مقالات رأي

تعقيدات الفن الجزائري المعاصر تتجلى في معرض في نيويورك

يقدم معرض في إنتظار عمر قتلاتو: الفن المعاصر من الجزائر وشتاتها، المُقام حاليًا في جاليري والاتش للفنون بجامعة كولومبيا، رؤية عميقة على الجزائر المعاصرة، ولاسيما الجهود الجماعية التي بذلتها البلاد لتحديد هويتها ما بعد الاستعمار والفن الجمالي بعد سنوات من الاستعمار الفرنسي، وصعود الأصولية الإسلامية، والحرب الأهلية بين الإسلاميين والحكومة.

يوضح المعرض بإيجاز موضوعًا دقيقًا ومعقدًا على الرغم من بعض أوجه القصور الفنية والجمالية للأعمال الفنية. ويعرض أيضًا أعمال مجموعة واسعة من الفنانين، شهد بعضهم ميلاد الجزائر الحديث كدولة تحررت في الخمسينيات، فيما ولد آخرون على أعتاب “العقد الأسود” في الجزائر في التسعينيات.

يساعد معرض “في إنتظار عمر قتلاتو” على وضع هذا التاريخ والرواية المعقدة من خلال أمثلة متباينة من الأعمال الفنية لفنانين يعيشون في الجزائر وآخرين في الشتات. تُصوِّر طبيعة المعرض التي تشبه الدراسة الاستقصائية بنجاح مختلف التجارب والاعتبارات والأسئلة التي تشغل حاليًا بال جيل من الفنانين الذين شهدوا فترة إنعدام الاستقرار السياسي والحرب الأهلية في الثمانينيات والتسعينيات. على الرغم من إفتقار الأعمال الفنية لوجود جمالية مشتركة، يعرض المعرض المظاهر اللانهائية للأفكار الفنية وردود الفعل على حروب البلد والاضطرابات الاجتماعية لفنانين من خلفيات وأعمار مختلفة.

توضّح القيّمة على المعرض ناتاشا ماري لورينز في مقالها الفني أن المعرض استمدّ اسمه من كتاب نُشر في عام 1979 بعنوان En Attendant Omar Gatlato (في انتظار عمر قتلاتو) وقد كتبته وحررته وسيلة تمزالي. يتحدث الكتاب عن تاريخ تطور التجربة الجزائرية في الأفلام في الستينيات والسبعينيات، في أعقاب حصول البلاد على استقلالها عن فرنسا عام 1962. في كتابها، تكتب تمزالي عن الحاجة إلى تجاوز الفخر الخالص في وجود ثقافة السينما والإبداع في الجزائر لتقييم المعايير الحالية لصناعة الأفلام وكيفية تطويرها.

يشير الكتاب إلى فيلم مرزاق علواش، عمر قتلاتو، الذي تم إصداره بعد أربعة عشر عامًا من نهاية الحرب الجزائرية واعتبر بمثابة دعوة إلى تحول نموذجي بين الشباب الجزائري سعيًا وراء الحرية الفكرية من قبضة الاستعمار الفرنسي السابق.

فاطمة شفاء ، لوحة أبي: فاطمة دارك أو جان إنزومر ، 2019 ، تركيب وسائط مختلطة.
فاطمة شفاء ، لوحة أبي: فاطمة دارك أو جان إنزومر ، 2019 ، تركيب وسائط مختلطة.

وبالتالي، يبدو عنوان المعرض كإشارة إلى حاجة الجزائريين إلى التفكير في تطور الحرية والفن وغيرها، في عصر ما بعد الاستعمار الذي ما زال يعاني بشدة من النفوذ الثقافي الفرنسي ويتأثر بشكل جماعي بتاريخ الاحتلال الفرنسي الذي ما زالوا يعالجون آثاره.

بحسب ألكساندر ألبيرو، أستاذ تاريخ الفن في كلية بارنارد في كولومبيا الذي كتب مقدمة موجزة في كتالوج المعرض، يعتبر هذا أول مسح للفن الجزائري في الولايات المتحدة. ويبدو هذا ادعاءًا معقولا: فنادرًا ما يتم عرض أعمال فنانين جزائريين في مؤسسات أميركية في عروض جماعية، والعلاقات الثقافية والأكاديمية بين الولايات المتحدة والجزائر محدودة.

حتى في الشرق الأوسط، نادرًا ما يتم عرض أعمال لفنانين جزائريين. دخل بعض الفنانين الجزائريين المعاصرين، مثل محمد خدّة ومحمد إيسياخم وباية محي الدين، كاتالوج الفن العربي الحديث، لكن يمكن القول إن بعض الفنانين الجزائريين المعاصرين معروفون بشكل عام ويعرضون أعمالهم لمجرد أنهم يعيشون خارج البلاد وبالتالي يرتبطون بغيرهم من الفنانين والقيمين وجامعي الأعمال الفنية، مثل الفنانين جمال طاطاح وقادر عطية، وكلاهما يعيش ويعرض أعماله في فرنسا. (إقرأ التقريرين ذي الصلة: قادر عطية يحاكي التاريخ الاستعماري وآثاره النفسية و معرض يسلط الضوء على تجربة الفن التجريدي العربي).

باردي، الفجر ، 2015، أكريليك على قماش.
باردي، الفجر ، 2015، أكريليك على قماش.

أعاقت السياسة والاقتتال، بشكل مأساوي، تطور الفن الجزائري. عندما كانت قوة “جبهة الإنقاذ الإسلامي” السياسية الأصولية في ذروتها، كان الفن مسموحًا به ولكن الدولة لم تشجعه. وعندما انتهى عقد من الحرب الأهلية، استجاب الفنانون للركود الثقافي وتحديد الفنون من خلال إنتاج الأعمال وفقًا لفهمهم لما ينبغي أن يبدو عليه الفن المعاصر.

وقد تمثلت النتيجة، كما يقترح معرض “في إنتظار عمر قتلاتو”، في الاعتماد الكبير على الأعمال الفنية وأفلام الوسائط المختلطة المفاهيمية. ربما يكون من المناسب إذن أن يعالج الفنانون الإرهاب غير المفهوم للحرب وعبثية الأصولية الإسلامية من خلال وسيط يتيح لهم القدرة على الحلم وأن يأخذ العبث شكلًا ملموسًا.

وكذلك الحال مع عمل (حطام السفينة)، وهو فيلم أنتجه منير قوري عام 2016. يعرض الفيلم شابين، أحدهما يعزف العود بينما يرقص الثاني على الموسيقى على متن قارب لا يتحرك ولا يرسو في حركات أقرب إلى موسيقى التكنو المعاصرة. يُعد انفصال حركات الرقص المعاصرة عن صوت حزن العود بمثابة استعارة للشباب الجزائري الذين يتعين عليهم مواجهة تاريخهم وحاضرهم، في رقصة تعتبر عن الحياة اليومية وسط سؤال بخصوص عمّا سيأخذهم المستقبل إليه.

يجسّد عمل أمينة منيا “الأقحوان” سلسلة مستمرة من الصور الفوتوغرافية للأحجار التذكارية التي أقيمت على طول ساحل الجزائر لتدشين بناء المباني العامة والطرق السريعة، أو كآثار لضحايا الحرب. تمثل هذه السلسلة بحثًا في مفهوم الديمقراطية من خلال الأعمال الفنية ذاتها التي فرضت على الجمهور دون تفكير الجمهور الذي سيشاهدها، أو التأثير الجمالي لعمل معين على الآخرين. فما هو الفن العام إذا ما قررته حكومة تخدم نفسها بنفسها؟

تتحدث أعمال أخرى في المعرض بمزيد من الدقة عن سياسة ما بعد الاستعمار، وعن صعوبة فصل الماضي المعقد عن الحاضر الواعد.

كريم غلوسي ، ذاكرة الغابة (في الصحراء كان علي الاستسلام) ، 2018 ، شظايا خشبية على لوح خشبي.
كريم غلوسي ، ذاكرة الغابة (في الصحراء كان علي الاستسلام) ، 2018 ، شظايا خشبية على لوح خشبي.

يجمع التركيب الفوتوغرافي لفاطمة شفاء بين الصور العائلية القديمة ومطبوعات للالّة فاطمة نسومر، البطلة التي تعرف أحيانًا باسم جان دارك الجزائر التي جاءت لترمز للمقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر. يعزف العمل على ارتباك الفنانة الشخصي وهي طفلة بخصوص لوحة لجان دارك في منزل عائلتها، والتي مزجتها مع نسومر.

يعترف عمل شفاء بالاحترام المشترك للفرنسيين والجزائريين لأولئك الذين يقاتلون قوات الاحتلال. لا يسامح هذا العمل الاحتلال الفرنسي لوطن الفنانة، لكنه يقدم حجة مقنعة للأسئلة التي تنهي لورينز مقالتها بها: هل يمكن أن يعيق الحنين إلى تاريخ الفرد القدرة على فهم حاضر المرء؟ وهل بإمكان المشاهدين التعرف على الأسباب الإثنية الثقافية التي دفعت الفن الجزائري إلى أن يكون ما هو عليه اليوم؟

يستمر معرض “في إنتظار عمر قتلاتو: الفن المعاصر من الجزائر وشتاتها” حتى 15 آذار/ مارس في غاليري والاتش للفنون بجامعة كولومبيا، في مركز لينفيست للفنون في المبنى 615 غرب شارع 129، في مدينة نيويورك.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى