أخبار وتقارير

الطلاب العرب في الصين محاصرون بسبب تفشي الكورونا

في الوقت الذي بدء فيه إجلاء بعض الطلاب العرب من المدن الصينية التي فرضت الحجر الصحي على سكانها، خوفاً من انتشار فيروس كورونا الجديد، يبدي طلاب أخرون قلقهم حول مصيرهم في ظل عدم اكتراث حكوماتهم بمساعدتهم أو التواصل معهم.

الأسبوع الماضي، قالت منظمة الصحة العالمية إن تفشي فيروس كورونا المستجد في الصين  يشكل “حالة طوارئ صحية ذات بعد دولي“، ترافق ذلك مع مناشدة عدد من الطلاب من دول عربية مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي لحكوماتهم للإسراع وإعادتهم إلى بلادهم.

يتجاوز عدد الطلاب العرب في الصين 14 الفاً بحسب دراسة لباحثة صينية في عام 2016، معظمهم يستكمل دراسته العليا لنيل الماجستير والدكتوراه وفق نظام الابتعاث الحكومي.

حتى مطلع هذا الأسبوع، تم تسجيل أكثر من 20 ألف حالة إصابة مؤكدة من الفيروس في الصين وما لا يقل عن 200 حالة أخرى في أكثر من 20 دولة أخرى، بحسب شبكة سي أن أن CNN. كما بلغ عدد ضحايا الوباء 425 في البر الرئيسي للصين، فضلا عن حالتي وفاة تم الإبلاغ عنها في أماكن أخرى – في هونغ كونغ والفلبين.

وكان الفيروس قد ظهر في كانون الأول/ ديسمبر الماضي في سوق بمدينة ووهان الصينية تباع فيه حيوانات برّية وانتشر خلال عطلة رأس السنة الصينية التي يسافر فيها ملايين الصينيين داخل البلاد وخارجها. على إثر ذلك، اتخذت الحكومة الصينية إجراءات مشدّدة لمنع انتشار الفيروس شملت: فرض حجر صحّي على أكثر من 50 مليون شخص في مدينة ووهان ومحاصرة هوبي، المقاطعة الواقعة في وسط البلاد وعاصمتها ووهان.

أوضاع صعبة

تسبب إجراء فرض الحجر الصحي على مدن بأكملها في تعقيد حياة الطلاب العربن خاصة في  مدينة ووهان التي يسكنها 11 مليون نسمة على بعد 650 ميلاً جنوب بكين.

قال محمد مرغني، طالب دكتوراه في الفيزياء سوداني الجنسية، “للأسف الشديد الأوضاع هنا صعبة جداً، غير مسموح بالخروج من الحي الجامعي الذي يسكن فيه الطلاب وحتي في الداخل لا نستطيع زيارة بعضنا البعض. يجب أن يكون هنالك تحرك سريع جداً.” مشيراً إلى وجود ما يقارب 100 طالب وطالبة دراسات عليا من السودان في المدينة بعض منهم مع عائلاتهم.

يؤكد أدهم السيد، طالب دكتوراه لبناني يدرس في جامعة وسط الصين للعلوم والتكونولوجيا HUST، على صعوبة الوضع المعيشي هناك أيضاً. قال “المدينة معزولة ومغلقة، كل خطوط النقل المشترك عاطلة عن العمل ولا نستطيع التنقل سوى سيرًا على أقدامنا، وهذه الإجراءات الاستثنائية ضرورية للغاية بالنسبة لنا حتّى لا يحتك أحد بالآخر.”

“المدينة معزولة ومغلقة، كل خطوط النقل المشترك عاطلة عن العمل ولا نستطيع التنقل سوى سيرًا على أقدامنا، وهذه الإجراءات الاستثنائية ضرورية للغاية بالنسبة لنا حتّى لا يحتك أحد بالآخر.”

أدهم السيد
 طالب دكتوراه لبناني يدرس في جامعة وسط الصين للعلوم والتكونولوجيا

بدوره، يبدي مصعب حسن، طالب الماجستير في هندسة الاتصالات من السودان، قلقاً شديداً من استمرار تفشي المرض خاصة في ظل ندرة المعدات الطبية من كمامات وأقنعة ومعقمات نتيجة لإغلاق الصيدليات. قال “نواجه صغوطاً نفسية شديدة، نحن خائفون رغم أننا لا نخرج من المنازل. الدول الأجنبية الكبرى أجلت رعاياها ونحن عالقون هنا. لابد من مساعدتنا وإجلائنا أيضاً.”

دعوات للإجلاء

خلال الأسابيع الماضية، حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات من بعض الطلاب العرب من جنسيات مختلفة يطالبون فيها حكوماتهم بالالتفات إليهم ومتابعة أوضاعهم أسوة برعايا باقي الدول الأجنبية في الصين.

قال السيد “لم تتواصل السفارة معنا إلا بعد وضعي تعليقًا انتقاديًا لها ووجهت نداءًا على الفيسبوك. حاليا نحن باقون هنا فالسفر سيعرضنا للاحتكاك مع الناس وقد نصاب بالمرض. لكننا نحتاج لاستمرار التواصل مع السفارة لإجلائنا في حال تم إخلاء كامل المدينة.”

رجل يسير على طول الواجهة البحرية المهجورة في ووهان، التي فرضت على سكانها إجراءات حجر صحي مشددة.  (الصورة: أريك راتا / أ ف ب).
رجل يسير على طول الواجهة البحرية المهجورة في ووهان، التي فرضت على سكانها إجراءات حجر صحي مشددة. (الصورة: أريك راتا / أ ف ب).

مطلع الأسبوع الحالي، أجلت طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية الأردنية 71 طالباً أردنياً وعربياً من مدينة ووهان الصينية. وقالت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية “بترا”، نقلاً عن وزير الصحة الأردني بالوكالة صالح الخرابشة قوله إن “الطائرة أقلت 55 طالباً أردنياً وسبعة طلاب من فلسطين وثلاثة من سلطنة عمان وواحداً لبنانياً وثلاثة تونسيين وبحريني واحد، بالإضافة لزوجة طالب تحمل الجنسية الروسية، وأفراد الطاقم الطبي وأفراد الطائرة.” وتم وضعهم جميعاً قيد الحجر الصحي للتأكد من وضعهم الصحي.

كما أعلنت وسائل إعلام سعودية عن إجلاء 10 طلاب سعوديين من ووهان ووضعهم برفقة طواقم طبية متخصصة إلى سكن مناسب مع عناية طبية حيث سيتم عزلهم احتياطيا لمدة أسبوعين للتأكد من سلامتهم.

لكن الوضع بالنسبة للطلاب اليمنيين يبدو أكثر صعوبة وتعقيداً خاصة وأنه لا إمكانية لدى حكومتهم لإجلائهم نتيجة للحرب التي تشهدها البلاد منذ سنوات. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الطلاب اليمنيون: استغاثات لا تلقى آذاناً صاغية).

قال منصور ملاس، طالب دكتوراه يمني في كلية هندسة الاتصالات ونظم المعلومات في جامعة شيديان والمسؤول الإعلامي السابق في اتحاد الطلاب اليمنيين في الصين، “وضعنا مأساوي، لم نتلق مخصصاتنا المالية الخاصة بمحنحا الدراسية منذ  سبعة أشهر ولا أحد يهتم بالسؤال عن وضعنا هنا.” موضحاً أن غالبية الطلاب اليمنيين غير متأكدين من إمكانية عودتهم لليمن حالياً والحصول على رعاية صحية مناسبة “ربما من الأفضل البقاء هنا لتجنب نقل العدوى لأهلنا في اليمن

يعتقد ملاس أن على الحكومة السعودية مسؤولية أخلاقية لتحمل إجلاء الطلاب اليمنيين، خاصة وأن قوات التحالف والتي تقودها السعودية تسيطر على كل مطارات  اليمن في الوقت الحالي.

الطلاب المصريون مخيرون

أرسلت الحكومة المصرية طائرة يوم الاثنين الماضي لإجلاء 300 شخص مصري من ووهان معظمهم من طلاب الدراسات العليا.

قال هيثم حمزة، رئيس إدارة البعثات بوزارة التعليم العالي المصرية، “إجراءات الإجلاء شملت الراغبين فقط من المصريين الدارسين والمبتعثين بالصين حاليا بالعودة،” مؤكداً أن السلطات المصرية تركت لهم حرية العودة من عدمها. وأضاف أن الوزارة قررت صرف منحة مالية استثنائية مع بداية شهر آذار/ مارس لكل طالب في حالة استمرار تواجده في الصين التزاماً من الحكومة المصرية بدعم طلابها

من بين الطلاب المصريين الذين تم إجلائهم، السيد القمحاوي، 30 عاماً، طالب دكتوراه بجامعة هوانشينج للعلوم والتكنولوجيا بمدينة وهان والذي بدأت رحلته الدراسية في الصين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبرعقب تلقيه منحة من الحكومة الصينية لدراسة الدكتوراه في تخصص الهندسة الكهربائية. بقي القمحاوي، على مدار أسبوعين كاملين، قابعاً في غرفته السكنية داخل الجامعة إذ لم يكن يسمح لهم بالخروج منها. وكان يعد طعامه من مخزون لديه وفرة بمنزله قبل بدء الأعياد في المدينة الصينية والحظر الصحي وحظر التجوال الذي فرضته السلطات الصينية في المدينة 16 كانون الثاني/ يناير الماضي.

“وضعنا مأساوي، لم نتلق مخصصاتنا المالية الخاصة بمحنحا الدراسية منذ  سبعة أشهر ولا أحد يهتم بالسؤال عن وضعنا هنا.”

منصور ملاس
 طالب دكتوراه يمني في كلية هندسة الاتصالات ونظم المعلومات في جامعة شيديان

غير أن التواصل لم ينقطع بين القمحاوي وجامعته خلال هذه الفترة، حيث ظلت تراسله يومياً حول حالته الصحية. كما أنه استمر بالتواصل مع أستاذه المُشرف على رسالة الدكتوراه لتحديد السُبل الممكنة لمواصلة رسالته العلمية.

ترفض الطالبة المصرية بسمة مصطفى، 29 سنة، مغادرة ووهان خشية نقل فيروس كورونا إلى بلدها (الصورة: بسمة مصطفى).
ترفض الطالبة المصرية بسمة مصطفى، 29 سنة، مغادرة ووهان خشية نقل فيروس كورونا إلى بلدها (الصورة: بسمة مصطفى).

مستقبل غامض

حتى الأن، مازالت الدراسة متوقفة في مراحل رياض الأطفال والمرحلة الأساسية والثانوية والجامعات الصينية في إطار جهود مكافحة انتشار الالتهاب الرئوي المرتبط بفيروس كورونا.

قال السيد “كان من المفترض أن أتخرج وأحصل على شهادة الدكتوراه في شهر أيار/مايو المقبل وأنا لم أسافر إلى لبنان في عطلة رأس السنة الصينية حتى أنهي دراستي. لكن للأسف، أعجز في هذه المرحلة عن التركيز. الآن كل شيء تغير والجامعة مازالت مغلقة.”

ألمحت بعض الجامعات إلى إمكانية استئناف الدراسة عن بعد قريباً.

قالت بسمة مصطفى، 29 عاماً طالبة دكتوراه مصرية بجامعة بكين للغات والثقافة، “بعض الأساتذة أبلغونا أن التعليم الإلكتروني سيكون خياراً ملائماً في حال استمرار الإجازة.” مشيرة إلى أن الجامعة الصينية تتواصل مع الطلاب يومياً عبر البريد الإلكتروني للاطمئنان عن أحوالهم الصحية مع توصيات بمنع دخول أي زائر لمبنى الجامعة. كما تسمح الجامعة لطلابها بالخروج لشراء احتياجاتهم، مع قياس درجة حراراتهم عند العودة من الخارج.

لا يبدو خيار الدراسة عن بعد منطقياً للكثير من الطلاب.

قال القمحاوي “مُعظم الطلاب المصريين في ووهان متخصصون في العلوم التطبيقية، كالهندسة والطب والزراعة، وبالتالي التعليم عن بعد لن يكون مناسباً خاصة واننا نحتاج للتدريب العملي في المخابر ولقاء أساتذتنا بشكل مباشر.”

“الجميع عازم على العودة من جديد؛ لا أحد يفكر في ترك دراسته أو الانتقال لبلد أخر.”

السيد القمحاوي
 طالب دكتوراه مصري بجامعة هوانشينج للعلوم والتكنولوجيا بمدينة وهان

وعلى الرغم من موعد وشكل استئناف الدراسة لا يبدو ممكناً في الوقت القريب. لكن غالبية الطلاب يؤكدون استمرار اهتمامهم بمتابعة الدراسة.

قال القمحاوي “الجميع عازم على العودة من جديد؛ لا أحد يفكر في ترك دراسته أو الانتقال لبلد أخر.”

أما مصطفى فتؤكد على رغبتها الاستمرار في المعيشة والعمل بعد التخرج في الصين.

قالت “الصين أعادت اكتشافي من جديد خلال ثماني سنوات من العيش فيها؛ حيث نجحت في تطوير ذاتي وتوسيع مداركي. لذلك أود استكمال حياتي المهنية، بعد إتمام رسالة الدكتوراه، هنا.”

*شارك في إعداد التقرير طارق عبد الجليل وجنى الدهيبي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى