أخبار وتقارير

وباء كوفيد-19 يجدد الاهتمام باحتياجات الصحة النفسية للشباب العربي

يستشعر الباحثون والمعلمون في العالم العربي مؤشرات تؤكد الحاجة إلى التركيز على دعم الشباب المعزولين الذين يتحدثون عن مستويات أعلى من القلق أثناء محاولتهم الدراسة عبر الإنترنت في ظل إجراءات طوارئ وباء كوفيد-19.

يتعامل الأكاديميون العرب مع هذه القضية من خلال سلسلة من المشاريع البحثية الجديدة التي من شأنها أن تضيف المزيد من البيانات الضرورية جدًا للمناقشة.

قالت رانيا عطا الله، المعالجة النفسية وأخصائية الصحة النفسية المقيمة في عمّان، خلال حديثها في ندوة عبر الإنترنت عُقدت يوم الاثنين حول الآثار الصحية لوباء كوفيد-19، التي نظمها فرع عمّان لمراكز كولومبيا العالمية، “ازداد الاهتمام بالصحة العقلية – ويدفع ذلك الأشخاص الذين لا يتحدثون عادةً عن هذه القضية إلى التفكير في الأمر. أعتقد أن الكثير منا يأمل أن يستمر هذا الاهتمام بعد انتهاء الوباء.”

في الواقع، بدأت إحدى الدراسات كطريقة لقياس عواقب الصحة العقلية لمأزق لبنان الاقتصادي والسياسي المستمر. يشرح إسماعيل معتوق، الباحث في مركز كليمنصو الطبي في بيروت، “في أي أزمة، هناك شعور بالقلق حيال إمكانية فقدان وظيفتك وأموالك، وغالبًا ما يرافق ذلك زيادة في الاكتئاب.”

لكن، مع تكشّف أزمة فيروس كورونا الجديد، تحوّل البحث بسرعة إلى النظر في آثار الوباء على الصحة العقلية. قام معتوق حتى الآن بمسح 225 فردًا – وهو يهدف لشمول دراسته ما لا يقل عن 400 فرد – وطرح أسئلة عبر واتساب حول ما إذا كان المشاركون يعزلون أنفسهم، وإذا كان الأمر كذلك فإلى أي درجة يقومون بالأمر، إلى جانب أسئلة أخرى لتقدير مستويات قلقهم.

يقر الباحث بأن استخدام واتساب لإجراء المسح نقطة ضعف في تصميم الدراسة، لأن ذلك يعني أن العينة ليست عشوائية. من المرجح أن يكون الشخص الذي يمتلك هاتفًا ذكيًا وخطة بيانات أكثر ثراءً من الفقراء. لكن معتوق يقول إن هذا أفضل ما يمكنه فعله، نظرًا لقواعد الإغلاق. قال “لا يمكننا الذهاب ولقاء الناس هذه الأيام.”

تعد هذه الدراسة من أولى الدراسات التي نظرت في القضية على وجه التحديد في المنطقة العربية، ويأمل معتوق في أن يبني باحثون آخرون على نتائجها.

أظهرت دراسات مماثلة في إثيوبيا والصين وكندا أجريت على كل من السكان المحليين والعاملين في مجال الرعاية الصحية وجود مشاكل صحية عقلية متزايدة. كما وجِد أن النساء في خطر كبير على وجه الخصوص. في كندا، استهلك 20 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 سنة كميات أكثر من الكحول أثناء الوباء، وفقًا للإحصاءات الوطنية. في الولايات المتحدة، وجد مسح شمل 2,086 طالب جامعي خلال شهر نيسان/ أبريل أن 80 بالماة منهم قالوا إن الوباء أثر سلبًا على صحتهم العقلية. (نشرت منظمة الصحة العالمية دليلاً بعنوان المهارات النفسية الاجتماعية الأساسية: دليل للمستجيبين لوباء كوفيد-19).

يقول معتوق إن دراسته في لبنان تعطي “فكرة عامة عن نطاق الأشياء وما إذا كان السكان يظهرون علامات أو أعراض جديدة لمشاكل الصحة العقلية بسبب كوفيد-19 أو لا.”

يقول هادي نائل، أخصائي علم النفس الإكلينيكي ومنسق الأبحاث في معهد الصحة العالمية التابع للجامعة الأميركية في بيروت، والذي لم يشارك في البحث، إن دراسات التقييم مثل تلك التي أجراها معتوق مهمة. ويضيف أن من الأفضل “البدء بإجراء تقييم للاحتياجات لفهم ماهية وكيفية ما ستستَهدفه.”

“في أي أزمة، هناك شعور بالقلق حيال إمكانية فقدان وظيفتك وأموالك، وغالبًا ما يرافق ذلك زيادة في الاكتئاب.”

إسماعيل معتوق
 الباحث في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

تعتبر هذه التقييمات أساسية لأن التصورات المسبقة التي يبدو أن افتراضها آمن في بعض الأحيان تثبت أنها غير صحيحة. على سبيل المثال، قد يكون من المعقول التفكير في كون الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية بالفعل أكثر عرضة للمعاناة أثناء عمليات إغلاق كوفيد-19، إلاّ أن الأمر ليس كذلك بالضرورة بحسب عطا الله، التي نقلت مرضاها إلى الاستشارات عبر الإنترنت بعد فرض قيود الحجر الصحي. قالت “في ظل الإغلاق، حقق بعضهم تقدمًا ملحوظًا. أنا افترض فحسب، ولكن ربما يكون ذلك لأن الإغلاق أجبرنا على النظر إلى الداخل والتفكير مليًا في عواطفنا في ظل موقف أقل تشتيتًا.”

الشباب ليسوا محصنين

أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الجامعات لاعتماد نظام تعليمي شامل عبر الإنترنت، إلاّ أن الطلاب ليسوا بمأمن من خطر زيادة مشاعر العزلة والقلق الناجم عن مثل هذه التغييرات. (اقرأ المقال ذو الصلة: تسريع التعليم الإلكتروني: دروس أزمة وباء كورونا وما بعدها).

على سبيل المثال، قامت مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم – التي تقدم منحاً دراسية للطلاب العرب من خلفيات محرومة – بسؤال 335 من طلابها عن تجربتهم منذ بدء الوباء.

قالت روان ياسمين، مديرة برنامج المنح الدراسية في مؤسسة الغرير، خلال مؤتمر عبر الإنترنت نظمته مؤخراً الفنار للإعلام ومنظمة سبارك، وهي منظمة غير حكومية تركز على وظائف الشباب في الدول الهشة، “من بين النتائج التي نريد تسليط الضوء عليها مسألة القلق المتزايد الذي أبلغ عنه العديد من المستطلعة آراؤهم. قال ثلث الطلاب الذين أجابوا على الاستطلاع إنهم قلقون أكثر مما كانوا عليه في بداية الوباء.”

عند سؤالهم عن نوع الدعم الذي قد يحتاجون إليه للتغلب على الوباء، ذكروا بشكل متكرر الحاجة للدعم النفسي الاجتماعي أو الدعم النفسي الصحي. وهذا يتفق مع نتائج استبيان آخر أجرته منظمة سبارك عندما سألت 809 طلاب في العراق والأردن ولبنان وفلسطين وتركيا عن التحديات التي يواجهونها في عملية الانتقال إلى التعليم عبر الإنترنت. بشكل عام، قال 41 في المئة إنهم بحاجة إلى دعم نفسي اجتماعي.

أوضحت ياسمين “نحن نعلم أن هؤلاء الطلاب يتعاملون مع مسألة تتجاوز مجرد الانتقال إلى الإنترنت. لقد تأثرت أسر العديد منهم بالوباء، مما يجعل من الصعب عليهم التركيز على دراساتهم.”

يدرس إيان غراي، الأستاذ المساعد في علم النفس الإكلينيكي في الجامعة اللبنانية الأميركية، أيضًا انتشار النتائج النفسية المرتبطة بالجائحة. ويقول إن للفارق الصارخ بين التفاعلات الاجتماعية المتكررة للحياة اليومية في الحرم الجامعي وعزلة العمل الكامل عبر الإنترنت تأثير. قال، “يواجه الشباب في الواقع مستويات أعلى من المشاكل مقارنة بالمسنين. أتصور أن لذلك علاقة بكون غالبية الشباب اعتادوا التواجد في الجامعة والتسكع مع الناس.”

“من بين النتائج التي نريد تسليط الضوء عليها مسألة القلق المتزايد الذي أبلغ عنه العديد من المستطلعة آراؤهم. قال ثلث الطلاب الذين أجابوا على الاستطلاع إنهم قلقون أكثر مما كانوا عليه في بداية الوباء.”

روان ياسمين
 مديرة برنامج المنح الدراسية في مؤسسة الغرير

آليات التكيّف

لا تزال دراسة معتوق قيد الإنجاز، لكنه يأمل أن تكشف النتائج التي توصل إليها أيضًا عن آليات التكيف التي يمكن أن تساعد الناس على البقاء صامدين خلال الأزمة. قال “أثبتت المجموعات الدينية ودعم الأسرة فائدتها في الدراسات قبل كوفيد-19. لكن، خلال فترة الإغلاق مُنع الناس من الذهاب إلى القداديس أو المساجد، وبذلك تم استبعاد إحدى آليات الدعم تلك. كيف سيتعامل الناس؟ لا نعرف حتى الآن، من المستحيل التنبؤ ولكننا نأمل في معرفة ذلك.”

يهم هذا السؤال غراي أيضا، حيث قال “عندما صدرت الدراسات الأولى عن أشخاص في الصين وأماكن أخرى، أظهرت النتائج أن أكثر أو أقل من 30 في المائة من الأشخاص يعانون من أعراض مرتفعة من القلق. ولكن هذا يعني أن الغالبية العظمى ليست كذلك. يمكنك أن تكون تحت الحجر الصحي ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنك تشعر بالوحدة النفسية، لذلك قررنا دراسة قدرة الناس على التعامل مع الضغوطات المضافة.”

تقدم بعض المؤسسات الأكاديمية، مثل جامعة الشيخ زايد في دبي، أنواعاً من الدعم النفسي لمساعدة الطلاب على التعامل مع الضغوط النفسية.

تقول زوي هيرلي، مساعدة العميد لشؤون الطلاب في كلية الاتصال وعلوم الإعلام في الجامعة زايد، “قدم قسم الخدمات الاستشارية في الجامعة ورش عمل للصحة النفسية عبر الإنترنت وأسست شبكات دعم في محاولات متعمدة لضمان إدماج الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المعزولين.”

في دراسة تنتظر مراجعتها من قبل علماء آخرون ونشرها، قام غراي وزملاؤه بتجميع نتائج 28 بحثًا من جميع أنحاء العالم، من بين البحوث التي أشارت إلى انتشار المشكلات النفسية منذ بداية الوباء. أظهرت النتائج أن الانتشار العام للقلق والاكتئاب كان بنسبة 28 و22 في المئة على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، أعرب 70 في المئة من الأشخاص عن مخاوفهم و68 في المئة عن شعورهم بالقلق. وتبين الدراسة في المجمل أن 34 في المئة من الناس لديهم نوع من النتائج النفسية المرتبطة بالوباء، والتي يقول غراي أن هناك إحتمالية في أن تكون أعلى مما كانت عليه في الأوقات العادية.

“أتوقع أنه بالإضافة إلى الضغوطات الإضافية التي تسببها جائحة كوفيد-19 على عامة السكان، قد يواجه أفراد مجتمع الميم ضغوطًا استثنائية أيضًا.”

هادي نائل
 أخصائي علم النفس الإكلينيكي ومنسق الأبحاث في معهد الصحة العالمية التابع للجامعة الأميركية في بيروت

قال “تتمثّل الطريقة التبسيطية للنظر في ذلك في افتراض أن العزلة وحدها تؤثر على النتيجة، ولكن بالطبع المسألة أكبر من ذلك. يتعلق الأمر بالدعم. إذا ما توفّر لك الدعم، فإنك أقل عرضة للمعاناة.”

بإمكان غراي دعم هذا التصريح ببيانات من دراسة ثانية – تنتظر النشر والمراجعة أيضًا – خضع فيها أكثر من 2,000 فرد لاستطلاع عبر الإنترنت. وبينما يبدو أن أولئك الذين يعانون من العزلة الذاتية كانوا أكثر عرضة لإظهار علامات الاكتئاب، إلاّ أن ذلك لا يمثل سوى جزء صغير من الصورة. على سبيل المثال، يبدو أن خطر زيادة مستويات الاكتئاب أقل بنسبة 63 في المئة للأشخاص الذين يحظون بمستويات عالية من الدعم الاجتماعي، وقد لوحظ نمط مماثل فيما يتعلق بمشكلة الأرق. (اقرأ التقرير ذو الصلة: المخاطر الصحية للسهر تزداد في بيروت).

مجتمع الميم أكثر عرضة لآثار كوفيد-19 النفسية

لا يتمتع كل شخص بإمكانية الوصول إلى هذه الأشكال من هياكل الدعم وهذا ما يجعلهم أكثر عرضة لخطر مواجهة مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب والقلق. قال نائل “أتوقع أنه بالإضافة إلى الضغوطات الإضافية التي تسببها جائحة كوفيد-19 على عامة السكان، قد يواجه أفراد مجتمع الميم (المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية) ضغوطًا استثنائية أيضًا. على سبيل المثال، قد يواجه الأفراد الذين يتعرضون لسوء المعاملة المنزلية بسبب هويتهم الجنسية أو الجنسانية، وهو أمر شائع جدًا هنا، المزيد من ذلك نظرًا للإغلاق.”

يتفق معتوق – الذي ركّز عمله السابق على الاحتياجات الصحية لمجتمع الميم – المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية في لبنان – مع ذلك. (اقرأ التقرير ذو الصلة: دراسة الميول الجنسية في العالم العربي: عقبات وتحديات).

قال “ليست لدي أي بيانات، ولكن من الناحية النوعية، يمكنني القول أن مجتمع الميم يمكن أن يكون مختلفًا من حيث آليات التكيف. غالبًا ما يغيب عنهم الدعم الديني ودعم الأسرة إذا ما رفضت كونهم من المثليين.”

مع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد، ويتمثل في أنه كلما زاد عدد البيانات والأبحاث التي يتم إنتاجها حول هذا الموضوع، سيكون المجتمع في وضع أفضل للتعامل مع المشكلة ذات العواقب بعيدة المدى.

قالت عطاالله “نحن كائنات اجتماعية والتواصل مهم بالنسبة لنا. يمكن أن يكون للإغلاق والعزلة تأثيره علينا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى