أخبار وتقارير

خمسون كتاباً مترجماً حصيلة مشروع “نقل المعارف”

خمسون كتاباً مترجماً من اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية للعربية هي حصيلة نتاج مشروع “نقل المعارف“، الذي أطلقته هيئة البحرين للثقافة والآثار في منتصف سنة 2014، بهدف نقل المعارف إلى مملكة البحرين والعالم العربي عن طريق الترجمة بصورة دقيقة وأمينة تجعل من الكتب المترجمة مراجعَ موثوق بها لدى الباحثين والطلاب والقرّاء وتسهم، في الوقت نفسه، في تطوير اللغة العربيّة ومصطلحاتها بحسب القائمين على المشروع.

قالت إلسي ناصيف، المديرة التنفيذية للمشروع، “سعينا من خلال المشروع إلى المساهمة في تبادل الخبرات المعرفيّة، خصوصًا بين شباب الباحثين العرب والأروبييّن، في مجال العلوم الاجتماعية والفنون وتعزيز الحوار بين الثقافات من خلال الترجمة وعقد ندوات وملتقيات لباحثين شباب من المنطقة وخارجها.”

خلال السنوات الماضية، شهدت دول الخليج انطلاق العديد من المشاريع التي تركز على الترجمة من بينها مشروع “كلمة” التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، و”مؤتمر أبوظبي للترجمة” الذي أطلقت دورته الأولى قبل نحو سبع سنوات في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ودار روايات؛ وهي إحدى شركات “مجموعة كلمات” للنشر في الإمارات، وتتخصّص في نشر الأعمال السرديّة – العربية والمترجمة، وأيضاً صندوق منحة الترجمة، التابع لهيئة الشارقة للكتاب. كما يعمل المشروع العراقي للترجمة على نشر ترجمات لمواد أكاديمية إلى اللغة العربية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: حراك إلكتروني لترجمة العلوم إلى العربية).

تزايد الوعي بأهمية الترجمة

تم اختيار 50 عنوان للترجمة بناء على مقترحات لجنة استشارية عربيّة أوروبية ضمن خمس موضوعات بدى أن هناك حاجة للتركيز عليها وهي: العقلانيات، والعلوم الاجتماعية، والإبداع الفنّي، وتحليل الخطاب ونظريات الإتصال. وتم إصدار الكتب في ألفي نسخة وتوزيعها في كل الدول العربية وتركيا والمملكة المتحدة.. وعلى الرغم من نفاذ بعض الطبعات الأولى للعديد من هذه الترجمات إلا أن المشروع لن يتم تجديده خاصة في ظل الضغوط المالية التي فرضها انتشار وباء كوفيد-19، حيث ينتهي إصدار جميع الكتب مطلع العام القادم (اقرأ التقرير ذو الصلة: كوفيد-19 يحاصر دور النشر العربية).

قالت ناصيف “ليس بإمكاننا وحدنا سدّ النقص الشديد الذي يعاني منه العالم العربي في المجال المعرفي العام أو في مجال الترجمة، لكننا عملنا بجد للمساهمة في التوعية بالحاجة العربيّة إلى الترجمة.” موضحة أن المشروع عمل على بناء نموذج متقدم وجيد للقيام بالترجمة من خلال فريق عمل كبير ضم مترجمين ومراجعين ومحررين.

“ليس بإمكاننا وحدنا سدّ النقص الشديد الذي يعاني منه العالم العربي في المجال المعرفي العام أو في مجال الترجمة، لكننا عملنا بجد للمساهمة في التوعية بالحاجة العربيّة إلى الترجمة.”

إلسي ناصيف
 المديرة التنفيذية للمشروع

ركز المشروع على ما يحفّز على التفكير الموضوعي والعقلاني في المسائل الفكريّة والظواهر التاريخية والاجتماعية، وعلى ما يساعد على فهم الفنون وتذوّقها. وشملت قائمة الكتب المترجمة قواميس مهمّة مثل “قاموس أكسفورد للفلسفة” وكتاب “قصة الفن” الذي ألفه غومبرتش، وهو في طبعته السادسة عشرة وصدر في سبعة ملايين نسخة.

سوق متعطش وتحديات متزايدة

بالرغم من كون اللغة العربية واحدة من ست لغات معتمدة في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة بما يثبت مدى انتشارها وتوسع دائرة استخدامها إلا أن الترجمة عن ومن اللغة العربية مازالت تعد ضعيفة إلى حد كبير. إذ  يشير تقرير بعنوان “البيانات الحالية لحركات الترجمة في المنطقة الأورو-متوسطية”، صدر عام 2018 عن مشروع أطلقته مجلة “ترانس أوروبيان” ومؤسسة “آنا ليند” الأورو-متوسطية للحوار بين الثقافات، إلى نقص كمي ونوعي عام في الترجمة، وعن تفاوت لافت جدًا بين ضفتي المتوسط. ويشير التقرير  إلى أن ذلك يرتكز إلى “الواقع المزدوج لمنطق المركز والأطراف الناظم للتبادلات في المنطقة، ولليهمنات الثقافية السائدة فيها”.

تفيد الأرقام الصادرة عن التقرير هيمنة للغتين الإنكليزية والفرنسية في الترجمات العربية، وإلى وجود قصور في حال وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية حيث أن مجموع ما تمت ترجمته منذ عام 1985 وحتى عام 2010 بلغ 35 ألف كتاب بمعدل وسطي ما بين 1500-2000 كتاب في السنة، وبنسبة 6% من مجمل الإصدارات في العالم العربي. وأما عن المواضيع فهي في مجملها في الأدب والمسرح والقليل من العلوم الإنسانية والإجتماعية والدين.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

في المقابل، فإن حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، كما يشير التقرير، تصل إلى كتاب واحد مقابل كل ألف كتاب أي بنسبة لا تتجاوز الواحد في المئة. فتمثل الكتب المترجمة إلى الفرنسية 0,64 في المئة ومجمله 1065 كتابًا بين عامي 1985 و2010، وتنخفض النسبة أكثر في اللغات الإسبانية والإيطالية لتصل أدناها في دول أوروبا الوسطى والشرقية كسلوفاكيا وسلوفينيا وتشيكيا وبولونيا وبحر البلطيق وصربيا والبوسنة والهرسك. ويعزو التقرير ذلك إلى “العلاقات الثقافية والسياسية والإجتماعية بين اللغات السائدة واللغات التابعة”.

يعتقد يوسف الصديق، مترجم تونسي شارك في ترجمة كتب مشروع نقل المعارف وأستاذ سابق في اللغة العربية وآدابها في جامعة تونس، أن هناك أسباباً أخرى وراء ضعف حركة الترجمة من وإلى اللغة العربية. قال ” هناك أسباب ذاتية تتعلق بشخصِ المترجم ومعارفِه اللغوية وبحقيقةِ قدراتِه العمليّة على الترجمة، ونصيبها من الحرفيّة والإتقان، وهناك أسباب تتعلق بأحوال اللغة العربيّة الفصحى اليوم في المنطقة وفي العالم، وهي أبعدُ ما تكون عمّا يُرام، تحصيلا وتخاطبًا وكتابةً وترجمةً”. ويضيف إلى وجود معيقات أخرى، “سلوكيّة”، لدى بعض من يتولّى أمانة الترجمة، منها غياب الجدّية، والعمل بالجهد الأدنى، واتخاذ الترجمة سبيلًا إلى التكسّب فحسب، بعيدًا عن شروط احترام الذات واللغة والقارئ.

إن حصول المترجم على ما يستحقه من تقدير معنوي ومادي يتيح له ألّا يكون مجرد ناقل، بل يتحوّل إلى باحثٍ يضيف إلى الترجمة ما يفيد القارئ في فهم ما قد يستغلق عليه عندما يقرأ النص.”

رندة بعث  
مترجمة من سوريا حائزة على ماجستير في الترجمة من جامعة دمشق

أما ناصيف فتقر بغياب شبه كامل للدعم المادي الرسمي/الحكومي لمشاريع الترجمة أو حتى لدور النشر العربية الخاصة والحكومية والذي يضمن استمرارية عملها، بالإضافة إلى نقص في المترجمين وغياب المدارس العريقة للتخصص بمجال الترجمة وتأثير هذا على الترجمة ومستواها.

قالت “نحتاج لتوحيد الجهود وضخ المزيد من الدعم المالي لتحسين حال اللغة العربية وتطوير قواميسها بما يتناسب مع التغييرات الهائلة التي نعيشها اليوم.” مشيرة إلى أنه لا يمكن للترجمة في العالم العربي أن تلاحق المعارف المتنوعة والمتسارعة ” دون وجود مؤسسة، بقرار سياسي، تعمل على صعيد عربي، وبإمكانات مادية وبشرية كبيرة، وهو أمر، للأسف، يبدو مستبعدًا.”

مزايا للمترجمين والقراء

تعتقد رندة بعث، وهي مترجمة من سوريا حائزة على ماجستير في الترجمة من جامعة دمشق وعلى دبلوم في الترجمة من جامعة ليون الثانية ومشاركة في مشروع نقل المعارف، أن مشاريع الترجمة التي تموّلها مؤسسات حكومية وهيئة علمية تختار من الكتب ما تعزف عنه دور النشر الخاصة، تقدم ذخيرةً معرفية للقارئ العربي، كما أنّها تفي المترجم حقه ماديًا. إذ أن قلة المردود المادي أهمّ عقبة تقف في وجه المترجم العربي، فيضطرّ إلى قبول المبالغ الزهيدة والالتزام بالتوقيت الذي يفرضه الناشر.

قالت “إن حصول المترجم على ما يستحقه من تقدير معنوي ومادي يتيح له ألّا يكون مجرد ناقل، بل يتحوّل إلى باحثٍ يضيف إلى الترجمة ما يفيد القارئ في فهم ما قد يستغلق عليه عندما يقرأ النص.” مشيرة إلى أن تجربتها مع مشروع نقل المعارف كانت غنية جداً  “بفضل التعاون الوثيق بين حلقات سلسلة إنتاج الكتب، من مترجم إلى مدقق إلى قارئ إلى مخرج وصولًا إلى الموزع في المشروع”.

وأضافت “ربما كان أهم ما أضافته مساهمتي في مشروع نقل المعارف هو تزويد القارئ العربي بترجمات لكتبٍ قيّمة، تجمع بين المعرفة والمتعة، خاصة وأنني أختار بين ما يُعرض عليّ من أعمال، بحيث لا أترجم إلّا ما أعتقد أنّه يضيف نوعيًا إلى المكتبة العربية.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: قائمة بأسماء مراكز ومشاريع تهتم بالترجمة من وإلى العربية).

تعتقد ناصيف أنه مازال هناك الكثير لإنجازه. قالت “لا يمكن التقليل مما تم إنجازه وإن كان هناك الكثير الواجب القيام به لتحسين واقع حركة الترجمة في المنطقة. كل ما نتمناه أن تستمر الجهود في نقل وتشارك المعارف.”

Countries

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى