(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).
في عالم يتسم بأشكال متنوعة من العنصرية والإقصاء، يكثر التطلع إلى الجامعات كمنقذ ومخلص من هذه الممارسات من خلال دورها في تعليم الأجيال وتشكيل الوعي ضمن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه المجتمعات التي تحتضنها.
لكن الجامعات في منطقتنا العربية كثيراً ما تتهم بأنها جزء من المشكلة وليس الحل بسبب ابتعادها إلى حد كبيرعن الواقع السياسي والاجتماعي المحيط بها وتركيز إداراتها على مايجري داخل الحرم الجامعي فقط، مما قد ينتج عنه ممارستها لبعض السياسات التي تزيد من حدة عدم المساواة التي يفترض أن تتصدى لها.
ولأن الجامعات جزء من مجتمعاتها تعاني مما يعاني منه وتصاب بما يصاب به، حتى ولو أغلقت أبوابها على نفسها، فإنها معرضة بشكل أو بأخر لوقوع ممارسات عنصرية بداخلها أو ضدها.
مما يدعو إلى إعادة التفكير في الدور المطلوب من الجامعات كمؤسسات تعليمية أكثر انخراطاً في تعزيز قيم التسامح والتآزر بين سكان العالم حول القضايا الإنسانية، بعبارة أخرى دعم ما يعرف بالمواطنة العالمية.
يدعو مفهوم المواطنة العالمية لنبذ الأفكار المجحفة سواء كانت محلية أو إقليمية أو وطنية، بحيث يصبح الإنسان مواطنا عالميا ينتمي إلى كل أجزاء العالم وينشغل بإيجاد حلول لقضاياه؛ الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج مجتمع عالمي متناغم يسوده احترام متبادل يعمل لخدمة الإنسانية رغم اختلافات الدين والعرق واللون، وهذا يسهم في تحويل العالم إلى مكان أفضل عما نعرفه الآن.
ربما كان من أكبر الدروس التي يُفترض أن يستفيدها العالم من كوفيد-19 أن مصير البشرية واحد، وأن مستقبلها مشترك؛ فالفيروس لا يفرق بين ضحاياه في لون أو جنس ولا يميز بين دولة متقدمة وأخرى نامية، حيث أصبحت سلامة الجميع مرتبطة بالجميع. مع ذلك، للأسف، فإن الوعي بهذا الدرس غاب في خضم من العنصرية الدولية حيث اختارت كثير من الحكومات تحقيق مصالحها الذاتية على حساب شعوب أخرى، بل ربما استغل بعضها الخوف من الفيروس لتنفيذ سياسات عنصرية تجاه الشريحة الأضعف في المجتمع من اللاجئين أو الطلاب الأجانب كما في قرار إبعاد الطلاب الأجانب الذي تراجعت عنه الإدارة الأميركية بعد رفع الأمر إلى القضاء مؤخرا.
كما أن الحديث عن تعزيز العالمية ومجابهة العنصرية ليست ترفاً علمياً أو أخلاقياً؛ فالعنصرية بأشكالها المختلفة هي السبب الرئيسي في الفشل في مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد البشرية؛ مثل التغير المناخي وأسلحة الدمار الشامل وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية وقهر الشعوب الضعيفة، كما كانت من الأسباب الرئيسية للحرب العالمية الأولى والثانية؛ ولهذا ليس من قبيل المبالغة أن تُعد العنصرية واحدة من أخطر شرور العصر، بل قد تكون هي الأخطر على الإطلاق.