أخبار وتقارير

الحياة في روايات عبد العزيز بركة ساكن: واقع عنيف وومضات فرح

خلال اعتصام ربيع العام 2019 أمام مقر قيادة الجيش السوداني بالخرطوم، أطلق على إحدى خيام المتظاهرين اسم “الجنقو”. وقد كان هذا، بحسب المترجم عادل بابكر، تكريمًا لرواية تحمل ذات الاسم للكاتب السوداني المنفي عبد العزيز بركة ساكن.

يعيش ساكن في النمسا منذ عام 2012، وقد حُظرت كتبه في السودان منذ ذلك العام وحتى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، إلا أن قصصه ظلت منتشرة على نطاق واسع. على الرغم من حظر أعماله لمدة سبع سنوات، لا يزال ساكن من بين أشهر الروائيين السودانيين.

نالت كتبه الثناء باللغة العربية واللغات التي تُرجمت إليها. في الآونة الأخيرة، فاز ساكن بجائزة الأدب العربي Prix de la Littérature Arabe لعام 2020 عن ترجمة خافيير لوفين لرواية الجنقو إلى الفرنسية.

لكن طريق ساكن إلى الإشادة والتقدير الأدبي لم يكن مباشرًا.

نشأ المؤلف في شرق السودان، وعلى الرغم من علمه في وقت مبكر برغبته في أن يصبح كاتبًا، فقد ذهب إلى مصر لدراسة إدارة الأعمال. وبينما كان طالبًا في أواخر الثمانينيات، نشر إحدى مسرحياته، لكنه لم يتابع مهنة في مجال المسرح. وبدلاً من ذلك، ذهب ساكن للعمل مع منظمة اليونيسف ومنظمة إنقاذ الطفولة، كما قام بتدريس اللغة الإنجليزية للاجئين في شرق السودان.

لم يبدأ ساكن في نشر الروايات والقصص القصيرة حتى عام 2000، في أواخر الثلاثينيات من عمره، وقد نشر منذ ذلك الحين بثبات. في العقدين الماضيين، أنتج ساكن أكثر من اثنتي عشرة رواية، بالإضافة إلى العديد من مجموعات القصص القصيرة وكتب الأطفال.

قال عادل بابكر في رسالة عبر البريد الإلكتروني “بعد عام 2000، أثبت ساكن نفسه بسرعة باعتباره صوت الهامش. وأصبح من أكثر الروائيين قراءة في السودان.”

ما بين الثناء والرقابة 

سرعان ما أثبت ساكن نفسه كتهديد للنظام الحاكم. في عام 2005، أعادت وزارة الثقافة السودانية نشر مجموعته القصصية الأولى، التي نُشرت في القاهرة عام 2002. ولكن في ذلك العام، تمت مصادرتها وحظرها من قبل ذات الوزارة.

عندما نُشرت رواية الجنقو: مسامير الأرض في عام 2009، كانت المفضلة لدى زملاء ساكن من الكُتاب، وفازت الرواية بجائزة الطيب صالح لعام 2010 في معرض الخرطوم للكتاب. لكن، في عام 2010 أيضًا، صادر نظام البشير رواية الجنقو. يضيف ساكن أنه قد تم إحراق النسخ فيما وصفه بكونه أول عملية حرق للكُتب في البلاد.

تصاعدت الأمور بعد ذلك، ففي عام 2012، وأثناء حادث معرض الخرطوم للكتاب الذي كُتب عنه على نطاق واسع، قال ساكن إن جميع الكتب التي أحضرها للعرض والبيع قد صودرت وتم حظرها. وقال في رسالة عبر البريد الإلكتروني “لقد تم اعتقالي لفترة قصيرة.”

منذ ذلك الوقت، يعيش ساكن في النمسا، حيث يقول إن ذلك أكثر أمانًا بالنسبة له. ويضيف أن الحياة هناك صعبة ومعقدة أيضًا، حيث يتعين على المرء إما أن يكون ثريًا أو أن “يعمل مثل الماكنة، ويضحي بكل ما تحمله الحياة من متع وأحزان وفرص عظيمة من أجل بناء الذات.”

رسميًا، تم حظر كتب ساكن بسبب محتواها الجنسي. لكن ساكن يقول إن الحظر جاء بالفعل لأن “الحكومة السودانية، في ذلك الوقت، كانت حكومة عنصرية وجِهوية، ومثل هذه الحكومة لا يمكن أن تتصرف إلا بتلك الطريقة. الأمر سياسي بحت – نوع من القتل المعنوي لي ككاتب وكانسان.”

رسميًا، تم حظر كتب ساكن بسبب محتواها الجنسي. لكن ساكن يقول إن الحظر جاء بالفعل لأن “الحكومة السودانية، في ذلك الوقت، كانت حكومة عنصرية وجِهوية، ومثل هذه الحكومة لا يمكن أن تتصرف إلا بتلك الطريقة. الأمر سياسي بحت – نوع من القتل المعنوي لي ككاتب وكانسان.”

وأضاف أن الحكومة السودانية لم تكن الوحيدة التي قمعت كتاباته. إذ تم حظر روايته الأخيرة “سماهاني”، التي تتناول موضوع الاحتلال العُماني لزنجبار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، في عُمان والكويت.

النشأة مع كتب إدغار آلان بو

https://www.bue.edu.eg/

تفتتح رواية ساكن الأهم، الجنقو، في سجن للنساء في مدينة القضارف. يحمل هذا المكان صدى لطفولة المؤلف؛ فقد ولد عام 1963 في كسلا، وهي بلدة على الحدود مع إريتريا. بعد فترة وجيزة، انتقلت عائلته جنوبا، إلى القضارف، حيث عمل والده في شرطة السجن.

لكن اهتمامه بالأدب لم يبدأ إلا بعد أن سرق ساكن كتابه الأول من شقيقه الأكبر حسن بعد وفاة والده، عندما انتقلت العائلة إلى خشم القربة. قال ساكن عبر البريد الإلكتروني، “كان عنوان الكتاب “قصص الرعب والخوف”، من تأليف إدغار آلان بو وترجمة خالدة سعيد. لقد جذبني العنوان المرعب. وبعد قراءة هذا الكتاب، وقد كان أول نص أدبي أقرأه خارج مقررات المدرسة، قررتُ أن أصبح كاتبًا.”

على الرغم من أنه قرأ العديد من الكتب الأخرى، إلا أنه يقول بأن عشقه الدائم تمثل في كتب إدغار آلان بو وجبران خليل جبران.

وبالفعل، يتجلى كل ما هو مرعب وصوفي في جميع أعمال ساكن، فضلاً عن السخرية السوداء وتجاهل الخطوط الحمراء.

قالت بهاكتي شرينغاربور، محررة مجموعة أدب السودان “ساكن من بين أكثر الكتاب شجاعة في العمل اليوم. وعلى الرغم من القيود الهائلة والخطر الذي يهدد حياته، فقد استمر في إنتاج كتابات عن الحرب في السودان وظل ينتقد النظام السياسي.”

“ساكن من بين أكثر الكتاب شجاعة في العمل اليوم. وعلى الرغم من القيود الهائلة والخطر الذي يهدد حياته، فقد استمر في إنتاج كتابات عن الحرب في السودان وظل ينتقد النظام السياسي.”

بهاكتي شرينغاربور
 محررة مجموعة أدب السودان

العنف والمتعة

غالبًا ما يظهر العنف والمتعة وكأنها خدعة في كتابات ساكن، كما هو الحال على سبيل المثال في قصته القصيرة السريالية والمذهلة “الولادة”. في تلك القصة، تتوسل امرأة بشخص غريب لمساعدتها على ولادة مخلوق غامض جميل وقبيح يخرج منها بمخالبه أولاً.

قال ساكن عبر البريد الإلكتروني “نحن نعيش في واقع عنيف جدًا. عنف الدولة. عنف الأسرة. عنف المعلمين في المدارس. عنف الأطباء في المستشفيات. عنف المشاعر الإنسانية. عنف رجال الشرطة ورجال المرور. عنف القضاة ووكلاء النيابة. عنف الرقابة الاجتماعية. عنف المصنفات الأدبية والفنية. عنف الصداقة والزواج والأبوة والبنوة. عنف رجال الأمن والعسكر والعنف المُطلق للجنجويد “المليشيات العنيفة التي تعاونت مع قوات البشير والمتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: الهجمات على التعليم العالي في تقرير الحريات الأكاديمية الجديد الحرية).

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

https://www.bue.edu.eg/

قال ساكن إن كل هذا العنف وغيره “محمول على ظهر الكاتب … الذي يتوجب عليه أن يسجل كل شيء. ووسط عاصفة العنف هذه، هناك صراع من أجل الحياة، من أجل ومضة من الفرح والمتعة.”

وهذا هو الفضاء الذي غالبًا ما يلتقطه ساكن في كتاباته: جمال لحظة التوقف بين فترات الرعب.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى