أخبار وتقارير

البيت: مختارات شعرية تستكشف الفضاءات الداخلية لتسعة شعراء عرب

البيت هو التنفس والذاكرة؛ الثرثرة وأصوات الجيران؛ مرايا الحمام والأرضيات الخشبية بحرارة الجلد. تملأ كل هذه وغيرها من الصور المنزلية المجموعة الشعرية الصادرة بعنوان “البيت: قصائد عربية جديدة“، وهي مختارات ثنائية اللغة من مجلة “تو لاين بريس“.

يعتبر “البيت” الكتاب الثاني في سلسلة “كاليكو” للمطبعة. مثّل الكتاب الأول مختارات من الأدب التأملي الصيني وقد طُبع في الربيع الماضي. وعلى الرغم من أن مختارات الشعر العربي قد تبدو أقل ريادة من الخيال العلمي الصيني، إلاّ أن مجموعة “البيت”، وبخلاف معظم مختارات الشعر العربي المترجمة إلى الإنجليزية، لا تهدف إلى أن تكون كاملة أو أساسية، وليست هناك مقدمة ولا سياق تاريخي للقصائد.

قالت سارة كوليدج، محررة السلسلة، في رسالة بالبريد الإلكتروني، “في سلسلة كاليكو، نحن ملتزمون حقًا بإيجاد أصوات جديدة من شأنها أن تقلب التوقعات. نحن حريصون على رؤية عمل يتحدث عن اللحظة الحالية أو يكسر التقاليد، ويشير إلى طرق جديدة للتفكير في الأدب وعالمنا.”

بدلاً من وضع القصائد في إطار اجتماعي تاريخي أكبر، تسمح مختارات القصائد الصغيرة هذه بالتحدث عن نفسها. تتضمن المجموعة أعمال تسعة شعراء عرب من ثماني دول، ويتقاطع كل عمل بطريقة ما مع فكرة “البيت”.

قالت كوليدج “من بين أسباب قرارنا لمتابعة الشعر العربي الشعور بأن الشعر العربي المعاصر، على وجه الخصوص، غير ممثَّل بشكل كافٍ في الترجمة الإنجليزية. لاحظنا أيضًا أن القليل الذي تم نشره كان يميل إلى التركيز على الاضطرابات السياسية والمواضيع الأخرى المهمة والمحدودة في الوقت ذاته.”

التخلي عن فكرة “البيوت”

تتضمن المجموعة مقتطفات من أعمال الشعراء سامر أبو هواش (فلسطين)، وإيمان مرسال (مصر)، ومحمد ناصر الدين (لبنان)، وسعدية مفرح (الكويت)، ورياض الصالح الحسين (سوريا)، وإيناس العباسي (تونس)، وأحمد الشافعي (مصر)، وأشجان هندي (السعودية)، وفاضل العزاوي (العراق). تعرض أعمالهم أساليب مختلفة بشكل ملحوظ، من المفارقات الهادئة والبحثية لإيمان مرسال إلى السطور التوّاقة لسعدية مفرح.

مثّلت مرسال إضافة لا بد منها بالنسبة لمختارات تركز على البيت. من بين كتبها الأخيرة عمل نثري عن الأمومة ومجموعة قصائد بعنوان “حتى أتخلى عن فكرة البيوت”. في مجمل أعمال  مرسال، يبدو البيت غير مستقرًا.

في قصيدة “يهدمون بيت أهلي”، بترجمة روبين كريسويل، لم يدمر المنزل المادي فحسب، بل الذكرى أيضًا:

كأن المعاوَل ليست كافية للهدم،

باليدْين.

ينزع العماُل الشباَك الذي اعتادت أن تتسلّل منه الجنَّيات.

وبرْكلٍة، يسقط الباُب الخلفُّي إلى الخارج. تسقُط ذاكرُة الباب.

في القصيدة، تتم إزالة الجدران والنوافذ، إلى جانب “السقف الذي فشل في حماية الطفولة من أمطار الدلتا”. ومع ذلك، تستمر القصيدة في البحث عن صلة بوالدة الشاعرة. وبذلك، فإنها تبتعد عن المبنى وتتطلع إلى الأرض حيث دفنت، “تحت شجرة الكافور”.

أجساد معطوبة، وبيوت معطوبة

تبدو البيوت غير مستقرة أيضًا في القصائد سريعة الاشتعال للكاتب السوري رياض الصالح الحسين، التي شاركت في ترجمتها رنا عيسى وسونيلا موباي. في قصيدته الطويلة “مارسيليز العصر النيتروني”، تتضرر المنازل، وكذلك العصر، والأجساد، والأحلام، والفاكهة. هنا، كل يوم محفوف بالمخاطر، والمنازل غير آمنة. إنه عصر “الجواسيس الذين يقدمون لك القهوة/ مع المورفين/ عصر الطائرات التي تطعم البشر القنابل/ والألعاب.”

“في سلسلة كاليكو، نحن ملتزمون حقًابإيجاد أصوات جديدة من شأنها أن تقلب التوقعات. نحن حريصون على رؤية عمليتحدث عن اللحظة الحالية أو يكسر التقاليد، ويشير إلى طرق جديدة للتفكيرفي الأدب وعالمنا.”

سارة كوليدج  
محررة السلسلة

توفي الصالح الحسين عن عمر يناهز 28 عامًا، وكان يعاني من مشاكل صحية، منها الفشل الكلوي، وفقدان السمع، والآثار الجانبية لعملية جراحية فاشلة، لكن صوته الشعري ظل واضحًا ومدويّا، كتحذير كاساندرا من الكوارث السورية المستقبلية. نشر ثلاث مجموعات، آخرها – بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدّس- الصادرة في عام 1982.

في القصيدة المدرجة في هذه المجموعة، يبدو أنه توقع نهايته. نقرأ، “مع المدافن نهار السبت/ مع الحزن نهار الأحد/ مع الخنازير نهار الاثنين/ مع الجنون نهار الثلاثاء/ مع الرشاشات نهار الأربعاء/ ومع الموت الوسيم.”

ذكريات صدئة

تبددت الذكريات في قصيدة غير معنونة لأحمد الشافعي، شارك في ترجمتها المؤلف وحضنا بنت علي غرس الله نورنبرغ. يقول الشاعر في القصيدة أن لمعظم الناس ذكريات، لكن له “ذراعان/ لا أدري/ لرقصة هما منفتحان/ أم لعناق” وأن كل ما تبقى من قريته البعيدة “حيوانات وأقارب/ وحكايات حتى عن الموتى/ وليس إلا نمائم/ عن الراحلين.”

في هذه القصيدة، صدى ما بعد الذاكرة يبحث عن الوطن. إذ يطلب الشاعر من “أصدقائه النبلاء”، الذين يحررون الوطن، ترك قطعة صغيرة منه غير محرّرة لأنها:

لن تعوق بناء أقواس النصر

لكنها ستكفي تماما

لكي لا تتوه عن الوطن

روح أبي

تبدو الذكريات صدئة في قصيدة “المفتاح” لإيناس العباسي، والتي شاركت في ترجمتها نورنبرغ وكوين دي كويبر، حيث تحمل الشاعرة مفتاحًا لمنزل لم يعودوا ينتمون إليه. على الرغم من استخدام القصيدة للصور المعاصرة، إلا أنها تستحضر أيضًا شوق قصائد الشعر الجاهلي، حيث غالبًا ما تشير نيران المخيم المهجورة المغطاة بالرمال إلى الخسارة.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

في هذه القصيدة، نقرأ بأن البيت الذي “لن يكون بيتنا بعد اليوم/ يعلوه صدأ الذكريات/ وغبار الصحراء التي خلّفناها وراءنا.”

وبيت العباسي، وكما هو حال العديد من أفراد المجموعة، ليس هيكلًا ماديًا بقدر كونه موقعًا للعلاقات. في نهاية القصيدة، تأخذ الراوية “مفتاح البيت الذي لم يعد بيتنا/ الذي لن يكون بيتنا بعد اليوم/ وتلقي به مع كراكيب الذكريات.”

ذكريات مفقودة، ذكريات مستعادة 

في قصائد أخرى، تعود الذكريات المفقودة إلى الحياة. ففي قصيدة سامر أبو هواش الفائضة والمثيرة للذكريات بعنوان “سيلفي  أخيرة مع عالم يحتضر”، ترجمة رواد وهبي، نقف في الحمام ونُحيي من رحلوا:

يكفي

بعد أن تملأ الحمام بالبخار

أن تنفخ في المرآة

كما تنفخ في حساءٍ ساخن

حتى تعيد إلى جميع الوجوه الصامتة،

في غابة رأسك

جميع أصواتها الضائعة.

في قصيدة أبو هواش، يصبح المطبخ أيضًا موقع يتمازج فيه الحاضر والماضي والتفاهة والفلسفة. حيث يدخل الناس في نقاش “عن نقص اعتيادي في الخبز،/ أو الماء،/ أو المرح.”

في قصيدة “الرجل المجهول” لفاضل العزاوي، وترجمة ويليام هاتشينز، تعود الذكريات المفقودة. نقرأ:

أبدًا نترك أيامًا

نقذفها في بئر

مثل حصاة

تسقط في ليل.

أبدا يخرج مُبتلا رجل مجهول

يجلس عند الفوهة

ويعيد لنا ما ضاع.

على الرغم من انتهاء المختارات بشعر العزاوي، وهو الرجل الأكبر سنًا والأكثر خبرة في الكتاب، إلا أن الشعراء غير مرتبين ترتيبًا زمنيًا. بدلاً من ذلك، تتحدث قصائدهم مع بعضها البعض عبر الزمان والمكان، بلغتين مختلفتين، مما يساهم في بناء نظرة خاصة على معاني “البيت”.

قالت كوليدج إنها تأمل أن يواصل القرّاء، بعد قراءة المختارات، رحلتهم مع الشعر العربي “مثل كل الكتب، يمثل هذا الكتاب نقطة انطلاق.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى