مقالات رأي

دعوة لاغتنام الفرص المتعددة التي يقدمها التعليم عن بعد

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

لم يكترث أحدُنا يوماً بأنّ الحياة عبارة عن متغيرات، فلا ثابتَ فيها إلّا ذاتنا، وحتى ذاتنا، فهي مُتجددة، سواء علمنا ذلك أو لم نعلم. فتَتجدّد كُلما كبرِنا، وتَتطوّر بحسبِ إمكاناتنا، لتجرُبَةِ كُل ماهو غير مألوف، فنغامرُ بفضولِ المعرفة، ونُصبِحُ خُبراءَ دون أن نشعر، فالمُحاولةُ وحدها كافيةٌ لتكوين رأي.

بَدأتِ الحرب في سورية دونَ إذنٍ مِنّا، كانَ خَوفنا الأول هو التغيير،وبقينا ننتظرُ عَودةَ المعروفِ فَضلاً عن أخذ أي خطوةٍ نحوَ المجهول،إلى أن فقدنا الأمل بشكلٍ نهائيّ،خسرنا تعليمنا، فتراجعت معرفتنا مُقارنةً بأقراننا في الدول المجاورة.

ثم جاءت أزمة فيروس كورونا المستجد، التي أثّرت مجدداً على مسيرة التعليم. لكن الفارقَ الوحيد كانَ أنَّالفيروس ضربَ العالمَ أجمع، وشلّ،إلى جانب العمليّة التعليميّة، قِطاعات أُخرى، فأُقفِلت مدنٌ بأكملها،لم يعد الإنتاج كما سبق وعهدناه، توقّفت الصّناعة والتجارة، السّياحة ونقل البضائع، وشهدنا تغييراً لا مثيل له على كافة الأصعدة. لكنَّ التّحرك السريع لمواجهته كان فرصةً لإحداثِ تغييراتٍ كبيرة، على رأسها تبني التعليم عبر الإنترنت، كحلٍّ بديلٍ لضمانِ استمرارِ تعليم ملايين الطّلاب في المنطقة.

بالطبع، تقبُّل التغيير ليس بالأمر الهيّن أو المُمكن، وأيضاً ليس بهذه الصورة السريعة.

فعلى الرّغم من أنّ التعليم عن بُعد أتاح فرصة التعليم لجميع الطّلاب على حدٍّ سواء، إلّا أنّ صدى الرفض له والتقليل من كفاءته كان كبيراً جداً. شخصياً، أقول لو كان التعليمَ عن بُعد مُتاحاً منذ عشرِ سنوات، لمَا اضطررتُ الى مغادرة بلدي بعد خمس سنين من الإنتظار بحثاًعن فُرصةٍ لإكمالِ تحصيلي العلميّ، وخمس سنين أُخرى لأبدأَ حياتي العمليّة من جديد. أمّا الآن فباتت هذه الفُرص متاحةً للجميع، وبشكلٍ سهلٍ وبسيط، كُل ماعليك فعله هو تحديدُ ما الّذي تبحث عنه، سواء عن طريق مُحرك البحث جوجل، أو عن طريق عِدّة مِنصّاتٍ متخصّصة أُخرى، لتَجِدَ العديد من الخياراتِ ومن أفضلِ وأرقى جامعاتِ دول العالم.

من فوائد هذه الفرصة، أنّك لستَ مُضطراً لخوضِ رحلةِ القبول، تَحَمُّلِ تكاليفِ السفر والإقامة، التعّرف على مجتمعٍ جديدٍ كُليّاٍ، التأقلم، الإلتزام بمكانٍ محدّد، وغيرها من التحدّيات التي واجهتها أنا شخصيّاً عندما غادرتُ مدينتي حلب.

https://www.bue.edu.eg/

من المؤكّد أنَّ التعليمَ عن بُعد مازال بحاجةٍ للتطوير. ولا أعتقد أنّه تجوز هنا مقارنته مع التعليم التقليدي، فهما مختلفان تماماً وإن كان الهدف واحد، إنّ التعليم عن بُعد ليس أفضل من التعليم التقليديّ والعكس صحيح. لكلٍّ شروطه وظروفه ونتائجه.

ما نحتاجه اليوم فقط هو أولاً تقبّل التغيير الحاصل والبدء بالتكيّف معه. يتطلب هذا بعضاً من المساعدةِ الإضافيّة مثل تشكيل مجموعاتٍمُحدّدة مع عددٍ من المدرّسين وموّجهين لمتابعة الطلاب والردّ على استفساراتهم ومساعدتهم لتخطي أزمة التغيير هذه. كما أنّ ذلك يساعد على استمرار التواصلِ الإنسانيّ الذي نحتاجه اليوم.

يفتح التعليم عن بُعد أبواب التطّور الوظيفيّ بصورة مختلفة أيضاً.

على الصعيد الشّخصي، وبحكم عملي كمتطوّعة في قسم التّواصل ومِنصّاتِ التّواصل الإجتماعيّ، وشغفي في تطوير العلاقات كمتحدّثٍ رسميٍّ باسم إحدى المُنّظماتِ التي تدعم وتمكّن فئة الشباب في المجتمعات، خُضتُ تجربة العمل على الإنترنت مع العديد من المِنصّات، والذي شكل فرصةً كبيرةً لي، خاصّةً وأنّ العثورَ على عملٍ بالنّسبةِ لحملةِ الجنسيّة السوريّة في دول الجوار، أمرٌ شديدُ الصّعوبة، إن لم نقل مستحيل. والمُنافسة الشّديدة جدّاً في سوق العمل مع أولئك الذين كان لهم أن شبّوا بأمانٍ وضمن بيئةٍ مستقرّةٍ ومساعدةٍ لتطورّهم بشكلٍ أسرع مما نحن فيه، فما كان لي إلّا أنّ وأتنافس مع نفسي لتطويرها بما يتلاءم ومتطلّبات سوق العمل، ولأنَّ التعليم الإلكترونيّ أكثرَ مرونةٍ من حيث تحديد الإختصاص، وأيضاً الوقت، فكان لي أن اشارك هذه التجربة، فقمت بتعلّم العديد من المقررات، منها مدخل الى العمل الإنساني، ريادة الأعمال، فنون التّواصل،المراسلات الإلكترونيّة وأيضاً اللّغة الأنكليزيّة والتي شخصيّاً اعتبرها مفتاحَ أساس أي عمل.

” لو كان التعليمَ عن بُعد مُتاحاً منذ عشرِ سنوات، لمَا اضطررتُ الى مغادرة بلدي بعد خمس سنين من الإنتظار بحثاًعن فُرصةٍ لإكمالِ تحصيلي العلميّ، وخمس سنين أُخرى لأبدأَ حياتي العمليّة من جديد.”

الأمر لا يقف هنا فقط، فمِن السّهلِ مُلاحظةُ أيّ عرض طلب توظيف، يتضمّن في أولى سطوره “متعدّد المهام” أي  أنّ شهادةً واحدة لم تعد تكفي، بل عليك أن تكونَ مُلمّاً بعدةِ أمورٍ أُخرى، وهذا ما يرفع ويحفّز فرصة قبولك وحصولك على الوظيفة بنسبة أكبر من باقي المُتقدّمين.

باتَ من السهل على الجميع أن يحصل على الشهادة الجامعيّة، ولكن ليس الجميع يملك ما يكفي من المعرفة، والمعرفة تأتي من الاطّلاع، ولتُثبت أنّك على اطّلاع فأنت بحاجةٍ لدليل، وهذا ما بات يتيحه لنا التعليم عن بُعد.

نعم، لقد حظيت بفرصة التعليم على مقاعد جامعيّة تقليديّة مألوفة بالنسبة لي، لكن لنكن صادقين، فعندما تخرّجت من الجامعة اللّبنانيّة الدوليّة في بيروت، بمعدل عالٍ وشهادة في فنون التواصل لم يكن ذلك كافياً. فالتعليم وحده، وبلسان المدرّسين، لا يكفي، بل الاستمرار بالتعلّم عن طريق الانترنت، الذي بات متاحاً وسهل الاستخدام لنا، كان أساساً في فتح العديد من الأبواب المغلقة.

اليوم، الفرصة باتت أكبر، ومتاحة بسهولة لكل الرّاغبين، وبصورة مكثفة لم نعهدها قبل. لذلك، أدعوكم لاقتناصِ الفرصة ومواكبةِ هذا التوّجه العالميّ الجديد، لأنّ إنتظار عودة الأمور الى سابق عهدها، سيُعيق تقدّمنا جميعاً. علينا أن نقبل حقيقة أنّ لا شيء سيعود كما كان قبل عام 2020، فالعالم بعد كوفيد-19 ليس كما قبله، ولنا أن نختار، إمّا أن نكون جزءاً من هذا التحوّل المهم، أو أن نبقى تائهين في بحرِ الظُلمات، لا نُدركُ العالمَ ولا العالمُ يُدرِكنا.

نوّار رحموني، متطوّعة في قسم التّواصل، وعضو مجلس إدارة و نائب رئيس شبكة خريجي سبارك، أيضاً متطوعة في قسم التواصل لدى تك فيوجيز لبنان ومينتور العربيّة. أسست شركة غارنا لبيع المنتجات الحلبية الطبيعية بإضافة رونق الأعمال اليدويّة الصّديقة للبيئة. تخرّجت من الجامعة اللبنانيّة الدّوليّة بتكريم بعد حصولها على معدّل عالٍ في قسم فنون التّواصل وفي رصيدها فيلمين وثائقيين قصيرين، أصوات تحت الضغط، وعشبٌ على حجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى