مقالات رأي

تسريع التعليم الإلكتروني: دروس أزمة وباء كورونا وما بعدها

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

في الأسبوع الماضي، كان من دواعي سروري أن أدير جلسة نقاش تتناول تسريع التعليم عبر الإنترنت كجزء من مؤتمر إعادة بناء المستقبل والتعليم وفرص العمل للشباب أثناء الأزمات، الذي نظمته الفنار للإعلام ومنظمة سبارك، وهي منظمة هولندية غير حكومية. بالاشتراك مع أعضاء اللجنة، الرواد في مجال التعليم الإلكتروني في الشرق الأوسط، شرعنا في مناقشة سُبل تمكين المؤسسات من ضمان الوصول لجميع الطلاب والحفاظ على تجربة تعليمية عالية الجودة عبر الإنترنت أثناء تفشي مرض كوفيد-19 وما بعده.

في الأيام الأولى من تفشي المرض، كان المؤيدون للتعليم الإلكتروني منذ أمدٍ طويل يأملون في أن الوقت قد حان لتثبت هذه الطريقة المُساء فهمها جدارتها. وبعد فترة وجيزة من التحمّس المبدئي المتزايد، كان هناك إدراك جماعي أكثر سوداوية. إذ أثارت الجهود الهادفة والمتسرّعة في الوقت ذاته لتبني التعليم الإلكتروني بين عشية وضحاها قلقًا شديدًا بشأن ردود الفعل السلبية المحتملة على التعليم عبر الإنترنت.

بالنسبة للمبتدئين، لا يتطلب إنشاء تجربة إلكترونية عالية الجودة تعاونًا فحسب، بل الكثير من الوقت والموارد، والأهم من ذلك يحتاج الأمر لتعاون متعدد الوظائف يعمل في وئام وبشكل هادف. وضع أحد المتحدثين، الأستاذ ألبَر كومتبه، من قسم التعلم عن بعد بجامعة الأناضول، الأمور في نصابها عندما قال إن التخطيط المناسب ووقت التحضير لدورة إلكترونية واحدة ذات جودة عالية يستغرق ما بين ستة وتسعة أشهر.

قالت شيرين يعقوب، الرئيسة التنفيذية لـ إدراك، وهي منصة إلكترونية تقدّم مساقات باللغة العربية، إن 700,000 متعلم جديد إنضم إلى المنصّة في الأشهر الخمسة الماضية فقط. كما تجاوزت حركة مرور المتعلمين الجدد بالفعل حركة مرورهم عام 2019. وبينما كان الطلاب أكثر استعدادًا نسبيًا للانتقال إلى الإنترنت، اتفق الجميع على أن المؤسسات وأعضاء هيئة التدريس والمحتوى الفعلي متخلف عن الركب.

كما برز قلق جدي آخر حول مسألة المساواة. قبل وباء كوفيد-19، لم يكن الملايين من الشباب قادرين على الحصول على التعليم، ناهيك عن الحصول على تعليمٍ جيد. وبالتالي، ماذا سيَحدث للانقسام الشائع عندما يتم تبني التعلم عبر الإنترنت؟ وممّا يزيد الطين بلة، أن هذا الاضطراب لن يحصل بمعزل عن الوضع الفردي والجماعي الذي يواجه الطلاب والمعلمين حاليًا. بينما نتوقع منهم أن يتعلموا المهارات الجديدة المطلوبة للتدريس والتعلم عبر الإنترنت، إلاّ أن تحديات الصحة العقلية، وتحديات نمط الحياة، وآثار المستقبل الاقتصادي غير المؤكد تلوح في الأفق.

قدّمت الحلقة النقاشية عددًا من الأفكار الثاقبة حول ما يمكن أن يفعله أصحاب المصلحة من أجل تقليل هذه التداعيات العكسية الوشيكة والبدء في إدراك فوائد التعليم الإلكتروني الجيّد عوضًا عن ذلك.

  • التفكير في الوضع الحالي باعتباره “وضع تدريس عن بعد في حالات الطوارئ” واعتماد نهج مرحلي جيد التواصل للمضي قدمًا.

بالنسبة للمبتدئين، لا يتطلب إنشاء تجربة إلكترونية عالية الجودة تعاونًا فحسب، بل الكثير من الوقت والموارد، والأهم من ذلك يحتاج الأمر لتعاون متعدد الوظائف يعمل في وئام وبشكل هادف.

وضّح تعليق الأستاذ كومتبه المسألة قائلا “ليس هذا تعليمًا عن بعد، بل تعليم عن بعد في حالات الطوارئ.” وأكد أنه بمجرد أن تمر الأزمة الحالية، ستكون المؤسسات بحاجة إلى تقييم ممارساتها واستخلاص الدروس المستفادة. إنهم بحاجة إلى البدء من جديد من خلال الاستعداد الهادف وتقييم الاحتياجات الذي تأخذ في الاعتبار القدرات الأساسية الفريدة لكل مؤسسة.

ومن بين النقاط الأخرى المهمة التي أثارتها شيرين يعقوب، من منصة إدراك، وجوب إيصال المؤسسات لنهج مرحلي للطلاب وأولياء الأمور وجميع المعنيين بشفافية. من خلال الاستفادة من نهج الأعمال الهزيل، يمكن للمؤسسات أن تبدأ بـ “الحد الأدنى من الناتج العملي” الذي يركز على المحتوى ومواصلة البناء إنطلاقًا من هناك من خلال التعليقات والتحسينات. بعد فوات الأوان، ربما انتقل مقدمو الخدمة إلى الإنترنت دون وجود خطة أو رؤية للمراحل المختلفة لهذا الانتقال، الأمر الذي ولّد توقعات مشوّهة.

  • توقّع المقاومة وقم بتقديم قدوة لتمهيد طريق المضي قُدما.

في الماضي، كان الرفض من بين العقبات الرئيسية والأعذار الأكثر شيوعًا لعدم تبني التعليم الإلكتروني. أشار خليل جان أمره، أخصائي التعلم المختلط في سبارك، إلى أن مقاومة المعلمين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب وأولياء الأمور وأصحاب العمل أمر طبيعي في واقع الأمر. ومع ذلك، تحدى أمره الجميع أيضًا من خلال الادعاء بأن “الناس أكثر قدرة على التكيف من المؤسسات”. من هذا المنطلق، يقع العبء على عاتق المؤسسات لتتولى القيادة في تقديم القدوة وقيادة التغيير. سوف آخذ هذه الفكرة خطوة أخرى وأناقش دور السلطات الحكومية، سواء من خلال إنشاء أطر الاعتماد والجودة، أو استثمار الموارد أو اتخاذ خطوات داعمة أخرى. حتى عندما يتعلق الأمر بالتهاون الحكومي، يمكن للمؤسسات أن تلعب دورًا بارزًا بدلاً من الجلوس والانتظار، لا سيما في الدفاع عن مشروع الاعتماد والنهوض به.

  • إعادة الطالب إلى مركز عملية التعلم. وهذا يعني أيضًا الاستثمار بكثافة في المعلمين وأعضاء هيئة التدريس.

كما أظهرت التجربة، تتحدى طريقة التعليم الإلكتروني مناهجنا التربوية السائدة عن طريق إعادة الطالب إلى قلب عملية التعلم. “التركيز على المستخدم” هي الكلمة الذي استخدمتها يعقوب لتوضيح أنه، وفي عملية التعليم عبر الإنترنت، “لا يوجد تأثير ما لم يكن هناك تبنّي للمسألة”. يعني تهيئة الطلاب أولاً ضمان فهمهم التام لرحلة التعلم وقدرتهم على التنقل فيها بسلاسة وبشكل مستقل. وهذا يعني أيضًا أن التفاعل والمرونة سيكونان من عوامل النجاح الرئيسية في تصميم تجربة التعلم عبر الإنترنت.

يتمثل الجانب المميّز لبيئة التعلم الإلكتروني المصممة جيدًا في القدرة على جمع البيانات الثابتة، حول مستويات مشاركة الطلاب ونتائج التعلم، في الوقت الفعلي. يعزّز استخدام البيانات لضبط المحتوى والنهج بشكل مستمر مبدأ إعادة الطالب إلى مركز العملية.

يتمثل الجانب المميّز لبيئة التعلم الإلكتروني المصممة جيدًا في القدرة على جمع البيانات الثابتة، حول مستويات مشاركة الطلاب ونتائج التعلم، في الوقت الفعلي.

أما بالنسبة لاختيار التكنولوجيا، فعند التركيز على المتعلم، تصبح أدوات الاتصال والمشاركة متطلبات رئيسية. في ظل الانتقال السريع، تفاعلت معظم المؤسسات من خلال نقل ديناميكيات الفصول الدراسية النموذجية إلى بيئة الإنترنت من خلال أدوات مؤتمرات الفيديو – ما نسميه التعلم المتزامن. وبينما صان هذا النهج إستمرار تدريس المناهج المقررة دون انقطاع، إلاّ إننا لم نتحقق من طرائق التدريس المرتبطة به بما فيه الكفاية. كما ذكر كومتبه، لسنا بحاجة إلى التعلم المتزامن لتسمية الأمر تعليمًا عن بعد. من أجل نهج أكثر امتزاجًا، نحتاج إلى تطوير دورات تم إنشاؤها في الأصل لغرض التوصيل عبر الإنترنت ونحتاج إلى الاستثمار بكثافة في المعلمين من خلال التدريب والدعم في مجال محو الأمية الرقمية، والوعي بأدوات التعليم والتكنولوجيا والتربية. من المحتمل أن يكون حذف هذه الخطوة واحدًا من أخطر المحركات الارتجاعية ضد التعلم عبر الإنترنت.

  • احذر الانقسامات، الرقمية وما بعدها.

الفجوة الرقمية في أذهان الجميع. ذكرت يعقوب أن الوصول الأساسي العام إلى الإنترنت أصبح اليوم حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان. في الواقع، يمكن أن يُترجم التعليم المفتوح عبر الإنترنت إلى مزيد من الفرص لأولئك المستبعدين من النظام الحالي. من الناحية النظرية، يمكن أن يؤدي تبني التعليم الإلكتروني إلى تحسين المساواة بين الجنسين في التعليم ويمكن أن يوفر فرصًا للأشخاص ذوي الإعاقة. من ناحية أخرى، تبدو الفجوة الرقمية حقيقية وتهدد إلى حد كبير إمكانية الوصول. تلقي داليا معروف، اختصاصية تطوير القيادة في مؤسسة التعليم فوق الجميع، التي تعمل بشكل وثيق مع الشباب في بيئات النزاع وما بعد النزاع، على عاتق كل مؤسسة وبرنامج مسؤولية تقييم الاتصال والبنية التحتية ودراسة الحقائق المكانية لكل طالب. (اقرأ التقرير ذو الصلة: إغلاق المدارس بسبب وباء كورونا يضرّ الفتيات).

ومع ذلك، يبدو أن الفجوة ليست رقمية فحسب. قد تؤدي تحديات الصحة العقلية والمواقف الأسرية الصعبة وأنماط التعلم إلى مزيد من الانقسامات وتؤدي إلى مشكلات الاستبقاء. وهذا يعني أن شدّة دعم الطلاب داخل وخارج الفصول الدراسية عبر الإنترنت من المحتمل أن تكون أعلى مما ستكون عليه في الحرم الجامعي. شاركت داليا مثالاً حديثًا عرفت من خلالها قيام الطلاب بتشكيل مجتمعاتهم الخاصة للدراسة وحل تحديات بعضهم البعض. ورأت أن مثل هذه المجتمعات يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من تصميم البرنامج وأن تدريب الطلاب على التكيف والذكاء العاطفي والاجتماعي والتفكير النقدي سيكون حاسمًا للتعامل مع هذه الطريقة الجديدة للتعلم. بطريقة ما، جعل ذلك مهارات القرن الحادي والعشرين أكثر أهمية من أي وقت مضى.

  • . لا تعِد اختراع العجلة. استفد من الموارد والتعاون.

بصراحة، لا أعتقد أننا رأينا تعاونًا كافيًا أو استفادة من الموارد والإمكانات خلال هذا الانتقال، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون بين الجامعات أو الشراكات ذات المنفعة المتبادلة بين الجامعات وعدد قليل من منصات التعليم التكنولوجية الإقليمية ومقدمي المحتوى عبر الإنترنت. ذكرت يعقوب مثالاً رائعًا على التعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين في الأردن بقيادة وزارة التربية والتعليم. إذ اجتمعت إدراك، ومزودان آخران للمحتوى (جو أكاديمي وأبواب) ، والناشر عبر الإنترنت “موضوع” لإنشاء منصة لخدمة مليوني طفل في سن الدراسة في البلد ممن انقطع تعليمهم. وكما هو حال الآخرين ممّن حضروا الجلسة النقاشية، حثت يعقوب المستمعين على البدء من حيث انتهى الآخرين. بينما يأخذ بناء القدرات في التدريس والتعلم عبر الإنترنت جهودًا كبيرة، فإن فرص الاستفادة من المحتوى والتقنيات والموارد في مجال التعلم عبر الإنترنت هائلة.

أنهينا مناقشتنا بإجابة موجزة من قبل الجميع على سؤال المليون دولار، هل التدريس والتعلم عبر الإنترنت سيصبح أمرًا طبيعيًا جديد؟ هل ستبقى هذه الطريقة؟. اتفق الجميع على أنه على الرغم من أن التعلم عبر الإنترنت قد يصبح جزءًا لا يتجزأ من مستقبل التعليم، إلا أنه نافع مع البعض وليس كذلك بالنسبة للبعض الآخر. وأنه سيتعَايش جنبًا إلى جنب مع النظام الحالي. لكن بالنسبة للمعلمين، أكد كومتبه أنه “لن يتمكن أي شخص من البقاء إذا لم يتمكن من تدريس فصل عبر الإنترنت في غضون 10 سنوات”.

شخصيًا، أرى العالم المتصل وغير المتصل بالإنترنت متشابكًا تمامًا في المستقبل. لا يمثل اليوم فرصة لإظهار قدرتها على توفير تجربة تعليمية غير متقطعة تتساوى مع ما كنا نقدمه من قبل فحسب،. بل فرصة لإعادة التفكير في مستقبل التعليم، بغض النظر عن طريقة تقديمه. إنها فرصة لتحدي طرائق التربية بطريقة تعيد الطالب إلى المركز، وفرصة لتحدّي الافتراضات حول القيمة الحقيقية لساعات الاتصال والتوقع بأن التعليم الجيد لا يمكن أن يأتي إلا بتكلفة باهظة. وأخيرًا، ونظرًا لتغيّر التوقعات الاقتصادية وسوق العمل، قد يمثل هذا تحديًا بالنسبة لنا لإعادة تعريف الكفاءات والمهارات الأساسية للتدريس وخلق خبرات التعلم الأكثر فائدة.

مي وزان مستشارة مستقلة مقيمة في بيروت، تركز على تطوير وتنفيذ البرامج في قطاعي التعليم العالي وتنمية المهارات. تشمل خبرتها السابقة مجالات الأعمال الخيرية والاستشارات الإدارية والتنمية الدولية، حيث دعمت منظمات في جهود التعليم واسع النطاق، بما في ذلك في التعلم الإلكتروني والمدمج.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى