أخبار وتقارير

غبار انفجار بيروت: خطر يهدد صحة السكان

يبدو الأكاديميون في بيروت غير مقتنعين بأن حكومتهم المؤقتة مستعدة لتنسيق جهود التنظيف الشامل المطلوب بعد الانفجار الضخم الذي دمر منطقة الميناء في العاصمة اللبنانية مُطلقا غبارًا سامًا على مساحة كبيرة من المدينة.

لذلك، وفي غضون أيام بعد انفجار 4 آب/ أغسطس، نظم أعضاء هيئة التدريس، ومعظمهم من الجامعة الأميركية في بيروت، أربعة فرق تحت اسم “خضّة بيروت”، لمساعدة المدينة على استعادة وضعها الطبيعي.

كانت نجاة عون صليبا، أستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، من بين المنظمين.

في الساعة السادسة من مساء الرابع من آب/ أغسطس، كانت صليبا تجري مكالمة هاتفية عبر تطبيق زووم مع عدد من زملائها. فجأة اهتزت شقتها الواقعة الطابق الخامس، في ضاحية تبعُد سبعة كيلومترات عن الميناء، فيما افترضت صليبا أنه زلزال خفيف.

بعد لحظات من شعورها بالانفجار الهائل. قالت صليبا “عانقتُ زوجي وركضنا إلى الحمام، معتقدين، كما حدث أثناء الحرب الأهلية، أنه المكان الأكثر أمانًا.”

في اليوم التالي، توجهت صليبا وصديقتها إلى المنطقة القريبة من الميناء وسارتَا وسط الأنقاض والمباني المحظورة المعرضة لخطر الانهيار. إنتاب صليبا، المتخصصة في كيمياء الغلاف الجوي، القلق بشكل متزايد عند التفكير في أمراض الجهاز التنفسي والسرطانات والأمراض الأخرى التي تسبب فيها التعرض للغبار السام بعد كوارث سابقة، مثل انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في أعقاب الهجوم الإرهابي في أيلول/ سبتمبر 2001.

بفعل الإرهاق والإحباط الناجم عن الأزمة المالية الشديدة في لبنان المستمرة منذ عامٍ كامل، والتي أعقبتها جائحة فيروس كورونا، يواجه البيروتيون الآن كارثة ثالثة غير متوقعة تمامًا.

تحديات مختلفة

قالت صليبا “شعرنا بالغضب والعجز”، لإقتناعها بأن السلطات لن تفعل شيئًا يذكر لحماية الناس من المخاطر، تمامًا كما ورد عن تجاهلها لسنوات النداءات المتكررة من مسؤولي الموانئ لنقل 2,750 طنًا من نترات الأمونيوم، التي انفجرت أخيرًا، من الميناء.

قررت صليبا وزملاؤها أنهم بحاجة للتصرف بدلاً من الحكومة وإنشاء “خضّة بيروت”، والجمع بين الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني لتنسيق الاستجابة ووضع مبادئ توجيهية لإدارة عملية التنظيف.

“نحن قلقون بشأن ما تم تخزينه في المستودعات. هناك الكثير من الأمور المجهولة.”

إيمان نويهض
 أستاذة الصحة العامة وعميدة كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت

تضم فرق خضّة بيروت الأربعة ما يلي:

  • فريق صحة البيئة لإنشاء ونشر المبادئ التوجيهية لمساعدة عمال النظافة والسكان على حماية أنفسهم من السموم والمساعدة في تنسيق تحليل عينات الهواء والغبار.
  • فريق صحي لضمان الوصول إلى الأدوية الموصوفة والرعاية الطبية. بعد أكثر من أسبوع بقليل على الانفجار، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 50 بالمئة من العيادات والمراكز الصحية بالمدينة “لا تعمل”.
  • فريق تعليمي لمساعدة المدارس الابتدائية والثانوية في مواجهة كل من جائحة فيروس كورونا وآثار الانفجار الذي دمر 159 مدرسة حكومية وخاصة، وفقًا لتقييم الأمم المتحدة.
  • فريق من الشركات الصغيرة لمساعدة رواد الأعمال المتضررين على الوقوف على أقدامهم مرة أخرى.

سرعان ما توسعت الفرق بإضافة أعضاء هيئة التدريس من جامعات أخرى وأفراد من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وبعض الخبراء من الهيئات الحكومية. تضم الفِرق الآن أكثر من 30 عضوًا ويساعدهم عدد من الطلاب.

بعد اجتماعات من خلال الفيديو والمناقشات الشخصية التي تلتزم بإجراءات التباعد الاجتماعي، بدأت الفرق بسرعة في مواجهة التحديات التي خلفها الانفجار.

كما شعر مديرو المعارض الفنية والمقاهي والمؤسسات الأخرى في الأحياء المتضرّرة بشدة والقريبة من المرفأ بالتشجيع لرؤية حشود من المتطوعين الشباب ينزلون إلى وسط المدينة بعد الكارثة للمساعدة في إزالة الأنقاض والزجاج المكسور الذي غطى الشوارع كالسجّاد. “اقرأ التقرير ذو الصلة: بيروت ما بعد الانفجار: خسائر فنية وثقافية فادحة).

 “مجاهيل كثيرة”

لكن أعضاء فريق الصحة البيئية في خضّة بيروت أصيبوا بالهلع.

قالت إيمان نويهض، أستاذة الصحة العامة وعميدة كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، “إذا كنا محظوظين، فإنهم يرتدون نوعًا من الأقنعة بدافع القلق من فيروس كوفيد-19.”

وأضافت “لكنهم بالتأكيد لا يرتدون أجهزة تنفس، أو خوذ، أو أحذية خاصة وغيرها.”

يقول الخبراء إن هناك سببًا وجيهًا للخوف من أن يواجه المتطوعين والأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر تضررًا من الانفجار مخاطر صحية خطيرة جراء تنفس الغبار الذي غطى المنطقة.

“من المرجح جدًا أن الكثير من مادة الأسبستوس قد انبعثت على الأشخاص في منطقة الانفجار.”

ريك هند  
المدير التشريعي السابق في منظمة السلام الأخضر بالولايات المتحدة الأميركية

لا تأتي أكبر المخاطر من الكميات الكبيرة من غاز ثاني أكسيد النيتروجين الناتج عن انفجار نترات الأمونيوم. تم اكتشاف وجود الغاز من خلال اللون المحمر لسَحابة عيش الغراب الكبيرة الناتجة عن الانفجار. يعتبر ثاني أكسيد النيتروجين مادة مهيجة ضارة بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من الربو أو مشاكل الجهاز التنفسي الأخرى. لكن الخبراء يقولون إن معظمها كان سيتبدد في عدة ساعات.

عوضًا عن ذلك، تأتي أكبر المخاطر من مواد البناء مثل الأسبستوس والمواد الخطرة الأخرى التي قد تكون مخزنة في الميناء والتي تحطمت بفعل الانفجار.

قالت نويهض “نحن قلقون بشأن ما تم تخزينه في المستودعات. هناك الكثير من الأمور المجهولة.” 

اهتمام خاص بمخاطر الاسبستوس

يُعد التعرض للأسبستوس، الذي كان يستخدم على نطاق واسع في البناء، مصدر قلق كبير. يقول ريك هند، المدير التشريعي السابق في منظمة السلام الأخضر بالولايات المتحدة الأميركية والخبير في قضايا الأمن الكيميائي والسموم، “من المرجح جدًا أن الكثير من مادة الأسبستوس قد انبعثت على الأشخاص في منطقة الانفجار.”

يمكن أن يسبب استنشاق الأسبستوس أمراضًا مثل ورم الظهارة المتوسطة – سرطان الغشاء الذي يغطي الرئتين – فضلاً عن سرطان الرئة وداء الانسداد الرئوي المزمن (COPD).

يقول هند إن هذا يزيد من أهمية اتباع البروتوكولات الحديثة عند إزالة الأنقاض أو هدم الهياكل المتضررة. وتشمل هذه الإجراءات كشط المواقع بشكل متكرر لضمان نزول الغبار في مكانه، وارتداء العمال ملابس واقية وأجهزة تنفس لتنقية الهواء، والتخلص من الركام في مواقع النفايات الخطرة المحددة.

يحذّر الخبراء من أن مجموعة من المواد السامة الأخرى يمكن أن تكون ضمن الغبار المتراكم في الشوارع والسيارات وعلى جميع السطوح الأخرى في العديد من أحياء وسط المدينة. وتشمل هذه المواد الرصاص، وهو ضار جدًا بالدماغ البشري، والمنبعث من أنابيب المياه القديمة، والديوكسين، وهي مادة سامة قوية أخرى يمكن أن تنتج عن احتراق الأنابيب البلاستيكية. 

فحص عينات الهواء والغبار

لا تعد مثل هذه المخاوف مجرد تكهنات بل إنها تستند إلى كوارث سابقة مماثلة.

بعد أن حلق الإرهابيون بطائرتي ركاب ليصدموا برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في عام 2001، مما حوّلهما إلى أكوام ضخمة من الأنقاض، أكدت رئيسة وكالة حماية البيئة الأميركية لسكان نيويورك أن الهواء بالقرب من موقع الكارثة آمن. بعد خمسة عشر عامًا، اعتذرت مديرة الوكالة، كريستين تود ويتمان، واعترفت بأنها كانت مخطئة.

أصيب العديد من المستجيبين لحالات الطوارئ وعمال التنظيف في موقع مانهاتن السفلى بأمراض على المدى الطويل بعد استنشاق الغبار السام الناتج عن انهيار البرجين.

” كلما زاد تلوث الهواء والغبار لديك، كلما زادت احتمالية انتقال كوفيد-19.”

نجاة عون صليبا
 أستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت

يحاول فريق الصحة البيئية في خضّة بيروت التنسيق مع الأمم المتحدة وفرق الإنقاذ الدولية في جمع عينات الهواء والغبار لتحليلها في مختبرات خارج لبنان.

يعمل الفريق أيضًا على إعداد إرشادات حول أنواع الملابس الواقية والأقنعة وأجهزة التنفس والإجراءات اللازمة لمن يقومون بأعمال التنظيف وإعادة البناء، بمساعدة منظمة الصحة العالمية والمعهد الوطني الأميركي لعلوم الصحة البيئية.

تشمل المخاطر الأخرى العفن الذي قد يكون موجودًا في المباني القديمة المتضررة، لاسيما بعد تعرضها لأضرار المياه، والتلوث من أنابيب مياه الصرف الصحي المدمّرة.

قالت نويهض، أستاذة الصحة العامة، “تحاول خضّة بيروت وضع قواعد حول ما يجب القيام به، ومن يقوم بجمع العينات وتحليلها، وتحديد ما إذا كان من الواجب أن نهتم بما هو تحت الأنقاض. الموارد محدودة ونريد تقليل تكرار العمل والتأكد من سد الثغرات.” 

تزايد حالات كوفيد-19

علاوة على كل هذا، أعلنت السلطات الصحية اللبنانية في 21 آب/ أغسطس أن عدد حالات الإصابات الجديدة بكوفيد-19 تضاعف تقريبًا خلال الأسبوعين ونصف الأسبوع الماضيين. في ذات اليوم، فرضت السلطات إغلاقًا جديدًا لمدة أسبوعين مع حظر للتجوال من الساعة 6 مساءًا حتى الساعة 6 صباحًا، باستثناء أعمال الإغاثة والمساعدة.

تعتقد صليبا إن كوفيد-19 ينتقل عن طريق جزيئات الهواء. قالت “لذا كلما زاد تلوث الهواء والغبار لديك، كلما زادت احتمالية انتقال كوفيد-19.”

يعمل جميع أعضاء خضّة بيروت كمتطوعين، ومن المتوقع أن يبدأوا قريبًا العودة إلى وظائفهم بدوام كامل كأساتذة وأطباء وفي مهنِ أخرى. لكن، في الأسبوع الماضي، قال فضلو خوري، رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، للمجموعة في رسالة عبر البريد الإلكتروني إنه يفضل إنشاء مكتب في الجامعة لدعم عمل المجموعة.

قالت نويهض “نحن ننظر إلى الأمر على أنه مبادرة طويلة الأمد. سيستغرق التنظيف شهورًا. ويجب ألا نفوّت فرصة توثيق تجاربنا الخاصة حتى يتمكن الآخرون من التعلم منها. نحن بحاجة إلى بناء القدرات والذاكرة المؤسسية في حالة وقوع كارثة أخرى.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى