مقالات رأي

كيف يمكننا تطوير تجربة التعليم الإلكتروني؟

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

سيطر السؤال المتعلق بمستقبل التعليم العالي على عقول قادة الكليات والجامعات في جميع أنحاء العالم. وقد ناقشت المحادثات الفروق الدقيقة المختلفة بشأن ذلك، من التحذير من النهاية الوشيكة للنماذج الحالية لمؤسسات التعليم العالي إلى الدعوات المتطرفة في ضرورة استمرار التعليم الافتراضي وظهور تقنيات وأساليب التربية المكيفة. ومع ذلك، هناك اتفاق بالإجماع على أن التغيير أمر لا مفرّ منه في عالم ما بعد الاضطرابات الناجمة عن كوفيد-19.

عندما نتوقف لبرهة ونتأمل ما حصل، سنجد أنّ من المدهش أننا قضينا 10 أسابيع من تقديم عروضنا الأكاديمية عبر الإنترنت. في جامعة حمد بن خليفة، وكما هو الحال في العديد من المؤسسات حول العالم، أُجري هذا التحول حرفيا بين عشية وضحاها. إذ أكمل طلابنا، الذين كافحوا مع الواقع الجديد ونضالاتهم الشخصية، عامهم الدراسي؛ حيث أكمل حوالي 130 طالبًا أطروحاتهم وقاموا بمناقشتها. فيما ضمن أعضاء هيئة التدريس والهيئة الداعمة لهم، التي تكيفت بسرعة مع مفهوم العمل عن بعد، تقديم أكثر من 120 دورة تقريبًا. لقد فعلنا ما كان يتوجّب علينا القيام به في ظل ظروف استثنائية وفي ظل قيود زمنية كبيرة.

ومع ذلك، تعتبر هذه الحلول مجرد إسعافات أولية تحتاج إلى إعادة صياغة أكبر لمستقبل التعليم العالي. حيث أدّت تلك الإجراءات غرضها العاجل ولكن أصول التربية الخاصة بنا الآن بحاجة إلى عناية تماثل رعاية غرف العمليات الجراحية. كما هو حال العديد من الحلول المعاصرة، يحتاج نظامنا التعليمي إلى إعادة تصور بطريقة متسلسلة على مراحل. ما زلنا نعمل في إطار بروتوكول الطوارئ، ولكن هذه الفترة من التعلم عن بعد كانت الدافع المثالي للسعي وراء ما قمنا بإيقافه في وقت سابق. لقد حان الوقت لتكون جريئًا ومبدعًا ومجازفًا. يتوجب علينا الآن إعادة اختراع نظام تسليم تعليمي كامل لموسم الخريف، إذ أننا من الناحية الواقعية قد نضطر إلى إبقاء التدريس عبر الإنترنت أو في شكل مختلط؛ ثم إعادة تصور ذلك مرة أخرى لعالم ما بعد كوفيد-19 عندما يتم إعادة تنشيط حرم الجامعات.

سلطت الأسابيع القليلة الماضية الضوء على مزايا كبيرة للتدريس الافتراضي. بصفتها جامعة خاصة بالدراسات العليا في المقام الأول، فإن نسبة كبيرة من طلاب جامعة حمد بن خليفة يمتلكون بالفعل وظائف حالية ويعملون في شركات ولديهم التزامات عائلية وغيرها من أمور تستغرق وقتهم. بإمكان عنصر المرونة الذي يمتاز به التعلم الافتراضي أن يعزز جودة حياتهم بشكل كبير. إذ تدعم جلسات الفصول الدراسية المسجلة أساليب التعلم المختلفة التي تعتمد على التعليم الذاتي. ويمكن لغرف الدردشة والغرف المنفصلة التي لا وجود مادي لها أن تشجع الشخصيات الأكثر تحفظًا على المشاركة بنشاط أكبر، والقائمة تطول.

ومع ذلك، وبسبب هذا الانتقال الفوري إلى العالم الافتراضي، فقد أدركنا أيضًا عاملين رئيسيين يجب أن نحرص على عدم تقويضهما عند إعادة صياغة مستقبل جامعة حمد بن خليفة: قوة الاتصال البشري وفخرنا بتراثنا المحلي. تربطنا هذه العوامل الرئيسية بجامعاتنا وتشجّعنا على إعادة تقييم الكيفية التي يمكن بها تعزيز مبانينا المادية لدعم نظام التعلم الديناميكي والهجين في عالم ما بعد الوباء.

ستتَطلب محفظتنا الأكاديمية تحولًا مخصصًا بشكل مناسب؛ على سبيل المثال، بالإضافة إلى الالتزام الصارم ببروتوكولات السلامة، ستشهد تخصصاتنا المعملية عناصر جداول المختبر المُعاد تنظيمها، ومجموعات المختبر المعاد تصميمها، وبرامج جمع البيانات، وبرامج المحاكاة، ومجموعة من التقنيات لتحسين التعلم “المُختبري” الافتراضي.

في المرحلة التالية، سوف نعمل بنشاط على إعادة تصميم مناهجنا الدراسية بالكامل لدَمج مكونات تقديم التعليم افتراضيًا. يمكن أن يُترجم هذا إلى أكثر من مجرد خليط من المحاضرات المسجلة وشرائح العرض. لقد واجهنا تحديًا قويًا في دمج العناصر التي تلبي جميع حقوق طلابنا: المحتوى عالي الجودة، وفرص المناقشة والمشاركة، وعناصر التقدّم الذاتي، والآفاق الاختيارية للتعمق في الموضوعات ذات الاهتمام، والميزات التكنولوجية الجديدة، وآليات بناء العلاقات الشخصية.

علاوة على ذلك، يجب علينا أيضًا بناء القدرات لتمكين إقامة علاقات هادفة بين الطلاب والأساتذة والموجهين. ستتَطلب محفظتنا الأكاديمية تحولًا مخصصًا بشكل مناسب؛ على سبيل المثال، بالإضافة إلى الالتزام الصارم ببروتوكولات السلامة، ستشهد تخصصاتنا المعملية عناصر جداول المختبر المُعاد تنظيمها، ومجموعات المختبر المعاد تصميمها، وبرامج جمع البيانات، وبرامج المحاكاة، ومجموعة من التقنيات لتحسين التعلم “المُختبري” الافتراضي.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

في مرحلة لاحقة، سيتم إعادة تنشيط حرم جامعاتنا وستشهد بيئتنا المادية مرة أخرى تفاعلًا بشريًا. ستمتلئ الفصول الدراسية التقليدية مرة أخرى، ولكن مناهجنا لن تكون متشابهة. نحن نسعى جاهدين من أجل مزيج نابض بالحياة من المرونة الافتراضية والتجارب الشخصية، مع دمج فاعل لمرونة التعليم الافتراضي مع القوة العضوية للتواصل البشري.

في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، التي تنتمي إليها جامعتي، هناك فخر متأصل ببيئتنا المادية والتراث المحلي الذي ينعكس في كل جانب من جوانب فنها وهندستها وثقافتها المشتركة. وستظل هذه أيضًا عنصرًا من عناصر تجربة الحرم الجامعي، ولكن البنية التحتية المجهزة تجهيزًا عاليًا ستشهد قدرات تكنولوجية أكبر لدعم المزيد من العناصر الافتراضية.

لن يتشكّل مستقبل التعليم من ثورة شاملة تحدث دفعة واحدة. بينما لا نزال نواجه الأزمة المستمرة وانبعاثاتها المحتملة، واحتمالية مواجهة عالم أكثر انتعاشًا، ستستمر أشكالنا التربوية في إعادة التشكّل من خلال الابتكارات الناشئة، والأمن الرقمي المحكم، والواقع الافتراضي، والذكاء الاصطناعي، والأدب الناشئ، والمراقبة الدؤوبة للجودة. بينما نركب نموذجًا جديدًا في التعليم العالي، سيتعلق الأمر بمدى بقاء الجرأة، والحيلة، والذكاء.

وبقدر ما يتزايد ضغط الحاجة لمؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم، بما يعزّز التحولات الإيجابية التي نأمل أن تكون ضمن قدراتنا كمُربين وناشري معرفة، سيتم تحديد نجاحنا من قبل أصحاب المصلحة الأكثر أهمية لدينا، ألا وهم طلابنا. الطلاب هم الذين سيحدّدون في النهاية مدى نجاح تطورنا من خلال بناء مهارة قوية للتعلم الفعّال بدافع ذاتي.

عمادالدين شاهين، العميد المؤقت لجامعة حمد بن خليفة، وهي مؤسسة بحث مكثف في المدينة التعليمية، بقطر.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى