ثمة أمرٌ لا ريب فيه، وهو أنه لا يمكن للغة ما أن تحيا بمعزل عن غيرها، ولا بدّ لكل لغة من أن تقترض ما تحتاجه من ألفاظ عبر التفاعل بين ثقافتها والثقافات الأخرى. إذ تعدّ المثاقفة عاملاً أساسياً من عوامل التطور الاجتماعي لأنها تعمل على رفد المجتمع بجملة من المعارف والعلوم التي تسهم في تطوره.
ومن المسلّم به أنّ الأمم الأقوى حضارياً وعلمياَ هي التي تؤثر في الأمم الضعيفة وفي لغاتها، فالحضارة الإسلامية لم تبدأ من الصفر، بل استعانت بأهم حضارتين عند نشوئها، أعني حضارة الفرس، وحضارة اليونان والرومان، وكان التلاقح بين هاتين الثقافتين عبر الترجمة والتعريب مرتكزاً مهماً استند إليه العرب في بناء حضارة العرب الإسلامية. نجم عن هذا التلاقح دخول كثير من المفردات الأجنبية إلى اللغة العربية، فاهتم بها علماء اللغة وليظهر مصطلحان هما المعرب: أي اللفظ الأجنبي الذي أُخضع لطرائق العرب في بناء ألفاظهم، والدخيل الذي دخل العربية، ولم يُجْرَ عليه أيُّ تغييرٍ؛ لموافقته أذواق الغرب في تأليف الكلمات. كما في بعض الكلمات التي أوردها القرآن الكريم، مثل الإبريق، والسندس، والاستبرق من الفارسية، والزنجبيل، والكافور، والمسك من الهندية، والقسطاس، والفردوس، والقنطار من اليونانية.