموعة الأزمات الدولية؛ فادي شايع المهندس المعماري والباحث بجامعة مانشستر. وهلجا طويل الصوري ، مخرجة الأفلام والباحثة في جامعة نيويورك. (الصورة: ماريس لنكس كويلي).
من جلسة إطلاق كتاب افتحوا غزة عبر الإنترنت في شباط/فبراير. من أعلى اليسار المحرر المشارك دين شارب، ومدير الجلسة: طارق باقوني، المؤلف والمحلل في مجموعة الأزمات الدولية؛ فادي شايع المهندس المعماري والباحث بجامعة مانشستر. وهلجا طويل الصوري ، مخرجة الأفلام والباحثة في جامعة نيويورك. (الصورة: ماريس لنكس كويلي).

قالت طويل الصوري إن كتابة فصلها قادتها إلى طرح أسئلة أخرى مثل: كيف تتحكم في الأنظمة عندما تصبح معقدة للغاية، وكيف تستعيد هذه العمليات؟ على الرغم من أن غزة قد لا تؤسس حقًا شبكة الحمام الزاجل بدلاً من الإنترنت الذي تسيطر عليه إسرائيل، إلاّ أن الأسئلة التي أثيرت في فصل طويل الصوري مهمة ليس لغزة فحسب، بل لجميع الشعوب الخاضعة للاحتلال في جميع أنحاء العالم.

في الواقع، اقترح أعضاء الندوة كون البحث المشترك عن الحلول من بين الأمور التي تحافظ على إبقاء غزة على اتصال بالعالم الأوسع.

ارتباطات عملية وعاطفية

كان من المقرر أن تتحدث هديل العسلي، المساهمة في برنامج افتحوا غزة، في ندوة 22 شباط/ فبراير. لسوء الحظ، لم تتمكن العسلي من الحضور، بسبب تواجدها في تكساس، حيث أدت عاصفة شتوية إلى قطع الكهرباء والماء عن العديد من السكان. يحدد فصل العسلي بعنوان “التغيب المفرط في الوقت الحاضر: الأساليب المقترحة”، الموارد والطرق العملية التي يمكن للأشخاص من خلالها التواصل في غزة.

يناقش فصل باقوني أيضًا شكلاً من أشكال الارتباط بغزة في الإمكان الوصول إليه على نطاق واسع. قال إنه توصّل إلى موضوعه بعد أن لاحظ أنه على الرغم من كون غزة “معزولة بشكل متزايد ومحتواة بكل الطرق الممكنة”، كان هناك أيضًا “اتجاه مضاد يحدث” متمثلاً في ارتباطات أشخاص آخرين بقصص غزة.

قال باقوني “بدأتُ أفكر في الإرتباط العاطفي. في الإمكان محاصرة غزة بكل الطرق الممكنة، لكن ليس في الإمكان حصارها عاطفيا، إذ ليس في الإمكان مراقبة الأفكار الداخلية التي تراود الناس حيال غزة … على الأقل حتى الآن.”

اعترف باقوني بأن هذه الحدود العاطفية مهددة أيضًا. ومع ذلك، قال: “إنه أقوى جزء في كيفية اتصال غزة ببقية العالم.”

مساهمات في البحوث والسياسات

قالت طويل الصوري، الباحثة الإعلامية ومخرجة الأفلام الوثائقية، إن إحدى المساهمات الرئيسية للكتاب في العالم الأكاديمي هي أنه على الرغم من إدراكه للقيود المفروضة على أرض الواقع، فإنه يتحرك أيضًا “بما يتجاوز مجرد نقد ذلك”.

إحدى المساهمات الرئيسية للكتاب في العالم الأكاديمي هي أنه على الرغم من إدراكه للقيود المفروضة على أرض الواقع، فإنه يتحرك أيضًا “بما يتجاوز مجرد نقد ذلك”.

هلجا طويل الصوري  
مخرجة الأفلام والباحثة في جامعة نيويورك

يعتقد باقوني، الذي يعمل في عالم السياسات، ان صانعي السياسة غالبًا ما يشكون من أن الحلول النابعة من الأوساط الأكاديمية “غير مجدية تمامًا،” وأنهم يعيشون في أبراجٍ عاجية”. لكنه قال إن الطرق التي جمع من خلالها مشروع “افتحوا غزة” الأكاديميين والممارسين والأشخاص على الأرض لإيجاد حلول ممكنة يعني أن “صانعي السياسة قد يكونون أكثر قدرة على سماع ودمج” هذه الأفكار.

قال شايع إن المشروع مهم أيضًا، لأنه ببساطة يضم معًا مساهمين من العديد من التخصصات المختلفة. لكنه نبّة إلى أن ثمار الكتاب يمكن “رؤيتها على مدى فترة زمنية أطول، بدلاً من توقع حلول فورية”، كان يأمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة الوعي، مما قد يؤدي بدوره إلى مشاركة أكبر، وبالتالي تحقيق لمزيد من الاتصالات الممكنة.

كتب شايع، مع منظمة “إبراز فلسطين” Visualizing Palestine غير الربحية، فصل “إعادة تصميم الطابع البيئي في غزة”. وقال إن الاحتلال “يزيل البيئة” في غزة عن طريق قطع التدفقات الطبيعية برًا وبحرًا وجوًا. في النهاية، قال إن مشروع افتحوا غزة “لا يتعلق بتطوير غزة بمفردها”، ولا يتعلق بالسعي لتحقيق العدالة لغزة فقط، بل يتعلق “بإعادة ربطها بالبيئة المحيطة بها”.

تُعقد فعالية “افتحوا غزة” Open Gaza القادمة في 18 آذار/ مارس، حيث من المقرر أن تناقش شارب وسالم القدوة مخططات الإسكان الميسور التكلفة في غزة وفصل القدوة في الكتاب بعنوان “عمارة كل يوم”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى