أخبار وتقارير

كوفيد-19 يطيح بجهود ربع قرن من مكافحة زواج القاصرات في المنطقة العربية

ملاحظة المحرر: تركز الفنار للإعلام عادةً على قضايا التعليم العالي، لكننا نولي اهتمامنا أحيانًا إلى رحلة الوصول إلىه، خاصةً عندما يفقد المحرومون إمكانية الحصول على التعليم. في هذه التقارير الجديدة من سلسلة “فتيات في خطر”، نركز على العوامل التي تجبر الفتيات، ولاسيما اللاجئات، على التخلّي عن الدراسة. يمكنكم الإطلاع على السلسلة كاملة هنا

تتزوج 700 ألف فتاة كل عام قبل بلوغ سن 18 عامًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفقًا للأمم المتحدة، ليُضاف ذلك إلى 40 مليون امرأة تزوجن بالفعل في طفولتهن في المنطقة.

على الصعيد العالمي، تتزوج واحدة من كل خمس فتيات قبل سن الثامنة عشرة. ومع ذلك، وعلى مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، أحرزت البلدان حول العالم، بما في ذلك بعض دول المنطقة العربية، تقدمًا كبيرًا في خفض هذه المعدلات.

لكن “جائحة الظل” المتمثلة في العنف والتمييز ضد الفتيات والنساء تهدد هذه المكاسب، إذ يعتقد باحثون ومدافعون عن الأطفال وعمال الإغاثة أن آثار فيروس كورونا ستضيف 13 مليون زوجة قاصرة في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى تخلي 10 ملايين فتاة أخرى عن دراستهن الثانوية.

تقول آنا كريستينا دي أديو، كبيرة محللي السياسات لتقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم “تكمُن المشكلة، في هذه الأزمة، في توجيه الأموال إلى التدخلات الصحية بدلاً من إعطاء الأولوية للتعليم – وهو الأمر الذي يجب أن يحظى بالأولوية. ومن المحتمل جدًا أنه بدون التدخلات الصحيحة الآن، ستكون هناك بعض الآثار السلبية فيما يتعلق بزواج الأطفال – إذ يمكن أن يؤدي ذلك لإيقاف التقدم أو تقويضه.”

على مدى عقود من الزمان، كان يُنظر إلى زواج الأطفال على نطاق واسع على أنه انتهاك لحقوق الإنسان، حيث حاولت الاتفاقيات الدولية المختلفة على مر السنين القضاء على هذه الممارسة. (اقرأ المزيد عن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالقضاء على زواج القاصرات هنا.)

وقّع قادة العالم، بمن فيهم قادة الدول العربية، تلك الاتفاقيات، بحسب المدافعين عن الأطفال، لإدراكهم العواقب المدمرة طويلة الأمد للزواج المبكر على الفتيات. يوقف زواج الأطفال تعليم الفتيات، ويعرضهن لمخاطر أكبر بكثير من الأمراض المنقولة جنسيًا، وسرطان عنق الرحم، ونواسير الولادة، ويزيد من مخاطر أن يصبحن معزولات فضلا عن المعاناة الناجمة عن العنف المنزلي وأضرار الصحة العقلية.

مخاطر حمل المراهقات

في الوقت ذاته، يُدخل الزواج المبكر الفتيات في مرحلة الأمومة وهنّ غير مستعدات للأمر عاطفيا أو جسديًا. يعتبر حمل المراهقات السبب الرئيسي للوفاة بين المراهقات على مستوى العالم، وتحدث 90 في المئة منها في حالات الوضع للفتيات المراهقات في إطار زواج القاصرات، بحسب منظمة “فتيات لا عرائس“، وهي منظمة تناضل ضد زواج الأطفال. بحسب العمر، تكون الفتيات المراهقات

“تكمُن المشكلة، في هذه الأزمة، في توجيه الأموال إلى التدخلات الصحية بدلاً من إعطاء الأولوية للتعليم – وهو الأمر الذي يجب أن يحظى بالأولوية.”

آنا كريستينا دي أديو
 كبيرة محللي السياسات لتقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم

أكثر عرضة للوفاة نتيجة مضاعفات الحمل والولادة بمرتين إلى سبع مرات مقارنة بالنساء في العشرينات من العمر. كما أن معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة أعلى بنسبة 73 في المئة للأطفال المولودين لأمهات تقل أعمارهن عن 20 عامًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

استخدم المؤشر لإظهار المزيد حول استثناءات السن القانوني للزواج في الدول العربية

بالنسبة للفتيات والنساء اللاجئات اللاتي يفتقرن إلى الموارد والرعاية الصحية والأسرة أو المجتمع المستقر في بعض الأحيان، يمكن أن يكون الوضع مروعًا بشكل خاص. يقول عمال الإغاثة إن هؤلاء الفتيات، وخاصة اللاجئات، غالبًا ما يتم التخلي عنهن بعد الحمل، حتى لو كُن متزوجات. ويصحّ هذا بشكل خاص إذا ما كان الزواج من خلال ما يُعرف بالزواج العرفي – الزيجات غير المسجلة رسمياً- التي تجعل من السهل على الأزواج تطليقهم. إذ تُترك هؤلاء العرائس وحيدات ومعوزات وسط مشاعر العار.

إلى جانب استمرار الفقر ونقص التعليم، بدأ بعض الاقتصاديين أيضًا في إدراك أضرار زواج القاصرات على النمو الاقتصادي، وتقدر منظمة اليونيسف أن زواج القاصرات يكلف الاقتصادا 1.7 في المئة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي. أفادت دراسة للبنك الدولي استشهد بها معهد بروكينغز، إن زيادة نسبة النساء اللائي يكملن تعليمهن الثانوي بنسبة 1 في المئة يمكن أن يزيد النمو الاقتصادي بنسبة 0.3 في المئة، ويزيد الدخل القومي الإجمالي بنسبة 10 في المئة خلال عقد من الزمن. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن أن يضيف تعليم الفتيات وتوظيفهن3.1 تريليون دولار إلى الثروة الإقليمية، بحسب البنك الدولي.

لكن، وبهدف القضاء على هذه الممارسة، يقول المدافعون إنه من الأهمية بمكان أن تتبنى البلدان سن زواج قانوني لا يقل عن 18 عامًا – وأن تطبقه.

حتى الآن، من بين 22 دولة في جامعة الدول العربية بالإضافة إلى تركيا، حددت جميعها باستثناء ثماني دول الحد الأدنى القانوني لسن الزواج للإناث عند 18 عامًا أو أكثر.  في الوقت ذاته، لا يوجد بلد واحد يحدّد سن الزواج بـ 18 أو أعلى بشكل مطلق. قال مدافعون عن حقوق الأطفال إن جميع الاستثناءات تمنح للفتيات بموافقة ولي الأمر أو موافقة المحكمة، مما يلغي فعليًا الحد الأدنى للسن. وبينما وقع معظمهم على اتفاقيات دولية مختلفة – بما في ذلك اتفاقية عام 1979 للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – التي تلتزم بإنهاء هذه الممارسة، فقد أبدت الغالبية تحفظات رسمية على المادة 16 من تلك الاتفاقية، التي تضمن حقوقًا متساوية فيما يتعلق بالزواج والعلاقات الأسرية، بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية.

قالت دي أديو، من التقرير العالمي لرصد التعليم “في العديد من الدول… قد تكون هناك ممارسات أخرى تتجاوز القانون. نحن نعلم، على سبيل المثال، أن هناك الكثير من التشريعات والقواعد المتعلقة بزواج القاصرات  تنص على أنه تمييزي… لكن هناك طبقات (من القانون) خاصة في العالم العربي تقوضها. على سبيل المثال، تحدد الشريعة بعض القواعد التي تمنح الرجال مزيدًا من السلطة… (إنها) إطار عمل آخر يمنح العائلات القوة لتمكينها من تزويج بناتها قبل بلوغ السن القانونية.”

تقدم ضئيل في إفريقيا جنوب الصحراء

يدرك الكثيرون من أمثال دي أديو أن هناك مكاسب مهمة فيما يتعلق بمكافحة زواج القاصرات في جميع أنحاء العالم. على الصعيد العالمي، تراجعت هذه الممارسة بنحو 25 في المئة في الفترة ما بين عامي 1990 و2015، وتم إحراز تقدم ضئيل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث لا يزال معدل الزواج المبكر مرتفعًا: حوالي 37 في المئة من جميع الفتيات يتزوجن قبل سن 18، بينما تتزوج 15 في المئة منهن قبل سن الـ 15.

وفي ذات الوقت، تحسنت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث بلغت معدلاتها حوالي 33 بالمئة في عام 1990. بحلول عام 2015، تزوجت فتاة واحدة من بين كل خمس فتيات قبل سن 18 عامًا، وواحدة من كل 25 تزوجت قبل سن 15 عامًا، بحسب منظمة اليونيسف. على الرغم من هذه المكاسب، لاحظت مؤسسة بروكينغز أن الاتجاه آخذ في الارتفاع، إلى حد كبير بسبب الصراعات في المشرق واليمن وليبيا.

ومع ذلك، قامت بعض دول المنطقة بخفض هذه المعدلات بشكل كبير. على سبيل المثال، في سلطنة عُمان، انخفض المعدل من أكثر من 50 في المئة في عام 1990 إلى أقل من 5 في المئة في عام 2015، وفقًا لمنظمة اليونيسف.

تحتل تونس المرتبة الأولى بين الدول العربية بنسبة 2 في المئة. وعلى الطرف الآخر في دول جامعة الدول العربية تقع موريتانيا والصومال والسودان، مع بعضٍ من أعلى معدلات زواج الأطفال في العالم: في الصومال، على سبيل المثال، 45 في المئة من الإناث يتزوجن قبل سن الـ 18. ولم تظهر أيٌّ من هذه البلدان الثلاثة تحسنًا كبيرًا. (انظر الرسم البياني في نهاية التقرير.)

يقول بعض المدافعين عن الأطفال إن عدم فرض سن الزواج يماثل عدم تطبيق قوانين التعليم الإلزامي، وذلك ما ينتهك الحقوق القانونية للفتيات. في المنطقة، يفرض أكثر من نصف الدول العربية ما لا يقل عن تسع سنوات من التعليم، مع إلزام الدولة بتوفير 12 عامًا على الأقل. (انقر هنا للإطلاع على الرسم البياني)

قالت دي أديو “في نهاية المطاف، يعتبر التعليم الرابط المهم لأن زواج الأطفال يشكل عائقًا أمام الممارسة السليمة للحق في التعليم. والدولة هي المسؤولة عن الحق في التعليم، وهذا يعني أنه إذا كانت لديك قوانين تسمح لفتاة أو صبي بالزواج المبكر، فأنت تفتح الطريق لممارسات الإقصاء وانتهاك حقوق تلك الفتيات في التعليم. لهذا السبب فإن هذين الأمرين يسيران جنبًا إلى جنب.”

something didnt work here
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى