أخبار وتقارير

حملات إلكترونية تكشف ضعف سياسات حماية النساء من التحرش في الجامعات المصرية

تتبنى غالبية الجامعات المصرية سياسات لمحاربة التحرش داخل الحرم الجامعي، لكن مجموعة من الحوداث – كُشف عنها مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي – أظهرت ضعفاً واضحاً في تطبيق هذه السياسات. كما دفعت بالكثيرين لاتهام إدارة الجامعات بالتقصير وعدم جدية التعامل مع هذه القضية شديدة الحساسية والخطورة، والتي تتسبب في كثير من الأحيان في تسرب وانقطاع الطالبات عن مواصلة تعليمهن فضلاً عن الأثار الجسدية والنفسية العميقة التي تخلفها.

الشهر الماضي، كشفت صفحة على موقع الانستغرام، باسم “بوليس الاعتداءات الجنسية” عن قيام شاب مصري كان طالباً في الجامعة الأميركية في القاهرة بالاعتداء واغتصاب أكثر من 100 فتاة من بينهن زميلات له في الجامعة. ذكرت غالبية الشهادات التي تقدمت بها الفتيات أنها وقعت قبل وقت سابق وأنهن لم يتمكن من الإبلاغ عنها في حينها لخوفهن من الابتزاز ولعدم معرفتهن بكيفية الإبلاغ دون تعرضهن للتشهير.

قالت باسكال غزالة، أستاذة التاريخ في الجامعة الأميركية في القاهرة، “يعد التحرش بشكل عام محاولة لغلق الفضاء العام أمام النساء، وتُعد الجامعة أحد أهم الفضاءات اللاتي يتواجدن فيها، مما يؤثر بشكل أساسي على حضور المرأة ومشاركتها في المجتمع.” مشيرة إلى أن الجامعة جزء من المجتمع وانعكاس لطبيعة العلاقات السائدة فيه. قالت “علاقات السلطة داخل المجال الأكاديمي عنيفة بما يعني أن العلاقة بين الطالب/ ة والأستاذ/ ة ليست ديمقراطية في معظم الجامعات، فضلاً عن أن الجامعة هي جزء من المجتمع أو السلطة وبالتالي أي علاقات سلطة سواء كانت طبقية أو عنصرية سيتم إعادة استنتاجها في الجامعة”.

كان المركز القومي للمرأة في مصر من أوائل المؤسسات التي ساندت الفتيات، إذ تقدم المركز ببلاغ للنائب العام للتحقيق في الواقعة، مطالبا جميع الفتيات اللاتي وقعن ضحية للشاب بالتقدم ببلاغات رسمية مع وعود بالحماية من التشهير ونشر بياناتهن. الأسبوع الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون تقدمت به الحكومة بتعديل قانون الإجراءات الجنائية، بإضافة مادة خاصة بسرية بيانات بعض المجني عليهم والمتهمين في قضايا الاعتداء على الأطفال والتحرش.

تم اعتقال الطالب المهتم ووجهت إليه تهم بارتكاب جرائم جنسية ضد ثلاث نساء على الأقل، دون صدور تعليق من قبله على الاتهامات الموجهة إليه للإعلام.

تغيير في سياسة الجامعة الأميركية في القاهرة

جاء رد الجامعة على الواقعة متأخراً وأقل من المأمول. إذ أصدرت بياناً رسمياً أكدت من خلاله أنها “لا تتسامح إطلاقاً مع التحرش الجنسي، وتلتزم بالحفاظ على بيئة آمنة لجميع أفراد مجتمع الجامعة”

لكن ائتلاف حقوق الطلاب أدان  البيان واعتبر أن إدارة الجامعة “تجاهلت” للشكاوى المقدمة ضد الطالب المتهم، ومسحت للشكوى التي سجلتها الطالبة على منصة الجامعة. ناشد البيان الطالبات/الطلبة دعم الضحايا والافصاح عما تعرضوا له، وإرسال قصصهم لصفحة الانستغرام التي تتولى الحملة.

“يعد التحرش بشكل عام محاولة لغلق الفضاء العام أمام النساء، وتُعد الجامعة أحد أهم الفضاءات اللاتي يتواجدن فيها، مما يؤثر بشكل أساسي على حضور المرأة ومشاركتها في المجتمع.”

باسكال غزالة  
أستاذة التاريخ في الجامعة الأميركية في القاهرة

دفعت هذه التطورات إدارة الجامعة لإعادة النظر في سياستها المتعلقة بمكافحة التحرش، ومعالجة نقاط الضعف فيها، من خلال تقديم تدريب عبر الإنترنت لكل فرد من أفراد المجتمع، بما في ذلك رئيس الجامعة ومسؤولي الجامعة بالإدارة العليا بهدف رفع مستوى الوعي بالتحرش الجنسي، في موعد أقصاه نهاية خريف 2020، بحسب رحاب سعد، مديرة الإعلام في الجامعة.

شملت الإجراءت آيضاً توسيع مجال عمل مكتب الباب التاسع بالجامعة (الذي يحظر التمييز على أساس الجنس في جميع الأنشطة) وكان يستخدم لتلقي الشكاوى من الطلاب ليشمل تأسيس مكتب جديد باسم التكافؤ المؤسسي يتبع مباشرة لمكتب رئيس الجامعة ويعمل على تلقي الشكاوى من جميع أعضاء مجتمع الجامعة من الطلاب والموظفين وأعضاء هيئة التدريس، أيضاً بحسب سعد.

كما اتبعت الجامعة كذلك نظاماً للإبلاغ عن حوادث التحرش عبر الإنترنت يحافظ على  سرية الشاكي، وأطلقت صفحة على الفيسبوك (Speak Up ) تقدم نصائح للاتي يتعرضن لحوادث عنف جسدي، وتستعرض الوسائل اللازمة لتقديم شكاوي.

غياب القانون

لا يتضمن قانون تنظيم الجامعات المصرية أو لائحته التنفيذية، رقم 49 لسنة 1972، لفظ “التحرش” كمخالفة تشملها عقوبة مُحددة. لكن المجلس الأعلى للجامعات قضى في عام 2017 بوجوب إنشاء وحدة لمكافحة التحرش والعنف ضد المرأة في كل الجامعات، إلا أن هذه الوحدات لا تبدو مجدية. ففي السنوات الأخيرة، ارتفعت جامعات مصرية عدداً من حوادث التحرش الجنسي، بحق طالبات وأساتذة جامعات أو إداريات، انتهت مصائرها  بالتحقيق الإداري  بناءً على مخالفة “الإخلال بالواجبات الوظيفية والخروج على مقتضياتها” بالنسبة للأساتذة، وبالنسبة للطلاب تُحيل الوقائع بناءً على مخالفة “مخالفة التقاليد الجامعية”.

تؤكد آلاء خالد، طالبة بكلية آداب جامعة بنها، شرق العاصمة المصرية، أن التحرش دفع ببعض زميلاتها للتحويل لجامعات آخرى موضحة أن كشف وقائع التحرش غالباً ما ينعكس سلباً على الطالبات حيث يتم النظر إليهن كسبب للتحرش وليس كضحايا خاصة وأن آليات العقاب ليست “آمنة”.

“الأليات التي تروج لها الجامعة ليست آمنة ولا عالة، فالأساتذة يتعاملون أن سلطاتهم مُطلقة، والإدارة تدعم هذا الأمر.”

آلاء خالد
 طالبة بكلية آداب جامعة بنها

قالت “الأليات التي تروج لها الجامعة ليست آمنة ولا عالة، فالأساتذة يتعاملون أن سلطاتهم مُطلقة، والإدارة تدعم هذا الأمر.”

غياب الأدلة عن معظم قضايا التحرش، يحول الفتاة الشاكية من ضحية لمدانة عليها الاعتذار عن شكواها، بحسب خالد، التي توضح أن الأستاذ الجامعي أو الطالب طالما مُدرك أنه مستثنى من العقاب؛ سيستمر في فعلته سواء كان تحرشاً جسدياً أو لفظياً.   (اقرأ التقرير ذو الصلة: التحرش الجنسي بالجامعات.. صمت وإنكار وخوف من الفضيحة).

تتفق  نجلاء دياب، أستاذة بكلية التربية جامعة الزقازيق مع ماطرحته الطالبة السابقة من غياب للقوانين المشددة وآليات فعالة للشكاوي من جانب اللاتي يتعرضن للتحرش بكافة أشكاله وفي الأغلب يكون “لفظياً” في الجامعات الحكومية، وتؤكد أن السبيل لمواجهة هذه الأزمة ينبغي أن يكون من خلال نصوص قانونية مُلزمة، وشرح الخطوط الفاصلة بين سلطات الأستاذ الجامعي وحقوق الطالب، مع حماية سمعة المجني عليهم، من خلال عدم الكشف عن شخصياتهم في الجرائم.

أعراف اجتماعية ضاغطة

تعتقد دياب أن آثار التحرش يتضاعف آثارها على الطالبة في الجامعات الحكومية عن الخاصة مؤكدة أن أن طمأنة الناجيات اللاتي قابلتهن هو الأصعب. كما يختلف الوضع بين محافظة وأخرى. ففي جامعات صعيد مصر يغلب السلوك المحافظ على العلاقات الاجتماعية بين الجنسين في الجامعات التي تتبنى سياسات فصل بين الجنسين بصورة غير رسمية.

قال عبدالمجيد أبو العلا، الطالب بكلية اقتصاد وعلوم سياسية بجامعة بني سويف بصعيد مصر، “الفصل بين الذكور والإناث بطرق مختلفة داخل الجامعة مثل تقسيم المدرجات بين الجنسين هي طريقة متوافق عليها وتتبعها إدارة الجامعة للحماية من حدوث أي شكل من أشكال التحرش.”

لكن ذلك لا يمنع وقوع حوداث تحرش تماماً.

قال أبو العلا “رغم هذه السياسة؛ هناك حوادث تحرش لفظي. لابد من وجود أنشطة توعوية وسياسات معلنة تشجع الطالبات على تقديم شكاوى.”

بدورها، تعتقد غزالة، من الجامعة الأميركية في القاهرة، أن الحل الحقيقي ينبغي أن يأتي من المجتمع ككل، لأنها قضية مجتمعية في الأساس وليست قضية مرتبط حدوثها بالجامعة فقط.

قالت “طالما استمر الآباء في تقبل سلوكيات أبنائهن والدفاع عنها وإلقاء اللوم على الفتيات، فإن السياسات الجامعية وحدها لن تفيد.” لكنها عادت وأكدت أن على المؤسسات التعليمية عدم التهاون مع أي حالات تقع ضمن حرمها الجامعي. قالت “يتوجب فرض عقوبات محددة وواضحة لردع المتحرشين على القيام بأي سلوكيات داخل الجامعات على الأقل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى