أخبار وتقارير

رغم الجدل: بدء التعاون البحثي الإماراتي الإسرائيلي

دبي – على الرغم من غضب الكثيرين من إعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فإن الدولة الخليجية تمضي قدماً في بناء شراكات بحثية مع إسرائيل، العدو التاريخي الأكبر لسكان المنطقة العربية.

تسبب وباء فيروس كورونا بتخفيض ميزانيات الأبحاث في جميع أنحاء المنطقة العربية، في حين استمر الإنفاق البحثي في ​​إسرائيل قويًا. في الواقع، كان وباء كوفيد-19، المرض الناجم عن فيروس كورونا المستجد، من بين أول أشكال التعاون التجاري بين إسرائيل والإمارات بعد قرار تطبيع العلاقات.

قال محمد العلي، المدير العام لمركز تريندز للبحوث والاستشارات وهي مؤسسة فكرية مقرها أبوظبي، “من الطبيعي جدًا أن يستغرق فهم الفروق الثقافية والتكيف معها بعض الوقت. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن كلا الجانبين يواجهان رياحًا عالمية معاكسة تشكل تحديًا لواضعي السياسات ولها تأثير سلبي على الاقتصادات والتعاون البحثي أيضًا.”

تنفق إسرائيل ما يقرب من 5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الأبحاث سنويًا، بحسب البنك الدولي، بينما تنفق الإمارات حوالي 1.3 في المئة، وهو أعلى إنفاق بين الدول العربية، حيث يبلغ المتوسط حوالي 0.5 في المئة.

ويعتبر الذكاء الاصطناعي من مجالات التعاون الأخرى بين البلدين. إذ وقعت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي ومعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، مذكرة تفاهم “للعمل معًا في مجموعة من المجالات”، بحسب ما أعلنته المؤسّستان الأسبوع الماضي. وأضافت المؤسّستان أن اتفاقهما الأول من نوعه الذي يتم توقيعه بين مؤسستين للتعليم العالي في الإمارات وإسرائيل.

يثير قرار التطبيع الذي وقعته الإمارات العربية المتحدة ومن بعدها دولة البحرين في واشطن حفيظة الكثيرين. يقول متابعون إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحاول إقناع دول عربية أخرى بتوقيع اتفاقيات مماثلة، لكن المعارضة لا تزال كبيرة، لاسيما وأن الاتفاقات الجديدة لا تنعكس بالإيجاب على الصراع الفلسطينيي الإسرائيلي.

من جهة أخرى، تمتلك دول اخرى كمصر والأردن اتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ سنوات طويلة. لكن التعاون البحثي مع إسرائيل، حاله حال أي نوع من التعاون الممكن، يواجه رفضاً شعبياً واسعاً كواحدة من وسائل دعم حق الفلسطينين في العودة وتقرير المصير. (اقرأ التقرير ذو الصلة: مشروع سيزامي لفيزياء الطاقة العالية في الشرق الأوسط في مواجهة كوفيد-19 و مرفق علمي جديد لدعم البحوث المشتركة في المنطقة).

https://www.bue.edu.eg/

آمال في تعاون واسع النطاق

في تطورٍ آخر يتعلق بفيروس كورونا أعقب الإعلان عن الوفاق الجديد بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، استضاف مركز تريندز للبحوث والاستشارات ومقره أبوظبي ندوة عبر الإنترنت بعنوان “علاج عالمي لكوفيد-19: ما بين جهود التنمية والبروتوكولات التنظيمية” جمعت خبراء من الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا.

“من الطبيعي جدًا أن يستغرق فهم الفروق الثقافية والتكيف معها بعض الوقت. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن كلا الجانبين يواجهان رياحًا عالمية معاكسة تشكل تحديًا لواضعي السياسات ولها تأثير سلبي على الاقتصادات والتعاون البحثي أيضًا.”

محمد العلي  
المدير العام لمركز تريندز للبحوث والاستشارات

يعتقد العلي، مدير عام مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن التعاون البحثي يمكن أن يمتد ليشمل الجامعات والمؤسسات البحثية والأكاديمية ومقدمي التكنولوجيا في كلا البلدين من أجل مستقبل أفضل للبشرية في مواجهة التحديات التي تشكلها جائحة عالمية. قال “أرى فرصًا هائلة لتبادل الأبحاث في مجالات التكنولوجيا والزراعة والنقل والطيران والأبحاث الطبية التي تركز على تطوير اللقاحات”، مع القيام بالمزيد في مجالات مثل الحكومة الإلكترونية وبرامج الفضاء، والخدمات العامة المتقدمة تقنيًا والتي حقق كلا الجانبين بالفعل الكثير من التقدم فيها.

وأضاف “يمكن للبلدين نقل هذا التعاون إلى المستوى التالي”، مستشهدًا بالدراسات المكثفة التي أجرتها منظّمته حول جماعة الإخوان المسلمين وتطورها على مر السنين. إذ أن الكتب الثلاثة التي تم إنتاجها حول هذا الموضوع متوفرة أيضًا باللغة العبرية. يحرص العلي على استكشاف تطوير مثل هذه الأبحاث جنبًا إلى جنب مع الخبراء الإسرائيليين، بالإضافة إلى مجالات بحثية أخرى.

جسر للدبلوماسية 

يعتقد دان شاحام بن حيون، مبعوث إسرائيل للأبحاث التطبيقية إلى الإمارات العربية المتحدة، العلم كجسر للدبلوماسية. قال “مع العلم تتواجد الحيادية، والمصلحة العامة، فضلاً عن الربح. العلم هو بداية جيّدة جدًا للعلاقات.”

يعتقد بن حيون أن المجالات التي تمثل الاهتمام الأساسي لدولة الإمارات العربية المتحدة تشمل قطاعات تكنولوجيا الغذاء والزراعة والتكنولوجيا الطبية والمياه والطاقة. قال “لدينا الكثير لنساهم به في كل هذه الأمور، لكن الإمارات لديها أيضًا مصلحة في تطوير البنية التحتية للبحث والتطوير، “لذا فإنني أقترح البحث والتطوير المشترك.”

وقال إن الخطوة التالية ستتمثّل في إشراك معاهد البحث والجامعات والشركات المهتمة بأحدث التقنيات عبر مجموعة من المجالات. من وجهة نظر إسرائيلية، هناك أمل كبير. وأضاف “ستشارك كامل مجموعة السوق الإسرائيلية في إمكانات هذه الصفقة.”

حماسة أقل في بعض الأوساط

مع ذلك، لا يشارك الجميع في الإمارات هذا الحماس. قال عبد الخالق عبد الله، باحث إماراتي في علوم السياسة، إن البعض في الإمارات العربية المتحدة سيرفضون بلا شك التغييرات المفاجئة التي تم الإعلان عنها الشهر الماضي.

قال عبد الله “من الطبيعي أن تجد مواقف وردود أفعال مختلفة. أتوقع أن يكون ثلث مجتمع البحث جاهزًا للتعاون – فالأمر الآن رسمي وقانوني، فلمَ لا؟ كما أعتقد أنك ستجد ثلثًا آخر شديد المقاومة. نفسياً وعقلياً، هم غير مستعدين للتعاون مع اسرائيل. قد يكون الثلث الآخر أكثر تحفظًا، مع الأخذ في الاعتبار حالة واحدة في كل مرة، ليس هناك إجماع على المسألة.”

“من الطبيعي أن تجد مواقف وردود أفعال مختلفة. أتوقع أن يكون ثلث مجتمع البحث جاهزًا للتعاون – فالأمر الآن رسمي وقانوني، فلمَ لا؟ كما أعتقد أنك ستجد ثلثًا آخر شديد المقاومة. نفسيا وعقليا، هم غير مستعدين للتعاون مع اسرائيل. قد يكون الثلث الآخر أكثر تحفظًا، مع الأخذ في الاعتبار حالة واحدة في كل مرة، ليس هناك إجماع على المسألة.”

عبد الخالق عبد الله  
باحث في علوم السياسة

يعتقد عبد الله أنه من المرجح أن يكون المغتربون غير العرب أكثر استعدادًا لاحتضان التغييرات على الفور، لكن العرب، ولاسيما المغتربين الفلسطينيين في البلاد، لن يكونوا كذلك.

ويتوقع أنه “من بين السكان المحليين أيضًا، سيكون هناك عدد قليل جدًا منهم. سيكون العديد مترددين للغاية، وخاصة الجيل الأكبر سنا، لذلك لن يكون هناك استجابة واحدة لهذا الأمر.”

بينما يستهدف أول تعاون تجاري تم توقيعه بين البلدين على وجه التحديد تطوير المعرفة بكوفيد-19، يتصور عبد الله أن يتبع ذلك المزيد من الدراسات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والبحوث الطبية. قال، “مع ذلك، أرى أن التعاون العسكري والأمني سينطلق بشكل أسرع من الآخرين.”

دراسة مشتركة في علم النفس الإيجابي

من بين المجالات التي بدأ العلماء الإماراتيون والإسرائيليون بالفعل التعاون فيها منذ التطبيع دراسة علم النفس الإيجابي. حيث تعتبر لويز لامبرت من جامعة الإمارات العربية المتحدة وشيري لافي من جامعة حيفا في إسرائيل رائدتان في هذا المجال.

تقول لامبرت إن التعاون أداة محورية للسلام والتسامح. قالت “إذا أردنا إصلاح الأشياء بشكل حقيقي في الشرق الأوسط بما يتجاوز السياسة، لإصلاح تصورات الناس عن “الآخر”، فإن إحدى الطرق هي من خلال ما نسميه فرضية الاتصال”، كما تقترح، في إشارة إلى أداة تجمع الأشخاص معًا، وتركز حول القواسم المشتركة أكثر من الاختلافات، والعائلات، وتحديات الحياة، وما نشترك في الإعجاب به ورفضه.

قالت “بالنسبة لي، إنه أمر مثير على الصعيد الشخصي. في المنطقة، تقوم إسرائيل بأكبر قدر من الأبحاث حول موضوع علم النفس الإيجابي، لذا فهذا جيد بالنسبة لي. لكن فيما يتعلق بتطوير علاقات أكثر سلامًا، فهذه هي الطريقة التي نقوم بها. يمكننا معرفة المزيد عن علم نفس السلام وعلم النفس الاجتماعي.”

في تعاونهما الجديد، ستقود كل من لامبرت ولافي فرقًا في بلدهما للبحث في نقاط القوة لدى الشباب وكيفية تطوير مهارات التوظيف في القرن الحادي والعشرين. تتوقع لامبرت أنهما ستجدان أن الشباب في الفريقين يتشاركون كثيرًا ذات الاهتمامات؛ فهم يرغبون في إسعاد والديهم، ويقلقون بشأن عيش حياة كريمة والعثور على وظيفة، ويريدون أن يكونوا محبوبين. قالت، “نحن متشابهون أكثر بكثير مما نعتقد.”

بشكل عام، ترى لامبرت أن التحول فرصة لدفع واقع المعرفة لدولة الإمارات العربية المتحدة. قالت، “إنها حقًا لحظة ملحمية لتكون جزءًا من اتجاه جديد. يبدو هذا وكأنه تاريخ في طور التكوين وأنا متحمسة حقًا لفتح هذا الباب لنا هنا.”

تنتاب لافي ذات المشاعر. قالت “هناك بالتأكيد تحمس بين زملائي حول مثل هذه الفرص. يُنظر إلى هذه المساعي المشتركة عمومًا على أنها ذات فائدة كبيرة. بالإضافة إلى الاهتمام العلمي، هناك أيضًا اهتمام شخصي للكثيرين في إسرائيل في الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك العديد من علماء الاجتماع.”

وبينما يبدو الحماس الأولي مرتفعًا، تقول لافي إن الجوانب العملية ستظل بحاجة إلى تسوية، وهياكل الدعم على مستوى الحكومة لم يتم وضعها بعد. قالت”سيتعيّن علينا أن نتعلم كيف يمكننا الحفاظ على المساعي العلمية المشتركة بمرور الوقت – من حيث التمويل واللغة وأهداف البحث وما إلى ذلك.”

مع ذلك، فإن هناك شعور بالأمل والإيجابية. قالت “في هذا الوقت، أعتقد أن الباحثين، على الأقل في بعض التخصصات، يمكنهم التغلب على هذه الحواجز، لا سيما أن هناك إرادة قوية للتعاون.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى