مقالات رأي

طالبة ليبية تسافر لاستكشاف ثقافات أخرى بشكل افتراضي

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

أُختطف والدي في نيسان/ أبريل 2014 وقد صَدم اختفاؤه عائلتي. مع ذلك، تمكنتُ من الحصول على درجة الماجستير في اللغويات التطبيقية بجامعة بنغازي. في خريف عام 2019، كنتُ أقضي إجازة الفصل الدراسي. كنتُ أعمل محررة لموقع إخباري محلي بالإضافة لحرصي على تلبية احتياجات عائلتي اليومية. بعد خمس سنوات من حادثة اختطاف والدي الذي لم نتمكن من العثور على مكان وجوده أو معرفة هوية المسؤول عن اختطافه.

كانت ليبيا، في ذلك الوقت، ممزقة بسبب الحرب الأهلية التي جعلت من المستحيل على الكثير من سكان البلاد المضي قدمًا بأي طريقة مُنتجة. كانت حالة الشلل في الزمان والمكان على تلك الهيئة صعبة بالنسبة لشابة تبلغ من العمر 25 عامًا، شابة لطالما حلمت باستكشاف العالم.

لكنني قبلت على مضض ظروفي ومسؤولية كوني المُعيل الوحيد لعائلتي المكونة من ستة أفراد. لم يكن لدي خيار سوى التخلي عن العديد من الأحلام بما في ذلك السفر إلى الخارج.

قبل انتهاء عطلة الفصل الدراسي، أعلن أحد الأساتذة في جامعتي عن دعوة للمشاركة في برنامج سوليا كونيكت، وهو برنامج افتراضي جديد يسعى إلى بناء علاقات هادفة بين طلاب الجامعات عبر الحدود الوطنية والثقافية والدينية والأيديولوجية. البرنامج برعاية مشتركة من قبل مبادرة ستيفنز، التي تسعى إلى تنمية برامج التبادل الافتراضي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قيل لي ولحوالي 100 طالب آخر أن هذا البرنامج، وهو الأول من نوعه الذي يتم تنفيذه في ليبيا، سيربطنا افتراضيًا بطلاب من الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تقدمتُ على الفور للإنضمام إلى البرنامج. شعرتُ وكأنني أستطيع تحقيق توقي لاستكشاف الثقافات. وسرعان ما دخلتُ، وأنا مرتاحة في منزلي، في حوارات مع طلاب من بلدان أخرى حول مجموعة واسعة من القضايا، من التعليم إلى الاختلافات الثقافية إلى التمثيل الإعلامي وحتى المساواة بين الجنسين. حتى أننا ناقشنا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. (اقرأ التقرير ذو الصلة: ما هو أبعد من فيس بوك: تبادل ثقافي أعمق عبر الإنترنت.”)

تغيير وجهات النظر

كانت تجربتي مع برنامج سوليا كونيكت مدهشة. على مدار شهرين، عقدنا جلسات أسبوعية لمدة ساعتين حضرتها جميعًا. خلال هذا الوقت، تغيرت بعض تصوراتي عن الثقافة الأميركية. لقد فوجئتُ بسماع أن النساء، في بلد ليبرالي مثل الولايات المتحدة، يخشين أيضًا المشي بمفردهن في الليل أو يضطررن للتفكير مرتين فيما يرتدينه خارج منازلهن. يبدو أن زميلاتي الأميركيات، على الرغم من عيشهن في مجتمعات علمانية، يتعرضن لظلم قائم على النوع الاجتماعي مشابه في بعض المستويات لما كنتُ أعانيه في مجتمعي الديني المحافظ. قادني هذا الاكتشاف للاعتقاد بأن النظام الأبوي لا يقوم على الدين أو الثقافة. النظام الأبوي نظام اجتماعي للامتياز الذكوري يمكن أن يوجد حتى في أكثر المجتمعات علمانية وتنوعًا ثقافيًا وما يسمى بالمجتمعات الليبرالية.

كانت تجربتي مع برنامج سوليا كونيكت مدهشة. على مدار شهرين، عقدنا جلسات أسبوعية لمدة ساعتين حضرتها جميعًا. خلال هذا الوقت، تغيرت بعض تصوراتي عن الثقافة الأميركية.

من بين أكثر المناقشات إثارة للاهتمام تلك التي أجريناها حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تجنبًا للآراء المحتدمة، ذكرتُ نفسي أنها لن تكون مناقشة، بل حوار. يجب ألا أحكم على زملائي بناءً على آرائهم ولا ينبغي أن أتأثر عاطفيًا بآراء أي شخص يخالفني الرأي. لكن خلال الجلسة، ولدهشتي، عبرت أنا وزملائي الأميركيون عن وجهات نظر متشابهة للغاية بشأن قضية سياسية شديدة الانقسام. كان لكلانا وجهات نظر متشابهة حول الأساس التاريخي للصراع. اتفقنا على أن التدخل الأجنبي لعب دورًا سلبيًا. وكان هناك إجماع على أن الحل السلمي يمثل الحل الوحيد للصراع.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

خلال البرنامج، تم تكليف كل منا بمهمة مقابلة أعضاء من مجتمعنا المحلي حول موضوع اتفقنا عليه كمجموعة. اخترنا موضوع التعليم واخترنا أن نسأل أعضاء مجتمعنا المحلي عما إذا كانوا يعتقدون أن التعليم يجب أن يكون مجانيًا أو لا. وجدنا أن جميع الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من مجتمعاتنا المحلية يعتقدون أن التعليم يجب أن يكون مجانيًا أو على الأقل ميسور التكلفة. كنتُ وزملائي مهتمين باكتشاف كيف ينظر الشباب من المجتمعات المختلفة إلى مثل هذه القضية الحساسة بذات الطريقة.

في الواقع، وعلى مدار البرنامج، فوجئتُ باكتشاف وجود الكثير من القواسم المشتركة بين الشباب من الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد كان كلاهما فضوليًا بشأن ثقافات الآخر؛ كلاهما يسعى إلى فهم أفضل لبعضهما البعض؛ وكلاهما يشتركان في صراعات مماثلة. ساعدتني البيئة الآمنة للحوار بين الثقافات في برنامج سوليا كونيكت على اكتساب بعض أهم المهارات التي أمتلكُها. أصبحت أكثر انفتاحًا واستعدادًا لقبول الآراء المختلفة. لقد تعلمت خلال الحوارات أن أستمع بنشاط وأن أفهم آراء زملائي وخبراتهم. تعلمتُ تحدي تصوراتي ومحاولة فهم الخلفية الشخصية التي شكلت وجهات نظري.

في الواقع، وعلى مدار البرنامج، فوجئتُ باكتشاف وجود الكثير من القواسم المشتركة بين الشباب من الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تأثير مستمر

خلال الجلسة الأخيرة تم تقسيم المجموعة لإنشاء محادثات فردية في “غرف جانبية” بدون الموجهين. كان الجو ودودًا للغاية وتعرفتُ على بعض زملائي بشكل أفضل. لاحقًا، أخبرنا الميسرين بأننا نرغب في أن نفعل ذلك أكثر من مرة. قبل أن نقول وداعًا، تبادلنا معلومات اتصالنا الشخصية. أرسلُ وزميلتي كيليا من ميشيغان رسائل نصية لبعضنا البعض على واتساب أحيانًا. عرضتُ وزميلتي إيفانثيا، من ولاية فرجينيا، قصة تأثرنا المشترك على الموقع الإلكتروني لمبادرة ستيفنز.

كمهمة نهائية، قدمتُ مقالًا إلى أستاذي الجامعي، ناقشتُ فيه مهمة المقابلة وانطباعاتي عمّا تعلمته.

بعد انتهاء البرنامج، شجعتُ بشدة الطلاب الآخرين في جامعتي على الانضمام إليه في المرة القادمة التي يكون فيها متاحًا. وضّح برنامج سوليا كونيكت لي دور مقدار سوء التواصل الثقافي المتجذر في الافتراضات والمفاهيم المسبقة عن “الآخر”. لقد تشكلت هذه الافتراضات من خلال العديد من العوامل بما في ذلك التمثيل الإعلامي والصراعات الجيوسياسية. تساعد البيئة الآمنة الخالية من الأحكام الشباب على تحدي تلك الافتراضات وبناء فهم أفضل وأكثر استنارة لبعضهم البعض.

هناك حاجة لوجود مثل هذه البرامج الآن أكثر من أي وقت مضى. لقد أجبر الوباء البلدان على إغلاق أبوابها أمام بعضها البعض. يمكن أن تزداد النزعة القومية قوة في عالم ما بعد الوباء. تمثل برامج التبادل الافتراضي وسيلة لتحصين الشباب وحمايتهم من الآثار الضارة للقومية وللتغلب على جميع الحواجز الجغرافية بهدف تمكين الشباب من البقاء متصلين على مستوى العالم.

*حنان محمود، محررة في صحيفة العنوان الليبية ومترجمة في منظمة مترجمون بلا حدود.

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى