أخبار وتقارير

بيروت ما بعد الانفجار: خسائر فنية وثقافية فادحة

تعهد تحالف يضم منظمات فنية وثقافية من جميع أنحاء العالم بتقديم “إسعافات أولية للتراث الثقافي” لمساعدة المتاحف والمعارض الفنية والمؤسسات الثقافية الأخرى التي تضررت من جراء الانفجار الهائل الذي عصف بمساحات شاسعة من وسط بيروت في وقت سابق من هذا الشهر.

في بيان صدر مؤخرًا، تعهدت 27 منظمة كبرى “ببذل كل ما في وسعها للمساهمة في الاستعادة الكاملة للتراث الذي تضرر في بيروت جراء هذا الانفجار.”

من بين المنظمات الموقّعة على البيان الصادر في 11 آب/ أغسطس: المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي في البحرين؛ والتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ALIPH)؛ ومتحف اللوفر في باريس؛ والمؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب؛ والمتحف الوطني الصيني ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.

في بيان منفصل، أفادت منظمة اليونسكو إنها ستقود جهود المساعدة الدولية. قال إرنستو أوتوني راميريز، مساعد المدير العام للمنظمة لشؤون الثقافة، “لقد أرسل المجتمع الدولي إشارة دعم قوية إلى لبنان في أعقاب هذه المأساة. ومنظمة اليونسكو ملتزمة بقيادة الاستجابة في مجال الثقافة.”

في هذه الأثناء، تحركت المنظمات التي تتخذ من بيروت مقرًا لها، والتي شهد بعضها تدمير مكاتبها، بسرعة للبدء في مساعدة المعارض الفنية الصغيرة والمراكز الثقافية والفنانين.

الدمار يضرب قلب المدينة الإبداعي

ألحق الانفجار، الذي عَزَته السلطات لـ 2,750 طنًا من نترات الأمونيوم كانت متروكة في مستودع في ميناء المدينة، أضرارًا بالغة بشكل خاص بالأحياء التاريخية المجاورة مثل الجميزة ومار مخايل.

كشف تقييم أولي عن تضرر 8,000 مبنى، يتركز الكثير منها في هاتين المنطقتين، بحسب سركيس خوري، مدير عام الآثار في وزارة الثقافة اللبنانية، من بينها حوالي 640 مبنى تاريخيًا، 60 منها تقريبًا معرضة لخطر الانهيار.

كانت الجميزة ومار ميخائيل مركز الحياة الإبداعية للمدينة، بوجود العديد من استوديوهات الفنانين والمعارض الفنية والمكتبات والمقاهي والحياة الليلية المزدهرة. وتمثل الآن مشاهد دمار، حيث يتناثر الركام والسيارات المحطمة في الشوارع وعلى المباني بعد تضرر وتحطم واجهاتها.

قالت هيلينا ناصيف، مديرة المورد الثقافي، “فقد العديد من الفنانين منازلهم واستوديوهاتهم، فيما أصيب البعض بجروح. ولا يزال البعض الآخر في حالة من الصدمة.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: خطط جديدة لدعم الفنانين في ظل تفشي وباء فيروس كورونا).

فقد العديد من الفنانين منازلهم واستوديوهاتهم، فيما أصيب البعض بجروح. ولا يزال البعض الآخر في حالة من الصدمة.”

هيلينا ناصيف  
مديرة المورد الثقافي

تقدم المورد الثقافي، مجموعة غير ربحية، منحًا للفنانين ومؤسسات فنية وثقافية في جميع أنحاء المنطقة العربية. وقد انضمت مؤخرًا إلى مجموعة أخرى مقرها بيروت، هي الصندوق العربي للفنون والثقافة (آفاق)، لإطلاق حملة دولية لجمع الأموال لمساعدة الفنانين على إجراء إصلاحات طارئة في أماكن عملهم أو استئجار مبانٍ جديدة أو تأمين أعمالهم الفنية أو استبدال المعدات.

ساهمت كل من المجموعتين بمبلغ 50,000 دولار أميركي على شكل أموال أولية. ولا يزالون يهدفون لجمع مبلغ قدره 300,000 دولار.

قالت ناصيف “لدينا حاليًا 30 أو 40 منظمة و150 فردًا على قائمة أولوياتنا” من بين أولئك الذين تكبدوا أضرار جسيمة، ومن المتوقع أن تزداد القائمة.

الفنانون يساعدون بعضهم البعض

انضمت اتجاهات، وهي منظمة غير ربحية مقرها بيروت تدعم الفنانين السوريين داخل وخارج بلادهم، إلى جهود العمل للأمل، وهي منظمة محلية أخرى غير ربحية تقدم برامج ثقافية للاجئين والمجتمعات المهمشة الأخرى. تعمل المنظمتان الآن على جمع الأموال وتعتزمان البدء قريبًا في إجراء مدفوعات صغيرة لمرة واحدة تتراوح من 1,500 دولار إلى 2,500 دولار أميركي.

قال عبدالله الكفري، المدير التنفيذي للمجموعة، “هناك حاجة كبيرة لدعم وجود الفنانين بذاته. يحتاج الفنانون بشدة إلى دعم “أمور من قبيل الإيجار والطعام والرعاية الطبية والعلاج النفسي لمن يعانون من الصدمات.”

تعرض كتب اتجاهات في حي مار ميخائيل لأضرار بالغة جراء الانفجار. وقع الانفجار في وقت مبكر من المساء، عندما كانت مكاتب اتجاهات والعديد من المكاتب الأخرى خالية. قال الكفري “لو كان الانفجار قد حدث في الظهيرة، لكانت المأساة [أكبر].”

ظهر عدد من مبادرات المساعدة المتبادلة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسعى الفنانون وغيرهم من الممارسين الثقافيين إلى مساعدة بعضهم البعض. إذ جمع تجمع إغاثة المسرح Theatre Relief أموالاً لمجموعات الفنون المسرحية من خلال مبادرة “بيروت، لا عرض الليلة“، التي وصفت نفسها بأنه “لن يكون هناك عرض” ولكنها طلبت من الناس شراء تذكرة أو دفع ما تستطيع دفعه للمساعدة.

معرض متضرر في متحف سرسق (الصورة: روينا بو حرب/متحف سرسق).
معرض متضرر في متحف سرسق (الصورة: روينا بو حرب/متحف سرسق).

تضرُّر المجموعات المتحفية

كما لحقت أضرار بثمانية متاحف على الأقل. يقع متحف سرسق، الذي يضم المجموعة الرئيسية للفن الحديث والمعاصر في المدينة، بالقرب من موقع الانفجار وتعرض لأضرار بالغة.

بحسب مسح أولي أجراه باتريك ميشيل، كبير المحاضرين في علم الآشوريات في جامعة لوزان، في سويسرا، فقد تحطمت جميع نوافذ المتحف، بما في ذلك النوافذ الزجاجية الملونة في الواجهة. انهارت العديد من الجدران الداخلية والأسقف المصنوعة يدويًا، فضلاً عن تضرر السقف، مما أدى إلى تعريض المتحف للعوامل الجوية. كما تضررت عشرين إلى ثلاثين لوحة والعديد من الأعمال الخزفية. خضع متحف سرسق لعملية تجديد بقيمة 15 مليون دولار في عام 2015.

كما تعرض متحف ما قبل التاريخ اللبناني في جامعة القديس يوسف لأضرار جسيمة وتفيد التقارير أن السقف الزجاجي معرض لخطر الانهيار وقد تمت تقويته مؤقتًا بالخشب.

أما المتحف الأثري التابع للجامعة الأميركية في بيروت، والذي يقع على بعد حوالي ميلين غرب الميناء، فقد تحطمت أبوابه ونوافذه، ولحقت بعض الأضرار بمجموعته.

وتعرض متحف بيروت الوطني، الذي يضم مجموعة الآثار الرائدة في لبنان، لأضرار في النوافذ والأبواب والمصاعد، لكن مجموعته سليمة على ما يبدو.

تقع المؤسسة العربية للصورة، التي تضم مجموعة فريدة من الصور الفوتوغرافية والوثائق من المنطقة العربية تزيد عن 500,000 صورة، في الطابق الرابع من مبنى في شارع غورو بحي الجميزة، على بعد أقل من نصف ميل من موقع الانفجار. وقد عانى المبنى من أضرار جسيمة، بما في ذلك غرفة التخزين الباردة، حيث يتم حفظ مجموعاتها في بيئة مستقرة، ومقاومة للمناخ والحرائق.

وفقًا لتقييم أولي للأضرار أجرته منظمة الدرع الأزرق الدولية، وهي شبكة “ملتزمة بحماية الممتلكات الثقافية في العالم”، فقد تضرر عدد من المكتبات؛ بما في ذلك: المكتبة الوطنية اللبنانية، وثلاثة فروع لمكتبة بيروت البلدية، والمكتبة الشرقية الشهيرة لجامعة القديس يوسف، ومكتبة رياض نصّار بالجامعة اللبنانية الأميركية والعديد من المكتبات في الجامعة الأميركية في بيروت. (اقرأ التقرير ذو الصلة: مكتبات بيروت تكافح للاستمرار وسط الدمار).

مخاوف حول مصير المناطق التاريخية

في الجميزة ومار ميخائيل، المناطق المتضررة بشدة والتي تحملت وطأة الانفجار، يتدافع المؤيدون لتأمين المباني والمجموعات الثقافية. كما أنهم يفكرون بالفعل في مصير الأحياء التاريخية على المدى الطويل، والتي تعد من بين المناطق الأخيرة في بيروت التي تحافظ على الهندسة المعمارية للعصر العثماني في القرن التاسع عشر.

يخشى الكثيرون من أنها قد تسلك ذات الطريق الذي سلكته الأحياء التاريخية الأخرى في المدينة، التي تعرضت للدمار بسبب الأضرار الناجمة عن الحرب الأهلية اللبنانية من 1975 إلى 1990 والضغط من مطوري العقارات.

قال ميشيل، من جامعة لوزان، “نخشى الآن اختفاء تراثنا، المباني التاريخية القليلة المتبقية. من شأن هذا أن يترك بيروت مع ناطحات السحاب والمباني المروعة فقط.”

لاحظ عدد من الأشخاص العاملين على دعم مجتمع الفنون أن الفنانين والعاملين في المجال الثقافي مرهقون ومصدومون جراء الكارثة الأخيرة، التي جاءت بعد أشهر من أزمة مالية حادة واستمرار ارتفاع حصيلة جائحة فيروس كورونا. ومع ذلك، يلاحظ المؤيدون أن الفنانين قد تشجعوا بفضل التضامن الذي أظهره المواطنون.

نخشى الآن اختفاء تراثنا، المباني التاريخية القليلة المتبقية. من شأن هذا أن يترك بيروت مع ناطحات السحاب والمباني المروعة فقط.”

باتريك ميشيل  
كبير المحاضرين في علم الآشوريات في جامعة لوزان، في سويسرا

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

بالفعل، وفي اليوم التالي للانفجار، تدفق المتطوعون على المناطق المتضررة لإزالة الزجاج المهشّم الذي غطى الشوارع كالسجّاد والمساعدة في تنظيف ونقل المجموعات المكشوفة.

قالت كريستال خوري، منسقة المنح في منظمة مفردات، وهي منظمة غير ربحية مقرها بروكسل تدعم الفنانين في جميع أنحاء المنطقة العربية وتعمل على جمع التبرعات لمساعدة أعضاء مجتمع الفنون المتضررين من الانفجار، “الحكومة لا تفعل شيئًا ولا أحد يثق في الحكومة. الناس هم من نزل إلى الشوارع وبدأ في التنظيف.”

الأزمة المالية تعقّد المشكلة

كثيرًا ما يشدد المشاركون في جمع التبرعات على أن التبرعات يجب أن تذهب مباشرة إلى المؤسسات الفنية والثقافية لتجنب الفساد الحكومي. قالت خوري، “يقول الناس: لا تقدموا أموالاً للقنوات الحكومية. من المهم جدًا أن يتم توزيع كل المساعدات بطريقة شفافة.”

هناك حاجة ملحة على المدى القصير لتغطية الأسطح والنوافذ المحطمة قبل هطول الأمطار في الخريف، والتي تبدأ عادة في منتصف أيلول/ سبتمبر.

كما ستكون هناك حاجة لكميات ضخمة من الزجاج لاستبدال النوافذ والواجهات وخزائن العرض، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر والمعدات الإلكترونية لاستبدال الأجهزة التالفة. يقول الأشخاص المشاركون في جهود الاعمار إنه سيتعيّن استيراد الكثير من هذه المواد.

ومن الممكن أن يشكل هذا الأمر تحديًا خاصًا الآن، لأنه حتى عندما يكون لدى المنظمات الأموال اللازمة لمثل هذه المشتريات، فإن القيود التي فرضتها البنوك خلال الأزمة المالية تعني أنه لن يكون من الممكن سحب الأموال إلا بالعملة اللبنانية، وليس بالدولار أو اليورو المطلوب.

Countries

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى