مقالات رأي

دعوة لقبول استخدام مصطلحات أجنبية في اللغة العربية

ثمة أمرٌ لا ريب فيه، وهو أنه لا يمكن للغة ما أن تحيا بمعزل عن غيرها، ولا بدّ لكل لغة من أن تقترض ما تحتاجه من ألفاظ عبر التفاعل بين ثقافتها والثقافات الأخرى. إذ تعدّ المثاقفة عاملاً أساسياً من عوامل التطور الاجتماعي لأنها تعمل على رفد المجتمع بجملة من المعارف والعلوم التي تسهم في تطوره.

ومن المسلّم به أنّ الأمم الأقوى حضارياً وعلمياَ هي التي تؤثر في الأمم الضعيفة وفي لغاتها، فالحضارة الإسلامية لم تبدأ من الصفر، بل استعانت بأهم حضارتين عند نشوئها، أعني حضارة الفرس، وحضارة اليونان والرومان، وكان التلاقح بين هاتين الثقافتين عبر الترجمة والتعريب مرتكزاً مهماً استند إليه العرب في بناء حضارة العرب الإسلامية. نجم عن هذا التلاقح دخول كثير من المفردات الأجنبية إلى اللغة العربية، فاهتم بها علماء اللغة وليظهر مصطلحان  هما المعرب: أي اللفظ الأجنبي الذي أُخضع لطرائق العرب في بناء ألفاظهم، والدخيل الذي دخل العربية، ولم يُجْرَ عليه أيُّ تغييرٍ؛ لموافقته أذواق الغرب في تأليف الكلمات. كما في  بعض الكلمات التي أوردها القرآن الكريم، مثل الإبريق، والسندس، والاستبرق من الفارسية، والزنجبيل، والكافور، والمسك من الهندية، والقسطاس، والفردوس،  والقنطار من اليونانية.

لكن مع بدايات القرن العشرين ودخول ألفاظ أجنبية كثيرة اللغة العربية، ولا سيّما من التركية والفرنسية والإنكليزية، سعت مجامع اللغة العربية والمؤسسات العلمية الحديثة لمواجهة الغزو الثقافي إلى تعريب جميع الألفاظ، ولاسيّما المخترعات الحديثة إيماناً منها أنّ العربية قادرة على مواكبة العصر. وقد فرق المحدثون بين المعرب والمترجم، فالمصطلحات المعربة هي ما جرت عليها بعض التغييرات الشكلية لتناسب أنظمة اللغة العربية، مثل: computer (كمبيوتر)، camera (كاميرا)، radio (راديو)، Television، ( تلفزيون وتلفاز)، أمّا المصطلحات المترجمة فهي الألفاظ العربية التي وضعت مقابل المصطلحات السابقة، وهي: الحاسوب، آلة التصوير، المذياع، الرائي.

لكن مع بدايات القرن العشرين ودخول ألفاظ أجنبية كثيرة اللغة العربية، ولا سيّما من التركية والفرنسية والإنكليزية، سعت مجامع اللغة العربية والمؤسسات العلمية الحديثة لمواجهة الغزو الثقافي إلى تعريب جميع الألفاظ.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

ولأن عدد المصطلحات الأجنبية التي تدخل إلى لغتنا في العصر الحديث ليست قليلة، إذ قيل إنّ حوالي خمسة عشر ألف مصطلح يولد كلَّ عام، فقد شاع استخدامها كما هي على نطاق واسع بين العرب. لاحقاً، تنبه علماء اللغة إلى خطورة إبقاء هذه المصطلحات دخيلة أو معربة، فإن تركت دخيلة غدت اللغة العربية خليطاً من لغات عدة، وإن عُرّبتْ فستخُرق القواعد الصرفية والصوتية، وهي من أهم السمات التي تميزها من غيرها وتعمل على بقائها. فقام العلماء بمحاولة وضع ما يقابلها من اللغة العربية الفصحى، لقناعتهم أنّ هذا الأمر يحمي اللغة العربية من الضياع والتشرذم من جانب، ويغنيها ويزيد ثروتها من جانب آخر.

لقد استطاعت المجامع العربية في مصر ودمشق خصوصاً وضع كثير من هذه المقابلات بعضها لاقى القبول والانتشار، لأنّ له مرادفاً بالعربية، ولآنه سهل الاستعمال وقريب من معناه الأجنبي، كما في (أسانسير ومصعد)، و(تلفون وهاتف)، و(إيميل وبريد إلكتروني)، وثمة كلمات شاع بعض مشتقاتها، فكلمة (مذياع) شاع منها المذيع والإذاعة، وبقيت كلمة (راديو) اسم الآلة الأكثر شيوعاً.

استطاعت المجامع العربية في مصر ودمشق خصوصاً وضع كثير من هذه المقابلات بعضها لاقى القبول والانتشار، لأنّ له مرادفاً بالعربية، ولآنه سهل الاستعمال وقريب من معناه الأجنبي.

مقابل هذه المصطلحات التي شاعت نجد مصطلحات وتسميات لم تجد قبولاً من المتلقي، وبقيت الكلمة المعربة حبيسة الأوراق التي دونت فيها، كما في (فاكس/ ناسوخ) و(التلفزيون/ الرائي) و(إنترنت/ الشابكة).

يتطلب مواجهة هذا التحدي تضافر جهود المختصين في هذه الميادين وجهود علماء اللغة ليخرج المصطلح العربي قريباً من معنى المصطلح الأصلي، إن لم يكن متطابقاً؛ ليتمكن من منافسة المصطلح الأصلي. فالمشكلة الأساسية أنّ المترجم غير قادر على فهم جميع العلوم، ومهما حاول علماء اللغة والمجامع أن يجدوا مرادفاً عربياً لهذه المصطلحات عن طريق الاشتقاق قابلاً للحياة والتداول فلن يستطيعوا أن يحققوا ما يهدفون إليه، إن لم يكن هناك تعاون بين مجامع اللغة العربية لمراجعة المصطلحات التي وضعتها والأخذ بما اتفقت عليه وتعديل ما كان الخلاف فيه كبيراً، وتقوم بطبع المصطلحات الموحدة لتكون بين أيدي الباحثين والمترجمين.

وحتى إن لم نكن قادرين على فعل ذلك في الوقت الحالي، فلا أعتقد أن استخدام بعض المردات الدخلية ينتقص من لغتنا، خاصة إذا غدا مدلولها شائعاً يصعب استعمال غيره، أو كانت مشتقة من أسماء الأعلام، أو كانت من الأسماء العلمية لبعض العناصر والمركبات الكيميائية أو أسماء المقاييس والوحدات الأجنبية، وهو أفضل من حشو العربية بمفردات لن يتم استخدامها.

https://www.bue.edu.eg/

لذلك أدعو علماء اللغة لأن يكونوا أكثر مرونة في تقبل التغييرات على اللغة العربية، بما يسمح بتطويرها وفقاً لمتطلبات العصر الذي نعيش فيه وبما يساعد على انتشارها بصورة أوسع ويسهل أيضاً من عملية تدريسها للناطقين وغير الناطقين بها.

عصام الكوسا أستاذ دكتور في النحو والصرف في جامعة البعث وعميد سابق لكلية الأداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الواقعة في مدينة حمص في سوريا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى