مقالات رأي

أعمال نازك الملائكة متاحة الآن باللغة الإنجليزية

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

لأكثر من ألف عام، امتلكت اللغة العربية تقليد شِعر نابض بالحياة، لكن القليل جدًا منه شق طريقه إلى الترجمة الإنجليزية. يواجه المعلمون، عندما يبحثون عن نماذج لتدريس الشعر العربي المُترجم إلى الإنجليزية، ضغوطًا شديدة للعثور على بعض من أعمال أعظم روّاد الشعر في القرن العشرين، مثل بدر شاكر السياب. لكن هذا الغياب يكون أكثر وضوحًا عندما يتعلق الأمر بأعمال النساء.

كان هذا من بين الأسباب التي دفعت إميلي درامستا إلى جمع نسخة ثنائية اللغة من قصائد مختارة للكاتبة العراقية نازك الملائكة (1923-2007). وقد نُشرت مجموعة “ثورة على الشمس” مؤخرًا من قبل دار الساقي.

قالت درامستا، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، “المهم أكثر بالنسبة لي فكرة جمع أعمال النساء دائمًا في مجموعة مشتركة (نساء الهلال الخصيب: شعر المرأة العربية)، في حين يتم نشر كل مجموعة شعرية من أعمال درويش أو أدونيس في مجلد خاص. لهذا، نحصل على لمحة سريعة فقط عن أعمال نازك أو فدوى طوقان أو أي شاعرة أخرى، على الرغم من تقديم هذه الشاعرات مساهمات كبيرة وخوضهن تحولات عديدة على مدار حياتهن المهنية الطويلة.”

أضافت درامستا “هذا يجعل تدريس أعمالهن أكثر صعوبة، نعم!”

غير معروفة باللغة الإنجليزية

في مقال مؤثر على موقع رصيف 22 حول العمل في مكتب نيويورك تايمز في بغداد، يذكر الصحافي علي أديب يوم وفاة نازك الملائكة. كتب “جاءتني صحافية أميركية كانت قد بدأت العمل منذ فترة قريبة وهي تحمل قطعة من ورق في يدها. قدّمت لي القصاصة وقالت لي: “هل تعرف هذا الاسم؟” كان مكتوبًا على الورقة بالإنجليزية اسم “نازك الملائكة”. أجبتها: بالطبع.”

قال أديب إنه نهض من على مكتبه ليلقي “حديثاً طويلاً ومتحمسًا” عن شعر الملائكة. ساهم أديب في كتابة النعي الذي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز، بل إنه ترجم بعض قصائد الملائكة.

https://www.bue.edu.eg/

لكن، وعلى الرغم من إعطاء هذا القراء الناطقين باللغة الإنجليزية نبذة سريعة عن أعمال الملائكة، إلا أنه لم يكن كافيًا لفهم رحلتها الشعرية أو الأسباب التي جعلت درامستا تعتبرها “واحدة من أهم الكتاب العرب في القرن العشرين”.

رائدة “الشعر الحر”؟

وكما هو حال العديد من اللمحات العامة الموجزة عن أعمال الملائكة، وصفها النعي في صحيفة نيويورك تايمز بأنها “الأساس المبكر لحركة الشعر الحر” باللغة العربية. ومع ذلك، وكما تشير درامستا في مقدمتها، يجب أن يكون هذا الوصف مؤهلاً.

لكنها سرعان ما بدأت ترى أن بعض الشعر الحر أفرط في تحرّره. بحلول الستينيات، وبخلاف العديد من الشعراء المشهورين الآخرين من جيلها، تحدثت ضد ما اعتبرته “نثرًا مع فواصل بين الأسطر”. كتبت أن “الروح الأوروبية المصطنعة” أثرت بشكل مفرط على الشعر العربي.

وهذا يعني أنه، وعلى الرغم من كونها مبدعة في مجال الشعر، إلا أن الملائكة كانت ملتزمة أيضًا بتقاليد الشعر العربي.

في مجموعتها الشعرية الصادرة عام 1949 بعنوان “شظايا ورماد”، قدمت الملائكة، الشابة المتقدة بالنشاط، الشعر الحر باعتباره انفصالًا مهمًا عن الماضي، وكتبت أنه لا يتوجب على الشعراء العرب “تقييد عواطفنا بسلاسل الأوزان القديمة وقرقعة الألفاظ الميتة.”

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

صدر عملها النقدي المركزي، “قضايا الشعر المعاصر”، بعد ثلاثة عشر عامًا من نشر “شظايا ورماد”. كتبت فيه: “يعتقد بعض [نقادنا العرب] اعتقادًا جازمًا أننا أقل موهبة من شعراء الغرب، وأن علينا أن نغترف نظرياتهم ونأكلها أكلاً إذا نحن أردنا أن ننشيء شعرًا عربيًا ونقدًا. لا بل أنا أقول إن مادة شعرنا وحياتنا العربية أغنى وأخصب بكثير من مادة الشعر الأوروبي المعاصر.”

مرثيات لموضوعات غير متوقعة

غالبًا ما تُذكر الملائكة على أنها شاعرة حزينة كتبت مراثٍ شعرية مليئة بالألم والمعاناة والموت. تاريخيًا، ارتبط الرثاء في اللغة العربية بالنساء، ربما حتى قبل عصر الخنساء (575-645)، التي اشتهرت بالشعر الذي كتبته حدادًا على إخوتها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كون هذا جزءًا من هذا التقليد، إلاّ أن مراثي الملائكة انفصلت عنه أيضًا. ففي البدء، تم استذكار الحزن على أنه عمل سياسي، عوضًا عن كونه فعلًا سلبيًا، كما هو الحال في قصيدتها الأولى “ثورة على الشمس”. كتبت تقول فيها:

فالحزنُ صورةُ ثورتـي وتمـرُّدي

تحت الليالي والألوهةُ تَشْهـــدُ

فالحزنُ صورةُ ثورتـي وتمـرُّدي

تحت الليالي والألوهةُ تَشْهـــدُ

نازك الملائكة  
في قصيدتها الأولى “ثورة على الشمس“.

تتناول مراثيها أيضًا مواضيع غير متوقعة، مثل “مرثية يوم تافه”. وفي بعض الأحيان، تُعنى مراثيها بحياة النساء العاديات، كما هو الحال في “مرثية امرأة لا قيمة  لها” حيث كتبت الملائكة:

ذهبتْ ولم يَشْحَبْ لها خَدٌّ ولم ترجفْ شفاهُ

لم تسْمعِ الأبوابُ قصَّةَ موتِها تُرْوَى وتُرْوَى

لم ترتفعْ أستارُ نافذةٍ تسيلُ أسىً وشَجْوَا

لتتابعَ التابوتَ بالتحديـقِ حتى لا تـراه

وفي قصيدتها الشهيرة لعام 1947 بعنوان “الكوليرا“، يشعر المصريون بالحزن لأنهم يستسلمون للمرض، ويموتون ببطء في أبيات قصيدة يتردد صداها بشكل خاص في عام الوباء هذا.

الصمتُ مريرْ 

لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ 

حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى، لم يبقَ نَصِيرْ 

الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ

الميّتُ من سيؤبّنُهُ

توأمة الشعر والموسيقى

من أسباب صعوبة ترجمة قصائد الملائكة مدى مركزية الإيقاع والقافية في بنائها. لطالما كانت الموسيقى مهمة للشاعرة؛ فقد ولدت الملائكة في بيت موسيقي عام 1923، وبدأت العزف على العود في سن مبكرة. كانت أولى محاولاتها الشعرية عبارة عن كلمات أغاني تؤدى خلال التجمعات الاجتماعية في منزل العائلة في بغداد.

لم تحاول درامستا إعادة إنشاء القافية، أو الطبيعة الدقيقة للإيقاع، والتي كانت لتكون إنجازًا كبيرًا في اللغة الإنجليزية. لكنها عملت، بدلاً من ذلك، على جعل القصائد موسيقية دون أن تتحول إلى أغانٍ.

في النهاية، تقول المترجمة عن مشروعها بتواضع، “في يوم جيد، أشعر كما لو أن التجارب الرسمية لهذه الترجمات تقدم شيئًا جديرًا بالاهتمام لترجمة الشعر العربي، وتقدم أعمال الملائكة إلى القراء الجدد بطريقة ما ربما يكون من شأنها أن تجعلهم يقدرون ويحترمون أعمالها. في يوم سيء، أخشى ألاّ تزيد قراءة هذه القصائد بقليل عن تجربة قراءة مقتطفات غنائية إنجليزية بسيطة.”

لا تحظى كل لحظة من الترجمة بالنجاح. ومع ذلك، تبرز القصائد لتذكرنا بقوة الملائكة كما في قصيدة “الكوليرا”:

فى كلِّ مكانٍ يبكى صوتْ

 هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ

الموتُ الموتُ الموتْ 

يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى