أخبار وتقارير

منى كريم: شاعرة تجد وطنها في الأدب

لم تكن منى كريم، الشاعرة والمترجمة والأستاذة الجامعية اليوم، تدرك أن فضولها ورغبتها المستمرة بقضاء وقتها داخل مكتب والدها وهي طفلة لم تتجاوز الست سنوات سيشكل لاحقاً طوق نجاتها من واقع كونها من فئة البدون في بلدها الأم الكويت.

قالت ” كنت أشعر بالفضول والحسد أيضا تجاه هذه الغرفة المليئة بالكتب، كنت أشعر بالملل من حياة الطفولة والأطفال، وأن الكبار يسيطرون على مجريات يومهم. كان لدي شعور أن هذه الغرفة هي مهرب لوالدي، وأنها يمكن أن تكون مهرب لي أنا أيضاً.”

ولدت كريم في محافظة الفروانية في الكويت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وهي الابنة الكبرى للكاتب  كريم هزاع. وتمتعت بموهبة شعرية استثنائية جعلتها تصدر ديوانها الشعري الأول “نهارات مغسولة بماء العطش” في سن مبكرة (14 عاماً) ليعقبه الديوان الثاني “غياب بأصابع مبتورة” بعد عامين، ثم درست الأدب واشتغلت في الصحافة والترجمة في الكويت.

لكن كل تلك الإنجازات “المبكرة” كانت تبدو على الدوام منقوصة بالنسبة لها، لكونها محرومة من حمل جنسية الكويت، البلد الذي ولدت وعاشت فيه.

قالت “كنت في حالة كآبة، حياتي متوقفة بشكل ما، لم تغير شهادتي الجامعية في حياتي شيئاً وهذا أحزن والداي كثيراً، خاصة وأنهما غير قادرين على مساعدتي. لجأت للأدب من جديد لينقذني ويساعدني على الهروب من واقعي.”

يبلغ عدد “البدون”، أو غير محددي الجنسية أو عديمي الجنسية، في الكويت أكثر من 100 ألف بحسب منظمات حقوقية. ويحرم المنتمون لفئة البدون من الخدمات التي ينتفع بها حاملو للجنسية الكويتية في التعليم والصحة والوظائف وغيرها. ويقسم البدون إلى فئات حسب اختلاف بعض التفاصيل في أوضاعهم القانونية. إذ يحصل بعضهم على بطاقات تسمح لهم بالالتحاق بالمدارس الخاصة أو الجيش أو بعض الوظائف المحددة. وتنتقل صفة البدون من الآباء إلى أبنائهم، حتى الذين ولدوا في الكويت. وتشهدت الكويت كل فترة وأخرى احتجاجات وحملات معظمها على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بمنح البدون الجنسية الكويتية، لكن معظم هذه التحركات تنتهي بدون نتيجة تذكر. كما أن بعض القائمين بها غالباً ما يتعرضون للملاحقة القانونية. (اقرأ التقرير ذو الصلة:  “البدون” يصارعون للحصول على التعليم في الكويت.)

من جهة أخرى، دفعت سيطرة المجتمع الذكوري على المشهد الأدبي في الكويت عامة، وفي مجتمع البدون خاصة، كريم لتدرك أهمية الأدب في حياتها.

قالت “شعرت أن هناك علاقة بين الأدب والحرية، أنا كامرأة بدون ومن خلفية قبلية، لم أجد حولي نساء متحررات، مستقلات أو متعلمات. أشعر أن الأدب منحني الحياة التي حلمت بها، الشعر كان هو السبب الرئيسي في حصولي على منحة للالتحاق بالجامعة.”

الأدب كطوق نجاة

نظراً لوضع كريم القانوني، لم يكن من حقها الالتحاق بجامعة حكومية. لكن تفوقها الدراسي وموهبتها الشعرية، جعلها تنال منحة دراسية من عائلة كويتية للدراسة في الجامعة الأميركية في الكويت.

“كنت في حالة كآبة، حياتي متوقفة بشكل ما، لم تغير شهادتي الجامعية في حياتي شيئاً وهذا أحزن والداي كثيراً، خاصة وأنهما غير قادرين على مساعدتي. لجأت للأدب من جديد لينقذني ويساعدني على الهروب من واقعي.”

منى كريم  
شاعرة ومترجمة وأستاذة جامعية

قال شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية ورئيس الجامعة الأميركية في الكويت في عام 2004 وهو العام الذي التحقت فيه كريم بالجامعة، “كان لديها طموح كبير خولها لاحقا للتقدم علمياً وفكرياً، كنت متميزة ودؤوبة إلى جانب موهبتها الشعرية.”

بعد التخرج، سعت كريم للحصول على منحة لاستكمال دراستها العليا في الولايات المتحدة، حيث غادرت الكويت في عام 2011 لتنال درجة الدكتوراه في الأدب المقارن في جامعة ولاية نيويورك، ولتعمل لاحقاً كأستاذ زائر للأدب المقارن في جامعة ماريلاند. كما تستعد للتدريس حاليا في جامعة برنستون، بالإضافة إلى عملها  بترجمة الشعر بين العربية والإنجليزية.

لم تتمكن كريم من العودة للكويت منذ مغادرتها الأولى لها. إذ تسببت مشاركتها في مؤتمر “انعدام الجنسية والتمييز الجنسي” الذي عقد في واشنطن عام 2011،  في منع تجديد جوز سفرها المؤقت من قبل السلطات الكويتية وتطلب بعدها اللجوء في الولايات المتحدة.

قالت ” لكوني بدون، مشاعري كانت متناقضة. تارة كنت أرفض أني كويتية، ثم بعد فترة كانت لدي رده فعل أني انتمى للكويت، ثم أصبح لدي رده فعل أني انسان كوني، اعتقد انها كلها ردود فعل أو مداخل لاكتشاف هويتي. وحده الأدب ساندني وساعدني لأكتشف أنني مجموعة من تلك الهويات المركبة مع بعضها البعض، أنا بدون، ولاجئة، وعربية.”

لم تلتق كريم بأسرتها منذ تسع سنوات، لكنها تنتظر حصولها على الجنسية الأميركية لترى أسرتها في الكويت، ثم تزور كل الدول العربية التي حرمت من دخولها في السابق كونها بدون، وحاليا لكونها لاجئة.

قالت “حجم الفقد كبير، خاصة لوالدي.”

الأدب كأداة مناصرة

لم تتوقف كريم عن مساندة قضايا البدون رغم مغادرتها للكويت، إذ انتقدت مؤخراً عقد مؤتمرات داخل الكويت تدعم قضايا البدون لكنها لا تضم أي منهم في صفوف المنظمين. قالت في مقال نُشر بهذا الخصوص “من الغريب أن تسمح السلطات بتنظيم هذا المؤتمر. الأغرب من ذلك دعوة مسؤولين لم يسبق لهم دعم قضية البدون بأي شكل… الإشكالية هنا ليست في العمل التضامني ذاته، بل في كيفياته وحدوده وطبيعته.”

تعتقد كريم بأهمية وجود دور للمؤسسات التعليمية والثقافية في مثل هذه التحركات. كتبت “أليس من المهم أن تقوم الطبقة المثقفة، من الأكاديميين أو الحقوقيين، بتجاوز خطاب “نشر الوعي” الأحادي والسلبي بطبيعته، واستبداله بعمل تضامني من قلب المؤسسات المحلية؟ لماذا لا يطلق الأكاديمي والحقوقي الكويتي، الذي يسيطر تماماً على أي نقاش في العنصرية والتمييز، عمله التضامني من صلب المؤسسات التعليمية والاجتماعية؟ هنا أود مناقشة محاور رئيسية لتوجيه مسار هذا العمل التضامني نحو التغيير النقابي والمؤسساتي.”

انتبهت كريم لمشكلة خطيرة في الترجمة العربية للكتب الغربية، أنها في الغالب مؤلفات لرجال، ورجال بيض، وأدركت ان لدينا فجوة في التراث المترجم للعربية لأنواع كتابات أخرى لمؤلفين من السود، والنساء، والمثليين، والمتسائلين عن هوياتهم الجنسية.”

أحمد ناجي  
كاتب مصري مقيم في الولايات المتحدة

كما تستمر كريم في دعم كل القضايا المتعلقة بالمساواة والعدالة في أعمالها الأدبية الشعرية وحتى في أعمالها المترجمة والتي من ضمنها: ديوان أشرف فياض “التعليمات بالداخل” ومختارات من قصائد رعد عبد القادر إلى الإنجليزية ومختارات من شعر أليخاندرا بيسارنيك إلى العربية ورواية “نسّب” لأوكتافيا باتلر.

إذ حرصت كريم على التنقيب وتقديم رؤي نقدية مختلفة واستثنائية، بحسب أحمد ناجي الكاتب المصري المقيم في الولايات المتحدة الأميركية.

قال “انتبهت كريم لمشكلة خطيرة في الترجمة العربية للكتب الغربية، أنها في الغالب مؤلفات لرجال، ورجال بيض، وأدركت ان لدينا فجوة في التراث المترجم للعربية لأنواع كتابات أخرى لمؤلفين من السود، والنساء، والمثليين، والمتسائلين عن هوياتهم الجنسية.” موضحاً أنها “تتمتع بمهارة إدراكية لما هو مخفي في الخطابات الثقافية، ودائما تفاجئني بما تقرأه بين السطور وتخرج بتأويلات وتحليلات مختلفة.”

في عام 2016 كتبت كريم مانفستو ضد المرأة، وهو إعلان ضد المرأة العنصرية والتقليدية والمستسلمة لواقعها. جاء فيه “أكتب ضد المرأة التي تظن بوقاحة أننا واحد. تلك التي انتفخت مؤخرتها فوق كرسي مريح من مميزات المواطنة والطبقة والعرق. ضد “الكفيلة” الخليجية التي تذهب للعمل وتصبح مواطنة صالحة وامرأة متحررة على حساب الاسيويات في بيتها، أو تذهب في إجازة وتستثنى من العمل ليًل على حساب مهاجر هندي أو مصري. وضد المرأة المتباكية من تعدد الزوجات ال من تعدد الخادمات. هذه المرأة تشابه دولتها وطبقتها النساء أخريات.”

مؤخراً، أصدرت كريم كتيب شعري ثلاثي اللغة (الهولندية/العربية/الانجليزية) بعنوان إناث الأشباح.

تعتقد الكسندرا شريتح، أستاذة مساعد بجامعة Tufts في الأدب المقارن والسينما أن كريم شاعرة وأكاديمية وناقدة ومترجمة وكاتبة قصة قصيرة، تجيد فعل كل ذلك وبشكل جديد. قالت “هي صوت هام لابد من الإصغاء إليه. ديوانها الثالث”ما أنام من أجله اليوم” يطرح موضوعات حساسة عن الهوية والهجرة، ومعنى البيت والعائلة والجسد. لقد توقفت طويلا ربما لشهور فيما طرحته في هذا الديوان ورؤيتها المختلفة التي تفتح معاني جديدة عبر اللغة لم أكن أتخيلها.”

اليوم، وإلى جانب نضالها الأدبي الحقوقي، تحرص كريم على أن تكون جزء من المشهد الأدبي الأميركي خاصة لكونها كاتبة ثنائية اللغة. قالت كريم” جزء من حياتي الآن أن أندمج هنا في الولايات المتحدة الامريكية مع المجتمع وان يكون لي صوت ورأي، وليس مجرد شخص ينتظر العودة. أنا أميركية هنا، وأنا عربية في العالم العربي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى