أخبار وتقارير

تباين إجراءات إعادة فتح الجامعات بعد فك حظر كوفيد-19

بعد ثلاثة أشهر من اضطرار الجامعات في جميع أنحاء المنطقة العربية إلى إغلاق أبوابها بسبب فيروس كورونا المستجد، بدأت الإدارات بإجراءات إعادة فتح الجامعات وسط إجراءات صارمة، بما في ذلك فرض إرتداء الكمامات، والتباعد الاجتماعي في الفصول الدراسية، وقياس درجات الحرارة عند المداخل.

أعادت سوريا فتح أبواب جامعاتها في 1 حزيران/ يونيو؛ وبعد أسبوع، قامت تونس بذات الشيء، وتلاهم لبنان في ذلك.

لكن المسؤولين الحكوميين والجامعيين يشددون على أن إجراءات الافتتاح تبقى مبدئية ويمكن نقضها إذا ما زاد خطر العدوى. أعادت فلسطين، على سبيل المثال، فتح جامعاتها في منتصف حزيران/ يونيو قبل أن تغلقها مرة أخرى بعد أسبوع واحد بسبب مخاوف من انتشار الفيروس في الحرم الجامعي المزدحم، بعد ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 في عدة أجزاء من الأراضي الفلسطينية.

في ليبيا، وبعد تأجيل متكرّر، كان من المقرر إعادة فتح حرم الجامعات في 27 حزيران/ يونيو. لكن في النهاية، أرجأت السلطات ذلك مرة أخرى. كما هو الأمر في السابق، يبدو أن مسؤولي التعليم العالي من الفصيلين المتحاربين في شرق البلاد وغربها ينسقون مثل هذه القرارات بشكل غير رسمي).

يقول علي الجيار، الأستاذ ورئيس قسم ضمان الجودة بكلية الهندسة بجامعة بنغازي، إن العديد من أعضاء هيئة التدريس والطلاب حريصون على العودة إلى دوراتهم. لكن، ومع وقوع البلاد في خضم حرب أهلية بطيئة، وعدم فهم كوفيد-19 بالكامل، “يخشى الجميع اتخاذ قرار”.

قياس درجة الحرارة قبل الدخول

كما هو الحال في العديد من الجامعات العربية الأخرى التي أعيد فتحها، يُطلب من الطلاب في سوريا الدخول إلى الجامعة من خلال بوابة رئيسية حيث يتم قياس درجة حرارتهم باستخدام مستشعر عن بعد.

يقول أحمد فراس حمادة، مدرّس إدارة الأعمال في الجامعة العربية الدولية وجامعة بلاد الشام الخاصتين، “في البداية كانت هناك فوضى كبيرة.”

وأضاف “كانت هناك طوابير طويلة ومرض الناس بسبب الشمس”. موضحاً أن قياس درجات الحرارة كان إجباريًا “في أول أسبوعين فقط.”

في جامعة القديس يوسف في بيروت، يتوجّب على الطلاب الذين يدخلون أي فرع من فروع المؤسسة الثمانية ترك أسمائهم ومعلومات الاتصال بهم، بحيث يمكن تتبعهم إذا ما تم اكتشاف أي تفشي لوباء كوفيد-19 في الحرم الجامعي.

بسبب الوباء، توجّب على جامعة القديس يوسف تجاهل القواعد، التي لا تسمح بالتعليم عن بعد، بهدف السماح للأساتذة بإدارة امتحانات نهاية الفصل عبر الإنترنت أو تلك التي تشترط تقديم مشروع في نهاية الفصل الدراسي بدلاً من الاختبار. ومع ذلك، لا يزال العديد من الأساتذة غير المعتادين على التعليم عبر الإنترنت يرغبون بالقيام باختبارات شخصية، والتي تُعقد الآن، كلما أمكن، في قاعات المحاضرات الكبيرة للسماح بالتمييز بين الطلاب. (اقرأ التقرير ذو الصلة: هل يطلق وباء فيروس كورونا شرارة إصلاح التعليم العالي العربي؟).

“يخشى الجميع اتخاذ قرار”

علي الجيار
 الأستاذ ورئيس قسم ضمان الجودة بكلية الهندسة بجامعة بنغازي

يبدي الكثيرون عدم رضاهم عن ذلك.

قالت كارلا إده، نائبة المدير للعلاقات الدولية، “تلقينا مئات الطعون من الطلاب. إنهم قلقون بشأن القدوم إلى الحرم الجامعي لإجراء الاختبارات النهائية.”

يجب أن تحترم الجامعة اللبنانية، المؤسسة الحكومية الوحيدة في البلاد، القواعد الرسمية ولذلك تطلب من جميع طلابها البالغ عددهم 82,000 طالب إجراء الاختبارات النهائية في الحرم الجامعي.

كما هو الحال في المؤسسات الأخرى التي أعادت فتح أبوابها، تقوم الجامعة اللبنانية بتطهير الفصول الدراسية في كثير من الأحيان. تقول هدى مقنص، أستاذة اللغويات ورئيسة مكتب الاتصالات والمعلومات، إنه بهدف إيجاد مسافة بين الطلاب، “ستجري الامتحانات في القاعات والكافيتريات وحتى في الخارج.” وكتدبير إضافي صغير، اختصرت الجامعة المدة القياسية للامتحانات النهائية من ساعتين إلى ساعة ونصف.

يتم قياس درجة حرارة الطلاب قبل دخولهم لحرم الجامعة في تونس. (الصورة: جامعة المنستير)
يتم قياس درجة حرارة الطلاب قبل دخولهم لحرم الجامعة في تونس. (الصورة: جامعة المنستير)

مسار مختلف في تونس

في لبنان، وبالإضافة إلى الامتحانات، تفتح الجامعات أبوابها فقط من أجل الفصول التي لا يمكن عقدها عبر الإنترنت، مثل الدورات المختبرية. لكن في بلدان أخرى، مثل تونس، اتخذت بعض المؤسسات مسارًا مختلفًا.

https://www.bue.edu.eg/

ألغت جامعة قرطاج، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الحكومية في تونس، الدورات المختبرية بعد أن خلُصت إلى أن العمل معًا عن قرب من شأنه أن يعرض الطلاب لخطر الإصابة بالعدوى. عوضًا عن ذلك، “يُطلب من جميع الطلاب تقديم مشروع بحث نظري فردي”، بحسب ليليا رمضان، أستاذة علم الأحياء.

تقول رمضان، التي تعاني من ضمور عضلي وتستخدم كرسي متحرك، إنها معرضة لخطر الإصابة بمضاعفات خطيرة إذا ما أصيبت بفيروس كورونا. لكن الأسابيع الأولى على عودة محاضرتها إلى الحرم الجامعي طمأنتها.

قالت “لو كان خطر الإصابة بالعدوى أكبر، لما عدتُ إلى الجامعة.”

اتخذت بعض المؤسسات التونسية خطوات إضافية. إذ تم تقسيم الأقسام الأكبر في جامعة المنستير، وهي مؤسسة حكومية تضم 20,000 طالب، إلى قسمين، مع قدوم نصف الطلاب إلى الحرم الجامعي لحضور الفصول وخوض الامتحانات في حزيران/ يونيو وحضور النصف الآخر في تمّوز/ يوليو.

بمجرد إعادة فتح المؤسسة، يقول هادي بلحاج صلاح، رئيس الجامعة، “أجرينا اختبارات سريعة لكشف [الإصابة بفيروس كورونا] لنصف طلابنا”. استهدف الاختبار طلابًا من تسع محافظات من أصل 24 محافظة تعاني من معدلات إصابة عالية بالفيروس. لم يظهر أي من الطلاب نتائج إيجابية للإصابة.

يقول بلحاج صلاح أنه مع انخفاض معدل الإصابة في تونس، بدأ الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في تقليل درجة حذرهم؛ إذ أنهم، على سبيل المثال، يرتدون الأقنعة بشكل أقل. حتى أواخر حزيران/ يونيو، سجلت تونس حوالي 1,200 حالة من الإصابة بكوفيد-19، بما في ذلك 50 حالة وفاة، مقارنة مع أكثر من 185,000 حالة إصابة و1,600 حالة وفاة في المملكة العربية السعودية، البلد العربي الأكثر تضررًا من الوباء، بحسب قاعدة بيانات تحتفظ بها جامعة جونز هوبكنز.

قال بلحاج صلاح “نحن لا نرغب في أن يتوقف الناس عن اتخاذ الاحتياطات، لكن في الواقع كل شيء طبيعي تقريبًا.” لكنه حذر من أن موجة جديدة من الإصابات تمثل خطرًا دائم.

المعارضة الطلابية

لا يبدو الطلاب واثقين مقارنة بقادة التعليم العالي؛ إذ طالب الاتحاد العام لطلبة تونس بتأجيل إعادة فتح الجامعات دون جدوى، محذرا من أن الحرم الجامعي المزدحم يشكل خطرا كبيرا. قالت وردة عتيق، الأمين العام لاتحاد الطلاب، “كانت إجراءات العودة متسارعة، ولم تكن مستعدة بما يكفي.”

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص

في موريتانيا، قبل ممثلو الطلاب على مضض إعادة فتح المؤسسات المهنية في 1 تموز/ يوليو، وجامعة نواكشوط، المؤسسة الحكومية الوحيدة في البلاد، في 1 أيلول/ سبتمبر، بعد أن قدمت السلطات خطة تتضمن إجراءات سلامة صارمة. قال مصطفى سيدي، الأمين العام للاتحاد الوطني للطلاب الموريتانيين، إن ذلك يشمل التطهير المتكرر للأماكن وتوفير الأقنعة ومعقمات اليدين.

“نحن لا نرغب في أن يتوقف الناس عن اتخاذ الاحتياطات، لكن في الواقع كل شيء طبيعي تقريبًا.”

هادي بلحاج صلاح
 رئيس جامعة المنستير

في مصر، يبدو أن العديد من الطلاب يعارضون قرار السلطات الوطنية بإجراء الامتحانات النهائية التي تم تأجيلها من الفصل الدراسي الربيعي بحضور الطلاب شخصيًا إلى الحرم الجامعي في الفترة ما بين 1 تموز/ يوليو و15 أيلول/ سبتمبر. يصر المسؤولون على عقد الامتحانات بشكل شخصي “على الرغم من وجود بدائل مثل الاختبارات الإلكترونية أو المشاريع البحثية”، بحسب محمد سمير، الطالب في السنة الرابعة من كلية القانون بجامعة أسيوط.

ركز الوباء الانتباه على حقيقة أن التعليم الإلكتروني، والامتحانات عبر الإنترنت على وجها الخصوص، غير معترف بها في معظم البلدان العربية. في عدد من البلدان، عمل قادة التعليم مع المشرعين في الأشهر القليلة الماضية لتغيير القوانين للسماح بهذه الممارسة وتنظيمها. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الامتحانات ومنع الغش: تحديات التحول نحو التعليم الإلكتروني).

الوصول إلى التعليم والفجوة الرقمية

يدعم بلحاج صلاح، من جامعة المنستير التونسية، الجهود العاجلة التي بذلها العديد من أعضاء هيئة التدريس لوضع مساقاتهم الإلكترونية أثناء الإغلاق. قال “أعتقد أننا مستعدون بشكل أفضل قليلاً إذا ما توجّب إغلاق الجامعات مرة أخرى.” وأضاف أن حوالي 15 بالمئة من طلاب المنستير لم يتمكنوا من الاستفادة من التعليم عبر الإنترنت أثناء الإغلاق بسبب عدم كفاية الاتصال بالإنترنت أو عدم إمتلاك أجهزة الكمبيوتر الشخصية.

قدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بعض الدعم المالي لمساعدة الطلاب الأكثر فقرًا على دفع تكاليف تأمين الاتصال بالإنترنت عالي السرعة، “ولكن هناك مشكلة حقيقية في مسألة المساواة في هذا المجال”، على حد قوله.

“استخدام الكمامة لا يحمي من الفيروس. لذلك قررنا عدم السماح للطلاب بارتداء كمامات أو قفازات خلال الامتحان.”

عماد العزب  
وزير التربية السوري

في هذه الأثناء، وحيثما أعيد فتح الجامعات أخيرًا، يواجه أعضاء هيئة التدريس في العديد من البلدان مشكلة التدريس لتعويض أسابيع من الدروس الفائتة بطريقة أو بأخرى في فترة أقصر بكثير، بهدف إتاحة الوقت لبدء الفصل الدراسي الخريف، حتى مع وضع خطط لتأخير شهر أو شهرين الآن في بلدان مختلفة.

لم تكن هذه المسألة مشكلة في البلدان الأكثر ثراءًا، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، حيث يتمكن جميع الطلاب تقريبًا من الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة وكانوا قادرين على إكمال الفصل الدراسي الربيعي عبر الإنترنت.

https://www.bue.edu.eg/

قال حمادة، أستاذ إدارة الأعمال السوري، “التحدي يكمن في تكثيف المناهج.”

حظر إرتداء الكمامات خلال الامتحانات

في سوريا، يتوقع أعضاء هيئة التدريس قريبًا صدور قرار من سلطات التعليم العالي يحظر ارتداء الأقنعة أثناء الامتحانات الجامعية لمنع الغش. وقد أعلن عن سياسة مماثلة مؤخرًا لامتحانات التخرج من الثانويات.

قال عماد العزب، وزير التربية في مؤتمر صحفي يوم 16 حزيران/ يونيو، إن هذا القرار اتخذ بعد مشاورات مع منظمة الصحة العالمية “استخدام الكمامة لا يحمي من الفيروس. لذلك قررنا عدم السماح للطلاب بارتداء كمامات أو قفازات خلال الامتحان.”

وفي الوقت ذاته، تحاول بعض الجامعات نقل جزء من تدريسها عبر الإنترنت لتقليل عدد الطلاب في الجامعات مقارنة بالوضع السابق. عملت الأقسام في جامعة دمشق، أكبر مؤسسة حكومية في سوريا، على تحسين مواقعها الإلكترونية أثناء الإغلاق، ونشر المواد الدراسية على الإنترنت. كما ينشر بعض أعضاء هيئة التدريس الآن تسجيلات لمحاضراتهم.

قال طلال الشهابي، أستاذ الهندسة المدنية في جامعة دمشق، “تم إخبار الطلاب أن الموارد متاحة على الإنترنت، وهو ما لم يكن عليه الحال قبل تفشي الوباء. إذا كنت تعتقد أنك لست بحاجة إلى الحضور إلى الفصل، فلا تفعل ذلك.”

وأضاف إنه بعد شهر من إعادة افتتاح الحرم الجامعي، “غالبًا ما يحافظ الناس على مسافة دنيا تفصلهم عى بعضهم البعض، ويعانق الرجال بعضهم بشكل أقل ويقللوا من تحيات الأيدي فيما بينهم. يمكن ملاحظة المزيد من غسل الأيادي ويحمل معظم الطلاب معقم اليدين.” في الوقت ذاته، لم يعد معظم الطلاب يحترمون شرط ارتداء الكمامة بمجرد مرورهم على بوابة حراسة الدخول ومع تواجدهم في الحرم الجامعي.

تعتبر ابنة الشهابي، الطالبة في جامعة دمشق، واحدة من العديد من العائدين إلى الحرم الجامعي. قال “كانت قلقة بشأن المخاطر الصحية، وكنتُ قلقًا أيضًا وكذلك حال العديد من العائلات. لكن الحياة يجب أن تستمر. لا يمكنك البقاء في المنزل إلى الأبد.”

ساهم طارق عبد الجليل في إعداد هذا التقرير.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى