مقالات رأي

تزايد أهمية علم الأنثروبولوجيا في مواجهة الأزمات الصحية

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

يعتبر دور العلوم الاجتماعية في الاستجابة للأزمات الصحية أمرًا مؤكدًا، بالنظر إلى المدى الذي يحدد فيه السلوك البشري كيفية انتشار الأمراض المعدية.

تسبب انتشار فاشية الإيبولا في غرب أفريقيا بين عامي 2014 و2016 في زيادة أهمية دور علماء الأنثروبولوجيا في مساعدة السلطات الطبية في النظر في الخصائص الثقافية والاجتماعية المحلية في استجابتها لتفشي الفيروس. كما قدم ذلك الوباء وجهات نظر جديدة حول أصل المواقف الاجتماعية والفردية أثناء الأوبئة وكيفية مساعدة الأسر المفجوعة.

اليوم، وبينما يواجه العالم أزمة صحية عالمية أخرى، يقول تشارلز إل. بريغز، رئيس جمعية الأنثروبولوجيا الطبية، إن بإمكان علماء الأنثروبولوجيا مساعدتنا في تفكيك وجهات نظرنا حول الفئات الاجتماعية الراسخة والتفكير بعمق أكثر في الأمور التي نعتبرها من المُسلّمات.

ساهم بريغز، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي، في تأليف الكتب والأبحاث حول الأوبئة. يستكشف عمله العلاقات بين الأجسام والفيروسات والبكتيريا، والروايات المتعلقة بالأمراض المعدية التي تنتشر عبر وسائل الإعلام وتشكل وجهات النظر العامة.

تحدث بريغز إلى الفنار للإعلام في مكالمة فيديو عن دور علماء الأنثروبولوجيا في دراسة انتشار الأمراض المعدية وكيفية تغيّر مثل هذه البحوث. تم تحرير المقابلة بهدف الاختصار والوضوح. 

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه علماء الأنثروبولوجيا في أزمة صحية عامة مثل تلك التي نواجهها الآن مع كوفيد-19؟

في كل وقت، يُقال لنا أن هذا الوباء غير مسبوق، مما يعني أنه ليس لدينا إطار لفهمه.

كل وباء فريد من نوعه، ولكن بإمكان علماء الأنثروبولوجيا أن يشيروا إلى أوجه التشابه مع مصادر الأوبئة الأخرى وبالتالي اقتراح ما يجعلها تمتلك أشكالها الخاصة ونتائجها الخاصة، لتزويدنا بأساس لفهم ما يحدث.

ويتمثل الدور الثاني في أن تكون قادرًا على دفع الناس خارج إطار “الآن، نحن نواجه كوفيد-19″، حتى تكون قادرًا على فهم العوامل الأساسية التي ساعدت في تشكيل الوضع الحالي.

ليس من قبيل الصدفة أبدًا أن يكون لديك الآن في الولايات المتحدة احتجاجات ضخمة ضد عنف الشرطة الذي يستهدف الأميركيين الأفارقة بشكل خاص وأن يقتل وباء كوفيد-19 الأميركيين السود بشكل كبير أكثر من غيرهم.

من المهم جدا أن نسأل عن ماهية العوامل الأساسية للعرق والعنصرية والتوزيع غير المتكافئ للموارد في الولايات المتحدة التي تحدّد من سيعيش ومن سيموت.

بخلاف ذلك، يميل الناس إلى تسويغ آثار الوباء على أنه يعتمد على الخصائص الثقافية أو البيولوجية المحددة لسكان معينين وتحميل ذلك المسؤولية عن المعدّلات التفاضلية للعدوى والموت عوضًا عن السؤال عن خصائص المجتمع التي تجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالعدوى وأكثر عرضة للموت.

لماذا تميل المجتمعات إلى التفكير في مثل هذه الأحداث على أنها غير مسبوقة على الرغم من أنها مرت بأوضاع مماثلة من قبل؟

تميل الأزمة لأن تظهر كفترة زمنية معينة وتبدو غير ذات صلة بما جرى قبلها وما سوف يحدث بعد ذلك بمجرد أن تعود الأمور إلى طبيعتها.

“يميل الناس إلى تسويغ آثار الوباء على أنه يعتمد على الخصائص الثقافية أو البيولوجية المحددة لسكان معينين وتحميل ذلك المسؤولية عن المعدّلات التفاضلية للعدوى والموت عوضًا عن السؤال عن خصائص المجتمع التي تجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالعدوى وأكثر عرضة للموت.”

لكن، إذا نظرت للأمر بمصطلحات أنثروبولوجية أو وبائية أعمق، فستجد أن ما حدث من قبل وما سيحدث بعد ذلك ليست أمورًا طبيعية ذاتها. ليس من الطبيعي أن يموت عدد أكبر بكثير من النساء الأميركيات من أصل أفريقي بسبب مضاعفات الولادة، أو أن تكون وفيات الرضع بين الأميركيين من أصل أفريقي أكبر بكثير، وأن يواجه السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم أسوأ الظروف الصحية.

لنفكّر في شعب نافاجو، التي يتعرض لأعلى نسبة من الإصابات للفرد في الولايات المتحدة. إنه ليس بالأمر غير المسبوق. هذا بالتحديد سمة من سمات الأشياء الصغيرة مثل الحصول على مياه الشرب.

يصعُب تفويت الفرق في معدلات الإصابة والوفاة بين مختلف الفئات العرقية والاجتماعية. هل يمكن أن يقود الإقرار بمثل هذا الأمر إلى حدوث تغييرات كبيرة؟

لسوء الحظ، فإن من بين أكثر نتائج الأوبئة المألوفة تعميق الفوارق التي أنتجتها. وهذا ما يحدث في الولايات المتحدة مع كوفيد-19.

لا تتوزّع آثار تدابير التخفيف بشكل عشوائي. نحتاج أن نسأل من الذي سيفقد عمله أو يصبح عاطلاً عن العمل لسنوات؟ من سيعاني من نقص حاد في الغذاء في المستقبل؟ هذا هو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للمجتمع، الذي يعاني الآن أيضًا من هذه الحركة الهائلة المستمرة منذ فترة طويلة. فجأة، جعل مقتل جورج فلويد تلك الحركة مرئية ولا لبس فيها، لذلك بدأ الآن تأثيرها التحويلي.

إذا كان من الممكن أن يكون للوباء هذا التأثير التحويلي، فستكون هذه نتيجة مختلفة تمامًا عن النتيجة المعتادة المتمثلة ببساطة في جعل الأمور أسوأ بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أسوأها.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص

هل تتوقع أن يأتي علماء الأنثروبولوجيا بنظريات جديدة فيما يتعلق بالآراء الاجتماعية والثقافية الخاصة بالأمراض المعدية، أم أن علماء الأنثروبولوجيا أكثر اهتمامًا باختبار النظريات الموجودة مسبقًا في هذا الصدد؟

لسوء الحظ، يتمثل اتجاه العديد من الأشخاص الذين تم وصفهم بسلطات مواجهة الوباء في اتباع الطرق الراسخة في التفكير وإعادة إنتاجها وإعادة استخدامها وتطبيقها على وباء معين.

ومع ذلك، فإن طرق التفكير المنطقية تلك هي التي ساعدت على جعل الأوبئة على ما هي عليه في المقام الأول.

لا أقصد أن طرق التفكير هذه تصنع مسببات الأمراض، لكن طرق التفكير في انعدام المساواة العرقية والإثنية، وطرق بناء أنظمة الرعاية الصحية والوظائف – كل هذا النوع من الأشياء التي تعطي هذا الوباء بعينه معالمه. إذا كانت طرق التفكير الراسخة هذه جزءًا من المشكلة، فهذا يعني أنك لا تسعى إلا لإعادة تدويرها مع كل وباء.

“يجب أن يتحدى الوباء علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الصحة العامة والمؤرخين والصحافيين وجميعنا لتطوير طرق جديدة للتفكير في الأمراض والأوبئة والناس والأنظمة الصحية.”

يجب أن يتحدى الوباء علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الصحة العامة والمؤرخين والصحافيين وجميعنا لتطوير طرق جديدة للتفكير في الأمراض والأوبئة والناس والأنظمة الصحية.

لذلك، يجب أن ننتهز هذه الفرصة كوسيلة لإسقاط طرق التفكير الراسخة. هذا هو ما يجب أن يكون غير مسبوقًا، لتغيير الطريقة التي ننظّر فيها إلى الأوبئة ونراها من خلالها، بدلاً من مجرد استخدام ذات النظريات القديمة والقصص القديمة نفسها.

هل أثرت الطبيعة الدولية لهذا الوباء على المواقف الاجتماعية والثقافية المتعلقة بكوفيد-19؟

في هذه الأيام، كل وباء عالمي. حتى إذا لم ينتقل العامل المسبب للمرض إلى ما وراء حدود معينة، فإن القصة حوله سوف تنتقل عبر تلك الحدود. أريد أن أؤكد أن لهذه الروايات آثارها الحادة على الطريقة التي ينظر بها الناس إلى أنفسهم، والآخرين، والرعاية الصحية، والقرارات التي يتم اتخاذها بشأن الرعاية الصحية.

لذلك لا أعتقد أن الطبيعة العالمية لهذا الوباء مختلفة بأي شكلٍ من الأشكال. لكنني أعتقد أننا نريد أن ننظر إلى ماهية السمات المحددة لهذه المواقف الاجتماعية والثقافية المتعلقة بكوفيد-19. سيكون من المدهش رؤية كيفية تشكل هذه المواقف من ناحية الحجم وإسقاط كونها ظاهرة عالمية وظاهرة وطنية وظاهرة دولة وظاهرة محلية.

عندما تنتهي الجائحة، كيف يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا الاستعداد لمواجهة العواقب الاجتماعية والثقافية المستقبلية؟

أشار تقرير نشره معهد الطب في الولايات المتحدة عام 2003 تحت عنوان “العلاج غير المتكافئ” إلى أن الأميركيين من أصل أفريقي واللاتينيين – حتى بعد أخذ الوضع الاجتماعي الاقتصادي والتأمين الصحي في الاعتبار – يتلقون علاجًا طبيًا أسوأ في الولايات المتحدة. لماذا؟ لأن التفكير في المريض الجيد على أنه أبيض في العادة، يجعل الأميركي من أصل أفريقي أو اللاتيني يدخل إلى عيادة الطبيب ويُنظر إليه على أنه ليس أبيضًا وبالتالي ليس عقلانيًا، وليس قادرًا على فهم ما يقوله الطبيب، وليس من المرجح أن يأخذ الحبوب أو القيام بالتمارين، لذلك من المرجح أن يقدّم حتى الطبيب الجيد علاجًا سيئًا.

هنا نأخذ في الاعتبار تصنيفات فئوية مثل الفئات العرقية والإثنية (الأسود مقابل الأبيض) والمواقف (الطبيب مقابل المعالج مقابل المريض) على أنها عوالم منفصلة.

بإمكان علم الأنثروبولوجيا تحدي المنطق الذي يجعل هذه الفئات تبدو مستقرة وذاتية الاستقلالية ويقول: علينا أن نهاجم طرق التفكير هذه وأن نكون قادرين على فهم كيفية الابتعاد عن السكان المرؤوسين، لأن التبعية تؤدي إلى الوصم والمزيد من الحرمان من الموارد – بعبارة أخرى، المزيد من المعاناة والمزيد من الموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى