أخبار وتقارير

بحوث محاربة فيروس كورونا توحد مختلف القطاعات في تونس

تونس– في الوقت الذي أغلقت فيه المدارس والجامعات أبوابها ضمن إجراءات الحظر للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، تستمر بعض المؤسسات الأكاديمية في العمل بحثياً لإيجاد حلول وأدوات تدعم مواجهة الفيروس.

إذ أعلنت المدرسة الوطنية للمهندسين وكلية الطب بمحافظة سوسة، 140 كم جنوب العاصمة، عن إطلاق برنامج لتشجيع الطلاب على إجراء بحوث تتعلق بتصنيع أجهزة تنفس للمصابين بالفيروس.

قال عارف المدب، مدير المدرسة الوطنية للمهندسين، “نسعى إلى تحفيز الطلاب للمشاركة بالعلم والمعرفة مع كافة مؤسسات البلاد لمواجهة الفيروس. قاعات الدروس مغلقة لكن ذلك لا يعني إيقاف العلم والبحوث.”

حتى الآن، بلغ عدد المصابين في تونس نحو 1000 حالة بحسب بيان وزارة الصحة. بينما بلغ عدد الوفيات 43. وكحال باقي الدول، تخشى الحكومة ارتفاع أعداد الإصابات وازدياد الطلب على أجهزة التنفس الاصطناعي في المشافي الحكومية بما يفوق القدرة على توفيرها.

قال حبيب فتح الله، مستشار في ديوان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، “اليوم كل الحدود مغلقة مما يحول دون استيرادنا لما نحتاجه من تجهيزات ومعدات، وحتى وإن تم فتح الحدود فكل دولة ستفضل ترك معداتها لشعبها. لذلك نحن كوزارة نراهن على طلابنا وباحثينا باعتبارهم رأس مالنا الحقيقي لمواجهة الفيروس.” 

مشاركة واسعة

منذ إطلاق البرنامج، منتصف أذار/مارس الماضي، والذي يحمل اسم ” نعم، نحن نتنفس”، تهافت عدد كبير من الطلاب على طلب المشاركة فيه ولو من على بعد.

قالت سلمى الوردي، طالبة في السنة الثانية بكلية الهندسة في المدرسة الوطنية للمهندسين، “البرنامج فرصة عظيمة وتجربة فريدة لنا نحن الطلاب. فعلى الرغم من ظروف الحجر، إلا أننا تمكنا مع أساتذتنا من تشكيل مجموعة عمل افتراضية ونجحنا خلال عشرة أيام في تصميم نموذج ثلاثي الأبعاد للأقنعة الطبية ووضع نموذج أولي لجهاز تنفس اصطناعي.”

نسعى إلى تحفيز الطلاب للمشاركة بالعلم والمعرفة مع كافة مؤسسات البلاد لمواجهة الفيروس. قاعات الدروس مغلقة لكن ذلك لا يعني إيقاف العلم والبحوث.”

عارف المدب
 مدير المدرسة الوطنية للمهندسين

تبدي الوردي سعادتها بالمشاركة التي تعيد للبحث الجامعي دوره الذي يستحق. قالت “لم تعد أبحاثنا مجرد أوراق مرصوصة على رفوف المكتبات.”

 يعمل الطلاب تحت إشراف أساتذتهم، الذين يبدو أيضاً حماساً شديداً للعمل رغم صعوبة ذلك وسط إجراءات الحظر.

قال أحمد فريخة، أستاذ جامعي في المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس والتي انضمت لاحقاً للبرنامج، “نحاول تقسيم العمل على مجموعات للالتزام بقرار الحظر وتفادياً للإصابة، بحيث تعمل مجموعة صغيرة في المخبر مع اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة، ومجموعة أخرى تعمل من بعد ونلتقي بصورة مستمرة افتراضياً للتشاور والتباحث بتطورات العمل.”

يجري مختبر معهد باستور في تونس، أحد المختبرات التي تقوم بإجراء  اختبار كوفيد-19، أكثر من 300 اختبار في اليوم للأفراد والطواقم الطبية.(الصورة: جديدي وسيم/أسوشيتدبرس) .
يجري مختبر معهد باستور في تونس، أحد المختبرات التي تقوم بإجراء اختبار كوفيد-19، أكثر من 300 اختبار في اليوم للأفراد والطواقم الطبية.(الصورة: جديدي وسيم/أسوشيتدبرس) .

حتى الأن، تم وضع نموذج أولي يساعد المرضى على التنفس في حالة العدوى الحادة بفيروس كورونا أثناء التنقل والإسعاف. ولضمان جدوى البحث تم التواصل مع صناعيين للتأكد من إمكانية تنفيذه وأيضاً التباحث مع أطباء للتأكد من ملائمته للاحتياجات. كما يتم العمل على تصميم جهاز تنفس خاص بغرف العناية المركزة.

دفع البرنامج جامعات أخرى للانضمام  إذ أعلنت كل من كليات الطب والهندسة في محافظات المنستير وصفاقس وتونس العاصمة مشاركتهم في البحث لتصنيع أجهزة تنقذ حياة المصابين بالفيروس وتحمي الطاقم الطبي.

 تكاتف الجهود

يوجد في تونس اليوم نحو 100 مبادرة بحثية علمية تجمع نحو 1000 باحث يعملون بشكل مستمر على توفير حلول تساعد على مواجهة الفيروس، بحسب فتح الله، مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي.

قال “ترسل وزارة الصحة تقارير دورية عن احتياجات المستشفيات إلى وزارة التعليم ليتم مخاطبة الجامعات وتوجيههم للعمل بناء على هذه الاحتياجات. التحدي كبير لكن حماسة الطلاب والأساتذة أكبر.”

بدورها، أطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي  موقعًا إلكترونيًا لتمكين الباحثين من التعرف على من الاحتياجات الوطنية وتقديم مقترحات للمشاريع التي يرغبون في العمل عليها. خصصت الوزارة 2.5 مليون دينار (حوالي 860 ألف دولار) كميزانية لهذا المشروع، بحسب فتح الله.

من جهة أخرى، يبدي الصناعيون والمستثمرون اهتماماً بدعم هذه الأبحاث مالياً.

قال محمد بن حميدة، صناعي مؤسس لشركة هندسية وأحد داعمي بحوث المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس، ” أنا مرتبط بهذه الكلية لأنني تخرجت منها، لذلك عندما تواصلت معي الجامعة طلباً للمساعدة في توفير المواد الأولية لم أتردد أبداً بتلبية ذلك.”

“نحاول تقسيم العمل على مجموعات للالتزام بقرار الحظر وتفادياً للإصابة، بحيث تعمل مجموعة صغيرة في المخبر مع اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية اللازمة، ومجموعة أخرى تعمل من بعد ونلتقي بصورة مستمرة افتراضياً للتشاور والتباحث بتطورات العمل.”

أحمد فريخة
 أستاذ جامعي في المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس

تساند مؤسسة هادي بوشماوي الخيرية، والتي أسسها مجموعة مسستثمرين تونسيين، المبادرة أيضاً. وقالت في بيان إن “تبنيها المشروع هو مراهنة منها على التعليم العالي والبحث العلمي لتوفير ما يمكن من حاجيات ضرورية عاجلة للمنظومة الصحية في تونس، فالمسألة اليوم باتت موضوع أمن قومي.”

يعتقد بن حميدة أن الوباء قدم فرصة كبيرة لإعادة النظر بأهمية حشد الجهود المحلية والتنسيق بين مختلف المؤسسات الأكاديمية والحكومية والخاصة لدعم البحوث العلمية، موضحاً أن “إرادة الصناعيين متوفرة،ولكن الإرادة السياسية غائبة. لا يمكن الحديث عن تداخل وتكامل بين المؤسستين الجامعية والصناعية دون وجود رؤية وزتنسيق من جانب الدولة.”

يتمنى بن حميدة أن يستمر هذا التعاون في المستقبل وأن لايقف عند حدود فيروس كورونا.

قال  “تحتاج الجامعات إلى تطوير مجالاتها البحثية، في المقابل لأموال التي كنا ندفعها للاستيراد من الخارج يمكن توظيف جزء كبير منها في البحوث، بما يعود بالنفع علينا وعلى الاقتصاد ككل لاحقاً.”

تتوافق أمنيات الطالبة محمد مع حميدة.

قالت “هذه فرصة لرد الاعتبار للبحث العلمي، أتمنى لو يستمر ذلك مستقبلاً.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى