أخبار وتقارير

الأطباء السوريون الشباب يتصدون للوباء في المستشفيات ومنازل المرضى

يتواجد الأطباء السوريون الشباب حديثي التخرج من كليات الطب، والذين يقضون فترة تدريبهم في المستشفيات على الخطوط الأمامية لمكافحة جائحة فيروس كورونا، مما يعرض حياتهم للخطر.

خلال الصيف، تحولت دمشق إلى بؤرة تفشي وباء فيروس كورونا، حيث ينتظر المرضى في أروقة المستشفيات العامة ويصطفون عند بواباتها على أمل الحصول على العلاج.

رسميًا، سجلت دمشق 1,552 حالة كوفيد-19 فقط منذ آذار/ مارس، لكن الأطباء يقدرون بشكل غير رسمي إصابة مئات الآلاف من سكان المدينة. من جهة أخرى، يحتاج طلاب كليات الطب في سوريا إلى الإلتزام بما يعرف بإسم الإقامة الطبية في المستشفيات الجامعية لفترة تمتد ما أربع وخمس سنوات حسب التخصص الطبي لإتمام عملية تخرجهم الجامعي. عادة، يتناوب الطلاب من خلال الخدمات الطبية المختلفة للتعرف أثناء العمل على الجوانب المختلفة لمهنتهم، بما في ذلك التشخيص والعلاج والجراحة والعناية المركزة.

لكن توقف التناوب المعتاد للأطباء المقيمين في المستشفيات بين التخصصات الطبية وبعض برامج الصحة العامة والعلاجية، والذي بدأه الطلاب أنفسهم على الأرجح، ساهم غالباً في إنقاذ آلاف الأرواح في العاصمة السورية خلال ذروة حالات كوفيد-19 في شهري تمّوز/ يوليو وآب/ أغسطس.

قالت رغد إبراهيم، طبيبة الأمراض الباطنية المقيمة في جامعة دمشق، “في البداية، تمثّل خوف الأطباء الأكبر في احتمالية إصابة أسرهم في المنزل بالعدوى.” لكن بسبب الاتصال الوثيق بعدد كبير من مرضى كوفيد-19 أصيب معظم الأطباء المقيمين بالعدوى، بحسب مقابلات أجريت مع ثلاثة أطباء مقيمين. قالت إبراهيم “كنا نسأل بعضنا البعض: هل أصبت بالفيروس بعد؟” وتعتقد أنها قد نقلت العدوى لأفراد أسرتها بأكملها.

تغييرات في المناوبات

قال هيثم زمزم، رئيس قسم الأمراض الباطنية في مستشفى المواساة الجامعي بدمشق، “تغيّرت هيكلية مناوبات الأطباء الشباب بهدف منح الأطباء بضعة أيام في الحجر الصحي في المنزل قبل استئناف العمل. كما تم إيقاف التناوب الشهري للأطباء المقيمين للحد من انتشار الفيروس بين الأقسام المختلفة، وتم إيقاف الإجراءات الطبية غير العاجلة المعروفة باسم “العمليات الباردة” لتقليل المخاطر على المرضى وتخصيص وقت الموظفين لغرفة الطوارئ ومرضى العناية المركزة.” موضحاً “كان ذلك نهجا فعالا.”

في كل محطة، يتم مشاركة المهام والمسؤوليات الطبية بين الأطباء المقيمين اعتمادًا على مقدار خبرتهم. يهتم الأطباء الجدد بتشخيص المرضى وعلاجهم تحت إشراف المزيد من زملاء الدراسة الأكبر سنّا. فيما يشرف الأساتذة ورؤساء الأقسام على ضمان سير العمل بسلاسة والإجابة على أسئلة الطلاب في الحالات الأكثر تعقيدًا.

خلال الموجة الأولى من وباء فيروس كورونا، وقعت هذه المسؤوليات على عاتق كبار الخريجين الذين فضلوا إبعاد أساتذتهم الأكبر سنًا عن وحدات العناية المركزة وغرف الطوارئ، لأن خطر الوفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا يزداد مع تقدم العمر.

قال زمزم “أعتقد أننا فعلنا الشيء الصحيح.” وأضاف أن نظام الإقامة بشكل عام يضع المسؤولية على عاتق الأطباء المقيمين حتى يتمكنوا من تعلم كيفية التعامل مع المرضى بشكل مستقل مع استشارة كبار الأطباء والمشرفين عبر الهاتف أو شخصيًا عند الحاجة.

“ما كنا لنتمكن من تغطية احتياجات المرضى لولا الأطباء المقيمين، لقد تركّز الضغط عليهم.”

محمد نبوغ العوا العميد السابق لكلية الطب في جامعة دمشق

قال محمد نبوغ العوا، العميد السابق لكلية الطب في جامعة دمشق، “ما كنا لنتمكن من تغطية احتياجات المرضى لولا الأطباء المقيمين، لقد تركّز الضغط عليهم.”

خسارة العديد من الأطباء

مع ذلك، توفي ما لا يقل عن 70 طبيب بسبب فيروس كورونا في دمشق، بحسب نقابة أطباء دمشق. قال العوا”فقدنا عددًا كبيرًا من الأطباء ذوي الخبرة، وسيستغرق تعويض هذه الخسارة جيلاً كاملاً.” مضيفاً أن عدداً قليلاً من الأساتذة الذين أصيبوا بالفيروس قد نجوا.

كان حسين المحمد، الرئيس السابق لمستشفى الأسد الجامعي، من بين القلائل الذين نجوا من الإصابة بفيروس كورونا، لكنه في العناية المركزة منذ أسابيع بسبب مضاعفات متعلقة بفيروس كورونا، وفقًا لصفحة المستشفى على موقع فيسبوك. تم تعيين مدير جديد للمستشفى الأسبوع الماضي.

من جهة أخرى، قال العوا إن توقف “العمليات الجراحية الباردة” لأشهر خلال الموجة الأولى للوباء أدى إلى عدم تعلم صغار الأطباء كيفية القيام بهذه الإجراءات. مع ذلك، فقد استؤنفت العمليات الجراحية غير الطارئة منذ ذلك الحين. في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أعلن مستشفى الأسد الجامعي عن توقف استقباله مرضى كوفيد-19 للتركيز على “الأداء السليم لعملية التعليم والتدريب لطلاب الدراسات العليا”.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

https://www.bue.edu.eg/

خلال ذروة تفشي الوباء في دمشق في شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، كانت المستشفيات مكتظة بكل مرضى فيروس كورونا، مع ضعف قدراتها وبنيتها التحتية بالفعل نتيجة تسع سنوات من الحرب.

قالت إبراهيم “كانت تلك الأيام صعبة للغاية، فقد أصيبت دمشق كلها بالمرض في ذات الوقت.”

لتخفيف الضغط على المستشفيات العامة، بدأت مجموعة من الأطباء المقيمين الشباب مبادرة لمساعدة المرضى الذين يعانون من حالات الإصابة بفيروس كورونا الأقل خطورة في الحصول على العلاج في المنزل.

“عقّمها”

بدأت المبادرة في آذار/ مارس باسم عقمها لتشجيع سكان دمشق على استخدام معقم اليدين وتطهير الأماكن العامة لمواجهة الفيروس.

كان خالد عوض، الطبيب المقيم في قسم الطب الباطني والبالغ من العمر 28 عامًا، في إجازة ويستعد للانتقال إلى ألمانيا في الربيع عندما تعثرت خططه بسبب قيود السفر.

قال “شعرت بالذنب. اعتقدت أنه يجب عليّ العودة إلى العمل ومساعدة زملائي، لكن بعد ذلك قررت أن في إمكاني المساعدة خارج المستشفى لتخفيف الضغط عليهم.” بذلك، طوّر مع 20 من طلاب الدراسات العليا الآخرين مبادرة التعقيم من خلال توفير خطوط ساخنة على مدار الساعة لفيروس كورونا وتقديم العلاج الطبي في المنزل.

قدم الفريق خدماته مجانًا، مع تبرعات لدعم مبادرتهم. عالج فريقه أكثر من 1,000 مريض في المنزل خلال ذروة شهرين في الصيف، وزودهم بأسطوانات الأكسجين والأدوية اللازمة. فيما عالج الخط الساخن الخاص بهم أكثر من 700 استشارة هاتفية يوميًا في ذروة الوباء.

“كان الناس يموتون في المنازل دون أن يفحصهم أحد، لكننا كنا شجعانًا بما يكفي للدخول إلى منازلهم وعلاجهم.”

خالد عوض الطبيب المقيم في قسم الطب الباطني

قال “كان الناس يموتون في المنازل دون أن يفحصهم أحد، لكننا كنا شجعانًا بما يكفي للدخول إلى منازلهم وعلاجهم.”

قالت ابتسام زهرة، المشرفة في غرفة الطوارئ ووحدات العناية المركزة في مستشفى الأسد الجامعي، إنها لاحظت كيف خففت المبادرة من عبء العمل في المستشفى. وقالت زهرة إنه لم يكن هناك تنسيق مباشر بين المبادرة والمستشفيات. قالت “لكننا وثقنا في حكمهم عندما أرسلوا لنا الحالات الأكثر خطورة لأنهم كانوا طلابنا أيضًا.”

أضافت “كنت سعيدة جدًا بالمبادرة. لم أكن أتوقع أن يكون لديهم مثل هذه الشجاعة والحافز.”

لكن، بينما كانت جهود السكان موضع تقدير كبير من قبل المجتمع المحلي، إلا أن رواتبهم لقاء العمل لأكثر من 60 ساعة في الأسبوع في المستشفيات الحكومية لا تعكس هذا التقدير. إذ يتقاضى الطبيب المقيم في سوريا حوالي 45,000 ليرة سورية شهريًا، أي أقل من 30 دولارًا، بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض سعر صرف العملة السورية أمام الدولار.

يقول الطلاب إنهم حصلوا على بعض المكافآت. قال زمزم “لا يمكننا القول إننا نعمل مجانًا أو نتطوع لأننا نتعلم هنا أيضًا وهناك شهادة سنحصل عليها في نهاية تلك السنوات.”

يؤكد زمزم أن هذا الوضع الاقتصادي المتردي ينطبق على جميع السوريين وليس الأطباء فقط. قال “لا يمكننا الشكوى لكن هذا الوضع الاقتصادي يدفع المزيد من الأطباء إلى المغادرة،” مشيرًا إلى أن حوالي ربع زملائه في الفصل قد غادروا البلاد.

اليوم، مع اقتراب فصل الشتاء، وإرهاق الموظفين واستنفاذ الموارد، وارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا في البلدان المجاورة، يستعد الأطباء المقيمون في دمشق لموجة ثانية من الإصابات.

قالت إبراهيم”نحن نحبس أنفاسنا. لقد أرهقتنا الموجة الأولى وما زلنا نتعافى منها.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى