أخبار وتقارير

الطلاب العراقيون يبتعدون عن دراسة علم الآثار

مازالت العديد من مواقع التراث العالمي في العراق في حالة خراب بعد ثلاث سنوات من انهيار تنظيم الدولة الإسلامية فيما تخفي آلاف التلال بقايا مدنٍ قديمة. تتعرض هذه المواقع للنهب وتحتاج إلى فرق من الخبراء للكشف عن كنوزها، لكن قلة من الشباب يرغبون في دراسة علم الآثار في البلد الذي يُعتبر مهد الحضارة، لاسيما مع ندرة الوظائف بالنسبة لمن يختارون القيام بذلك.

استؤنفت أعمال التنقيب الميدانية بقيادة فرق من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وجمهورية التشيك في محافظات جنوب العراق وإقليم كردستان الشمالي.

مع ذلك، لا يتشجع الطلاب العراقيون الذين يُحتمل أن يختاروا هذا التخصص لسماع قصص مثل قصة إبراهيم العبيدي، الذي تخرج من كلية الآثار بجامعة الموصل في عام 2018 ولم يتمكن من العثور على وظيفة.

قال العبيدي “وضع الخريجين مؤلم. ليست هناك وظائف لنا في القطاعين الحكومي أو الخاص. لقد أصبحت مزحة أن يتقدم آثاري بطلب الحصول على وظيفة.”

يتضح تراجع اهتمام الطلاب هذا في جامعة الموصل التي التحق بها 17,000 طالب هذا العام، بحسب رئيسها قصي الأحمدي. قال الأحمدي “التحق منهم 28 طالباً فقط بكلية الآثار. عادة ما يكون العدد أعلى من ذلك.”

تأسست كلية الآثار في جامعة الموصل في عام 2008 من خلال توسيع قسم سابق لتلبية الحاجة إلى الخبراء في بلد يضم أكثر من 15,000 موقع أثري، وفقًا لأطلس رقمي مُحدث للمواقع الأثرية في العراق صممه عبد الأمير الحمداني، وزير الثقافة والسياحة والآثار السابق.

يعتقد أسامة عدنان، أستاذ التاريخ المساعد في الجامعة المستنصرية، إن قبول عدد قليل فقط من الطلاب في بعض كليات الآثار العراقية يرجع إلى “قلة الوعي الآثاري”.

قال عدنان “بدأ أشخاص غير محترفين في الكتابة عن الآثار على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد جعل هذا الكثير من الناس يعتقدون أن علم الآثار تخصص سهل بإمكان أي شخص الكتابة عنه.”

تحولات في تفضيلات الطلاب

في العام الدراسي 2020-2021، استقبلت الجامعات العراقية أكثر من 210,000 طالب، تنافس الآلاف منهم على مقاعد في تخصصات المهن الصحية مثل كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، وفي الوقت نفسه، كافحت كليات العلوم الإنسانية لجذب الطلاب.

قال الحمداني، وزير الثقافة السابق، “هذا أمرٌ مقلق حقًا، ولا يقتصر على كليات الآثار فقط أو جامعة الموصل وحدها.” وأضاف، “لقد استقبل قسم التاريخ بجامعة ذي قار تسعة طلاب، مع هيئة تدريس مؤلفة من 35 أستاذًا. لقد جعلهم هذا يتنافسون على المحاضرات. يتردد الطلاب في دراسة الجغرافيا أو التاريخ لأنهم يرون أن لا مستقبل لهم بعد التخرج.”

“هذا أمرٌ مقلق حقًا، ولا يقتصر على كليات الآثار فقط أو جامعة الموصل وحدها.”

عبد الأمير الحمداني  
وزير الثقافة والسياحة والآثار السابق

تضم كلية الآثار في الموصل هيئة تدريس مكونة من 82 عضوًا فقط، بينما يبلغ عدد المسجلين في المرحلة الجامعية حوالي 560 طالبًا. قبلت الكلية 28 طالبًا جديدًا في الدفعة الأولى لهذا العام و13 طالبًا في مرحلة القبول الثانية. لكن 11 طالبًا فقط التحقوا فعلياً بالدراسة حتى الآن.

يعتقد مصدر في كلية الآثار بجامعة الموصل، طلب عدم ذكر اسمه، أن تغيير سياسات التعليم العالي ساهم في هذا التدهور.

قال المصدر إن سلطات التعليم “خفضت مؤخرًا شروط القبول لطلاب الفصول المسائية للكليات الأخرى، كما يمكن للطلاب الانضمام إلى كليات واعدة ذات مستقبل أفضل بدرجات أدنى في الكليات الخاصة.”

أسباب متعددة وراء تراجع الاهتمام

يعتقد الأحمدي أن تفضيلات الطلاب تعكس بشكل مباشر احتياجات سوق العمل وأن “التخصصات ذات العوائد المالية الأعلى تجذب المزيد من الطلاب”.

قال “كل شيء مرتبط مباشرة بالمال. لهذا السبب هناك منافسة محمومة للانضمام إلى كليات الطب، الملوك المتوجين للكليات، لسببين: المكانة الإجتماعية والأمن الاقتصادي. قبلت كلية التمريض، على سبيل المثال، الطلاب الحاصلين على معدلات [في امتحان التخرج من المدارس الثانوية الوطنية] تصل إلى 97 بالمئة. لقد اعتادت تلك الكلية على قبول الطلاب الحاصلين على معدلات منخفضة تصل إلى 51 بالمئة قبل عشر سنوات. ويرتبط هذا بحقيقة حتمية توظيف الممرضات والممرضين بعد التخرج.” 

كما ألقى عامر الجميلي، أستاذ الآثار بجامعة الموصل، باللوم على إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة العراقية بسبب انخفاض عائدات النفط ووباء فيروس كورونا. (اقرأ التقرير ذو الصلة: البطالة والعجز الحكومي يفجران الاحتجاجات العراق).

قال الجميلي “يرغب الطلاب في الحصول على الوظائف. يضمن خريجو كليات التربية وظائف في التدريس. فيما تُصنف كليات العلوم الصرفة والآداب على أنها كليات ساندة؛ وهذا يعني أنه بمجرد وجود وظيفة شاغرة، سيتم توظيف خريجيها. ومن ناحية أخرى، فإن كليات الآثار ليست تربوية ولا ساندة، ولدى خريجيها فرص أقل.”

غياب دور القطاع الخاص

يعتقد الحمداني أن الحكومة ليست ملزمة بإيجاد وظائف للجميع.

قال “لدينا حوالي خمسة ملايين موظف في القطاع الحكومي. ترجع المشكلة جزئيًا إلى عدم وجود دور للقطاع الخاص ونقص الاستثمار.”

يتفقد طلاب وأعضاء هيئة تدريس من كلية الآثار بجامعة الموصل، حفرًا في ضواحي الموصل. (الصورة: العلاقات العامة في جامعة الموصل).
يتفقد طلاب وأعضاء هيئة تدريس من كلية الآثار بجامعة الموصل، حفرًا في ضواحي الموصل. (الصورة: العلاقات العامة في جامعة الموصل).

يعتقد الآثاري الموصلي مصطفى فرج أن هناك حاجة ملحة لكوادر جديدة من الخبراء المتخصصين في الحفاظ على مواقع التراث الثقافي وترميمها. لكن فرص عمل خريجي علم الآثار “تقتصر على الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق وكليات الآثار، مع عدم وجود آفاق في القطاع الخاص،” على حد قوله.

وأضاف فرج أن السبب الآخر لانخفاض عدد الطلاب في بعض كليات الآثار يتمثل في افتتاح العراق لسبعة أقسام وكليات جديدة للآثار في العديد من المحافظات بعد عام 2003،” وهو عام الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين.

الآن، يعمل إبراهيم العبيدي، خريج كلية الآثار في الموصل للعام 2018، سائق تاكسي. كما فشلت زوجته، الآثارية هي الأخرى، في العثور على وظيفة في هذا المجال. قال العبيدي “بدأ بعض زملائي الدراسة المسائية في كلية الحقوق. على الأقل ربما يتمكنون من العمل في شركة محاماة. لن أشجع أي شخص على دراسة علم الآثار، فليس له أي مستقبل.”

ومع ذلك، لم يتخلى بعض الطلاب عن علم الآثار، حيث يتابع حسين الربيعي شغفه وانضم إلى قسم الآثار في جامعة بغداد مع 76 طالبًا آخرين هذا العام.

قال “اخترت دراسة علم الآثار لتحقيق حلم حياتي. كان معدل درجاتي في امتحانات الثانوية العامة 78 بالمئة، وكان بإمكاني دراسة القانون في جامعة واسط، في مسقط رأسي، لكنني فضلتُ علم الآثار.”

النوعية أم العدد

يعتقد الجميلي أن تراجع الاهتمام بدراسة العلوم الإنسانية مشكلة عالمية. 

وقال إنه في خمسينيات القرن الماضي، “جذب علم الآثار النخب وشخصيات مثل الأمير الياباني تاكاهيتو ميكاسا، الذي درس علم الآثار وقاد بعثة استكشافية في العراق. في الوقت الحاضر، تجد كليات مرموقة مثل مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن صعوبة في إبقاء أبوابها مفتوحة.”

يفضل الحمداني التركيز على رفع جودة البرامج الدراسية بدلاً من أعداد الطلاب.

وقال أن العديد من الطلاب العراقيين، بخلاف طلاب علم الآثار في أوروبا والولايات المتحدة، يدخلون علم الآثار لمجرد الحصول على شهادة، “بدون شغف حقيقي أو خلفية ثقافية جيدة”.

يوافق علي حسين، عالم الآثار في متحف العراق، على أن تحسين جودة البرنامج أكثر أهمية من زيادة أعداد الطلاب: “لدينا بالفعل العديد من علماء الآثار في العراق. وجود عدد أقل من الطلاب سيجعل توظيفهم أسهل
يوافق علي حسين، عالم الآثار في متحف العراق، على أن تحسين جودة البرنامج أكثر أهمية من زيادة أعداد الطلاب: “لدينا بالفعل العديد من علماء الآثار في العراق. وجود عدد أقل من الطلاب سيجعل توظيفهم أسهل “.

قال “أصبح البعض عبئًا على سلطات الآثار،” موضحًا أنه من بين 460 خريجًا وظفهم العام الماضي بصفته وزيرًا للثقافة، فأن أقل من 10 في المئة منهم مؤهلين بشكلٍ جيد. قال “أفضل رفع شروط القبول وقبول عدد أقل من الطلاب.”

يتفق علي حسين، الآثاري في المتحف العراقي في بغداد، مع ذلك.

قال “أفضل أن يكون لدينا 11 طالبًا متحمسين حقًا لعلم الآثار على 70 طالبًا مهملاً يسعون للعمل في وظائف أخرى في وقت لاحق. لدينا بالفعل العديد من الآثاريين في العراق. وجود عدد أقل من الطلاب سيجعل توظيفهم أسهل.”

تغيير طريقة تدريس علم الآثار

يعتقد الحمداني أن الوضع يستدعي إصلاح المناهج.

وقال إن أقسام الآثار في “الجامعات الأجنبية تدرس علم آثار الحيوان والأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا والعلوم البحتة. في العراق، نكتفي بالتركيز على التاريخ ووصف القطع الأثرية والمباني والمعابد.”

يخطط الحمداني لعقد ورش عمل بالتعاون مع جامعة دورهام لتدريب الطلاب العراقيين على كتابة الأوراق وتحرير المقالات البحثية. قال “سأكون سعيدًا جدًا لتطوير حفنة من علماء الآثار المدربين جيدًا من أجل إحياء المدرسة الآثارية العراقية.”

يعتقد الأحمدي، من جامعة الموصل، أن البلاد تفتقر إلى الوعي “بكيفية استغلال القدرات الاقتصادية للآثار”.

قال الأحمدي، الذي عمل على تأمين الحصول على دعم لمشاريع مشتركة وتعاون مع بريطانيا وألمانيا وإيطاليا في هذا المجال، أن “الآثار واحدة من نقاط قوة العراق”.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

جامعة الموصل الآن شريك مع مشروع بانو، وهو مبادرة يمولها الاتحاد الأوروبي لتعزيز توظيف وريادة الأعمال للطلاب العراقيين في علم الآثار والتراث الثقافي، بالتعاون مع الجامعات العراقية والإيطالية والتركية.

تنتظر الجامعة حاليًا موافقة وزارة الثقافة والسياحة والآثار لإطلاق أعمال تنقيب مشتركة بالتعاون مع جامعة بولونيا الإيطالية التي تدير مشروع بانو.

قال الأحمدي “في حال الموافقة، سيكون طلابنا والجامعة منشغلين لسنوات بعمليات التنقيب. ووفقًا للدراسات الأولية المشتركة، نتوقع الحصول على الكثير.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى