أخبار وتقارير

تجاهل دور خبراء الصحة العامة في مواجهة وباء كورونا في العالم العربي

بينما ينتشر وباء كورونا بشكل سيء الآن في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، تمتلك العديد من الدول العربية متّسعاً من الوقت للتحضير لمواجهة الوباء وتقليل الزيادة الحتمية في الحالات. مع ذلك، لكن تفتقد بعض الدول العربية إلى وجود خبراء الصحة العامة من ذوي الخبرة البحثية، والذين يشكلون عنصراً أساسياً لمكافحة الفيروس شديد العدوى.

في المقابل، وبهدف أن يكون باحثو الصحة العامة فاعلين، فإنهم بحاجة إلى أن تنصت الوزارات الحكومية لهم. يعتقد الأكاديميون أن مثل هذه العلاقات التعاونية مفقودة في بعض الدول العربية مع وجود حاجة ماسّة لذلك.

تقول ديانا ريس، أخصائية البحث المساعدة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي والمتخصصة في الصحة العامة في العالم العربي، إن التعاون بين السياسيين وخبراء الصحة العامة في المنطقة أمر بالغ الأهمية. “أودّ رؤية الحكومات وهي تتجه إلى الأكاديميين المحليين وخبراء الصحة العامة للحصول على المساعدة والمشورة بدلاً من الاعتماد على المؤسسات الدولية فقط. هذا مهم بشكل خاص لإنتاج رسائل الصحة العامة والمشورة للسكان الناطقين باللغة العربية بطريقة ذات صلة ثقافية.”

في لبنان، يقول فادي الجردلي، أستاذ السياسة والإدارة الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت ومدير المركز المتعاون مع منظمة الصحة العالمية للسياسات والممارسات المستنيرة، إن “العالم بأسره يمر بأسوأ أزمة للصحة العامة في التاريخ الحديث والوضع في منطقتنا لا يختلف في ذلك. لم يكن هناك اهتمام كاف بالبنية التحتية للصحة العامة على مرّ السنين. كان هناك استثمار في الإعدادات السريرية، لكني أتحدث عن الوقاية والحماية من العدوى.”

في قطر، التي تمتلك أحد أعلى معدلات الناتج المحلي الإجمالي للفرد في العالم، يبدو أن الحكومة قدّرت بسرعة الحاجة إلى العمل مع باحثي الصحة العامة في البلاد، بحسب حنان عبد الرحيم، الأستاذة المساعدة في الصحة العامة وعميدة كلية العلوم الصحية في جامعة قطر.

قالت “لم يكن علينا التوجّه إلى صانعي السياسة لنقول لهم: “انظروا، هناك شيء يجب أن تستمعوا إليه”، ولكن بدلاً من ذلك اتصلت بنا الوزارة في وقت مبكر لتسألنا عن الكيفية التي يمكننا المساعدة من خلالها. انخرطتُ وزملائي في لجان وزارية، ونلتقي عدة مرات في الأسبوع لمناقشة الأدلة وما نعتقد أن علينا القيام به. أنا مشغولة أكثر بكثير مما كنت عليه قبل أن يبدأ كل هذا.”

بشكل عام، لا تمتلك المنطقة العديد من برامج الصحة العامة كتلك الموجودة في جامعة قطر، بحسب ريس، أخصائية الأبحاث المساعدة في جامعة كاليفورنيا، لكن هناك بعض الاستثناءات. قالت “يتمتع الخليج بميزة استضافة الجامعات الأميركية والأجنبية والتعاون معها. كما استفادت دول أخرى مثل مصر والأردن من وجود المنظمات غير الحكومية الدولية والسكان المغتربين الذين يقدمون الخبرة في مجال الصحة العامة.”

الجائحة والسياسة في لبنان

تشمل تدابير الصحة العامة لمواجهة جائحة كوفيد-19 الراهنة أشياء مثل الاختبارات واسعة النطاق؛ والتباعد الاجتماعي؛ والتواصل الفعال لسياسات الحجر الصحي؛ واستخدام النمذجة الحاسوبية للتنبؤ بكيفية انتشار المرض عبر مجتمع معين.

“أودّ رؤية الحكومات وهي تتجه إلى الأكاديميين المحليين وخبراء الصحة العامة للحصول على المساعدة والمشورة بدلاً من الاعتماد على المؤسسات الدولية فقط.”

ديانا ريس
 أخصائية البحث المساعدة في جامعة كاليفورنيا

ربما يمتلك لبنان عددًا أكبر من الباحثين في مجال الصحة العامة مقارنة بالدول العربية الأفقر، لكن السياسيين لم يستخدموا أقصى إمكانات هؤلاء الخبراء حتى الآن، بحسب الجردلي. قال “هناك الكثير من أبحاث السياسة الصحية الجيدة التي يتم إنتاجها، ولكن ما ينقصنا هو كيفية إضفاء الطابع المؤسسي على استخدام هذه الأدلة في السياسة. نحن بحاجة إلى تبسيط تدفق العلم والأدلة في قرارات صانعي السياسة، ولكن تم تأجيل ذلك حتى الآن بسبب وجود الكثير من السياسة في الملعب. وليست هذه حقا كيفية التعامل مع أزمة تضرّ بالصحة العامة. يجب أن يكون كل شيء مبني على الأدلة.”

سيارة تابعة لبلدية ترش مطهرًا في بيروت. بدأت الحكومة اللبنانية في العمل عن كثب مع خبراء الصحة العامة لمواجهة بواء كورونا.(الصورة: حسين ملا / AP).
سيارة تابعة لبلدية ترش مطهرًا في بيروت. بدأت الحكومة اللبنانية في العمل عن كثب مع خبراء الصحة العامة لمواجهة بواء كورونا.(الصورة: حسين ملا / AP).

يقول الجردلي إن هذا الأمر بدأ يتغير في لبنان مؤخرًا. إذ تستخدم الحكومة الآن أوراق سياسته، على سبيل المثال. قال “يتمثل الدرس الصعب في أنك تحتاج إلى أن يكون صانعو السياسات على اتصال بالفعل مع خبراء الصحة العامة قبل حدوث الوباء من أجل تقليل التأخير في اتخاذ الإجراءات.”

تتناقض تجربة الجردلي بشكل صارخ مع تجربة عبد الرحيم في قطر. قالت “أعرف أن هناك أمثلة حيث يتعين على العلماء فيها التصادم مع السياسة وأنا لا أقول هذا فقط لأكون متحسسة من الناحية السياسية، ولكن الأمر ببساطة ليس كذلك هنا.”

وبينما نجد مشاركة الحكومة مع أكاديميي الصحة العامة وقطر على طرف الطيف، فإن لبنان يقع في الوسط تقريبًا. يقول الأكاديميون إن البلدان الأكثر ضعفًا في المنطقة مثل اليمن وسوريا ينعدم فيها التعاون تقريبًا بين واضعي السياسات والمتخصصين في الصحة العامة.

هل تنكر سوريا الواقع؟

قال يزن دويداري، مساعد الباحث السوري الأصل في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي والمتخصص في دراسة حوكمة النظام الصحي في سوريا، “في الوقت الحالي أنا بالطبع أركز على الإستجابة لمرض كوفيد-19. لم يكن هناك العديد من باحثي الصحة العامة في سوريا في المقام الأول قبل النزاع. وغادر معظم العدد القليل الذي كان متواجدًا في السابق الدولة الآن، ولا يؤخذ الخبراء المتبقين في البلاد على محمل الجد ولم يتم تضمينهم في تخطيط الاستجابة.”

تعدّ إيران الدولة الأكثر تعرضّا للإصابة في المنطقة، مع أكثر من 40,000 حالة، مما يعرض البلدان المجاورة، مثل العراق وسوريا، لمخاطر عالية.

تم الإبلاغ عن أول حالة رسمية للإصابة بمرض كوفيد-19 في سوريا الأسبوع الماضي، لكن دويداري يشك في مصداقية هذا الإعلان ويقول إن هناك اتهامات بأن دمشق حاولت التقليل من شأن الوضع.

“الأمر محتمل جدًا، على الرغم من صعوبة التأكد من ذلك، لكننا نشك في أن الفيروس موجود في سوريا منذ عدة أسابيع. إيران بقعة ساخنة والعلاقة مع إيران تعني أن هناك الكثير من المقاتلين يتنقلون ذهابا وإيابا بين البلدين وأجد أنه من غير المحتمل أن المرض لم ينتشر من خلالهم.”

يزن دويداري
 باحث متخصص في دراسة حوكمة النظام الصحي في سوريا

قال “الأمر محتمل جدًا، على الرغم من صعوبة التأكد من ذلك، لكننا نشك في أن الفيروس موجود في سوريا منذ عدة أسابيع. إيران بقعة ساخنة والعلاقة مع إيران تعني أن هناك الكثير من المقاتلين يتنقلون ذهابا وإيابا بين البلدين وأجد أنه من غير المحتمل أن المرض لم ينتشر من خلالهم.”

رسميًا، لا يوجد سوى عشر حالات مؤكدة من مرض كوفيد-19 وحالتا وفاة في سوريا.

يقول دويداري إن جودة البنية التحتية للصحة العامة في سوريا تعتمد على المسؤول عن منطقة معينة. تمتلك بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إمكانية إجراء اختبار بدائي حيث يتم إرسال عينات المسحة إلى مختبر في تركيا للحصول على نتائج الاختبار. ولا يعود ذلك لكون مناطق المعارضة لا تتوفر على مختبرات مناسبة، بل نتيجة لغياب أدوات الاختبار. قال “على الأقل، هم يعترفون بحقيقة أن الفيروس قد وصل إلى المنطقة ويحاولون فعل شيء ما.”

في بعض محافظات البلاد ليست هناك أجهزة تنفّس ولا تمتلك المخيمات والنازحين في كثير من الأحيان حتى أساسيات الصابون والمياه الجارية لغسل اليدين. قال دويداري “إنها واحدة من أقل الدول استعدادًا في المنطقة وأكثرها إنكارًا للمشكلة، ويعود ذلك في الغالب لإغراء الأنظمة الاستبدادية، وهذا لا يساعد في حل الأزمة.”

بالعودة إلى لبنان، يأمل الجردلي أن تساعد هذه الأزمة المسؤولين على إدراك أهمية مجاله على المدى الطويل. قال “تطلب الأمر جائحة عالمية ليعترف صناع السياسة بأن الباحثين في مجال الصحة العامة مهمين. التأخر في حصول شيءٍ ما أفضل من عدم حصوله على الإطلاق، ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل، وقد تكون هذه فرصة لإعادة تصور استراتيجياتنا الصحية العامة للمستقبل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى