مقالات رأي

الأفروعراقيين: حياة السود مهمة أيضاً في العراق

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

لا يعد فوز “باراك أوباما” بالانتخابات الرئاسية الأميركية حدثاً استثنائياً في حياة الأميركيين من أصول أفريقية فقط وأيضاً لدى الكثيرين في المنطقة العربية كالأفروعراقيين، الذين اعتقدوا خطأ أنه الفرصة قد حانت لمساواتهم بباقي مواطني العراق.

بمرور الوقت، ومؤخرًا مع مقتل جورج فلويد، بدى واضحاً أن عصر التمييز ضد ذوي البشرة السمراء مازال مستمراً في الولايات المتحدة وبطبيعة الحال في المنطقة العربية.

يرفض الكثيرون في العراق الاعتراف بوجود تمييز عنصري ضد مجتمع الأفروعراقيين، لكنني أكاد أجزم من خلال تدريبي لعشرات الشابات والشبان منهم بوجود ثقافة عنصرية واضحة ضدهم. لقد استمعت لقصص التميز اليومي التي حفرت داخلهم جرحا يصعب شفاؤه، وعلى نحو يهدر طاقات كان بالإمكان استثمارها لو تم بناء قدراتهم ورفع ثقتهم بأنفسهم أفرادا وجماعة. فما تزال كلمة “عبد” تطلق على أفراد هذه الفئة، وبالرغم من رفضهم هذه التسمية وتفضيلهم تسميات أخرى مثل “الأسود” او “الأسمر”. إلا أنه لا يوجد أي تحرك فعلي لتغيير ثقافة التمييز ضدهم،  خاصة في ظل عدم رغبة الكثيرين منهم في التحدث علنا عن  التمييز الصارخ الذي يتعرضون له.

على سبيل مثال، كنت في جولة بحثية لإجراء مقابلات مع النخب الأفروعراقية في نهاية عام 2012، وكنت في طريقي لمقابلة أحد الأساتذة الجامعيين من أصول أفريقية من جامعة البصرة، تحدث معي الأستاذ بلهجة خشنة رافضاً الحديث عن موضوع يجده غير ذي فائدة، وقد يكون مدعاة للمشاكل. لذا كنت مضطرا لأخباره بطريقة اهتدائي الى مكتبه، إذ سألت أحد الطلبة عنه، فقال “تقصد الدكتور العبد!، ستجد غرفته في هذا الاتجاه.”

كان هذا الحوار المحرج مثال آخر عن استسلام الأفروعراقيين لواقع التمييز واستبطانهم للقمع الاجتماعي من حولهم.

لكن النكران لم يقتصر على مجتمع الأقلية، إذ إنه أشبه بسلطة تهيمن على المجال العام، وتنكر الحكومة المحلية أو الاتحادية، واقع هذه الفئة المنسية، فليس هناك، مثلا، مدير عام واحد من الأفروعراقيين في مؤسسات الدولة، وهناك إهمال لمطالبهم في إنهاء هذا التمييز ورفع درجة مشاركتهم الإيجابية في الحياة العامة وتحسين أحوالهم الاقتصادية، حيث أنهم يعيشون في مستويات من الفقر لا يمكن تخيلها، ويسكن غالبيتهم في عشوائيات في منطقة الزبير في البصرة، ومعظم أطفالهم محرمون من الحق في التعليم.

بالطبع، تزداد الممارسات العنصرية ضد النساء منهم. قالت مروة حسن ناشطة أفروعراقية “هناك تمييز مزدوج أواجهه أينما أذهب، فأولاً أنا إمرأة وثانياً أنا سمراء من أصول افريقية، وهذا يزيد من تعقيد حياتي ويضع عراقيل أمام طموحي”. تروي مروة مجموعة من الحوادث والمفارقات التي واجهتها خلال سنوات عملها، وكيف تتعرض للتمييز المباشر وغير المباشر، إذ كثيراً ما لا يصدق رجال الأمن على الحواجز الحدودية أنها عراقية أصلا بسبب لون بشرتها.

يرفض الكثيرون في العراق الاعتراف بوجود تمييز عنصري ضد مجتمع الأفروعراقيين، لكنني أكاد أجزم من خلال تدريبي لعشرات الشابات والشبان منهم بوجود ثقافة عنصرية واضحة ضدهم.

التهميش الاجتماعي يتبعه بدون شك تهميش سياسي، فعلى الرغم من إطلاق أول حركة تمثل العراقيين من أصول أفريقية هي (حركة العراقيين الحرة) عام 2008 بوصفها حركة سياسية معبرة عن تطلعاتهم وتدافع عن قضاياهم، وتسعى لإعادة إحياء هويتهم. إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق أي تمثيل رسمي في انتخابات المجالس المحلية. كما شكل اغتيال جلال ذياب، الناشط المدني البارز في مجال الدفاع عن حقوق الأفروعراقيين عام 2013، ضربة قاصمة لطموح هذه الأقلية المهمشة اجتماعيا، الأمر الذي ترك أثره على الناشطين الآخرين الذين كانوا يعملون مع ذياب او بشكل مستقل عنه، من الذين حاولوا نشر الوعي في صفوف هذا المجتمع المهمش.

اليوم، ومع حجم التعاطف العالمي مع مقتل جورج فلويد، أعتقد أن هناك فرصة جيدة لإعادة النظر في ممارساتنا العنصرية تجاه الأقليات العرقية في بلادنا. إذ لا يمكن أن نتعاطف مع ضحية في الخارج وننكر وجود المئات في مجتمعنا.

بالطبع لا يمكن تغيير ثقافة مجتمعية راسخة منذ آلاف السنين بسهولة أو سرعة. لكن البدء بالتغيير أمر ضروري اليوم قبل الغد. وكباحث في حقوق الإنسان، أعتقد أن البداية لابد وأن تكون مع تشريعات قانونية محلية تجرم العنصرية بكافة أشكالها وعلى رأسها العنصرية العرقية وكذلك خطابات الكراهية أينما وجدت. يلي ذلك إعادة النظر في المناهج الدراسية منذ مستوياتها المدرسية للتأكد من خلوها من أي خطاب عنصري وإن كان غير مقصود، مع إضافة الكثير من المواد التي تعزز ثقافة التنوع والمساواة وتقبل الأخر والتي من دونها لا يمكن إحراز أي تغيير حقيقي في مجتمعنا.

سعد سلوم: أستاذ العلاقات الدولية المساعد في كلية العلوم السياسية-الجامعة المستنصرية، من مؤسسي المجلس العراقي لحوار الاديان 2013، والمركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهيات في العراق 2018، ومعهد دراسات التنوع الديني 2019. له 16 مؤلفا عن شؤون التنوع في العراق والشرق الأوسط. من أبرزها التنوع الخلاق 2013 والوحدة في التنوع 2015 ونهاية التنوع في العراق 2020.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى