أخبار وتقارير

الهجرة طوق نجاة لباحثة يمنية

ملاحظة المحرر: يأتي التقرير أدناه كجزء ضمن مجموعة من خمسة تقارير حول العقبات التي يواجهها الباحثون في الدول العربية. يمكن للقراء الوصول إلى جميع التقارير في هذه الصفحة.

يشتكي باحثون من مختلف الدول العربية من صعوبات تعيق عملهم البحثي كتراجع مساحة الحرية الأكاديمية التي يتمتعون بها أو صعوبة توفير معدات مناسبة لمختبراتهم. لكن مشاكلهم تتضاءل مقارنة بأولئك الذين يحاولون إجراء البحوث في بلادهم التي تشهد صراعات مستمرة كسوريا وليبيا واليمن.

قالت غانية النقيب، أستاذ التغذية المشارك في كلية الزراعة بجامعة صنعاء في اليمن، “الحياة البحثية أصيبت بشلل تام في اليمن، لم يكن أمامي سوى التوقف عن العمل أو البحث عن فرصة للهجرة للخارج لضمان استمرار أبحاثي.”

كشف استطلاع للرأي أجرته الفنار للإعلام أن 91 في المئة من الباحثين العاملين في الدول العربية يرغبون بالهجرة. بالنسبة لليمنيين، فإن هذه النسبة أعلى. (اقرأ التقرير ذو الصلة: استطلاع جديد: الهجرة حلم الباحثين العرب).

قالت إقبال دعقان، الباحثة اليمنية وأستاذ الكيمياء الحيوية والتي حصلت أيضاً على منحة لاستكمال أبحاثها بجامعة أغدر في النرويج، “الحرب في اليمن أثرت بشكل سيئ على حياتنا كبشر وأيضاً كباحثين. فمع فقدان الأمن ونقص التمويل وصعوبة توفير الكهرباء وشح المياه، يبدو العمل البحثي ضرباً من الخيال.” موضحة أنه من الأفضل للباحثين حاليا البحث عن فرص خارج اليمن لإكمال مسيرتهم العلمية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: اليمن: استمرار الحرب يشل البحوث العلمية).

بعد حصولها على شهادة البكالوريس من كلية الزراعة بدمشق، قضت النقيب تسع سنوات في ماليزيا حصلت خلالهما على شهادة الماجستير والدكتوراه لتعود في عام 2011 لليمن كأستاذة في كليو الزراعة في جامعة صنعاء وتستمر في إجراء بحوثها على نفقتها الخاصة في معظم الأوقات.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص. 

قالت “كنت أخصص جزءاً من راتبي الشهري لشراء مسلتزمات بحوثي، والتي كانت بطبيعة الحال بسيطة ولا تحتاج لتجهيزات معقدة. إذ لم يكن هناك ميزانية كافية لإجراء البحوث في الجامعة بصورة متقدمة.”

“كنت أخصص جزءاً من راتبي الشهري لشراء مسلتزمات بحوثي، والتي كانت بطبيعة الحال بسيطة ولا تحتاج لتجهيزات معقدة. إذ لم يكن هناك ميزانية كافية لإجراء البحوث في الجامعة بصورة متقدمة.”

غانية النقيب
 باحثة في مجال التغذية

افتتحت النقيب مختبراً صغيراً لتربية حيوانات التجارب وأشرفت على ابحاث طلابها، كما نشرت خمسة أبحاث وحصلت على دعم مالي صغير بقيمة ألف دولار أميركي من مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، وهي مؤسسة محلية تُعنى بتشجيع أبناء اليمن على البحث العلمي، وكذلك دعم من المعهد الأميركي للدراسات اليمنية.

لكن تأزم الأوضاع السياسية في اليمن في عام 2015 وما تبعها من اضطرابات أمنية أثرت سلباً على مختلف جوانب الحياة المعيشية وبالطبع االأكاديمية. إذ تعرضت بعض المباني الجامعية للقصف، وأخرى تحولت لثكنات عسكرية. كما عانى الأساتذة وغيرهم من الموظفين الحكوميين من مشكلة تأخر تسديد أجورهم الشهرية لفترات تصل لأكثر من 6 أشهر، فضلاً عن انقطاع الكهرباء المستمر وشح المياه.

قالت النقيب “نفقت حيوانات التجارب وتلفت العينات البحثية، وتوقف غالبية الطلاب عن الدراسة وكذلك الأساتذة عن العمل. حتى المنحة التي حصلت عليها من الأكاديمية العالمية للعلوم قبل الحرب توقفت.”

شكلت شبكة العلاقات المهنية التي أقامتها النقيب خلال سفرها لحضور مؤتمرات دولية قبل الحرب طوق نجاة لها. إذ تواصلت مع أحد أساتذتها الألمان التي تعرفت عليهم في مؤتمر علمي بأميركا، وشرحت له عجزها عن مواصلة البحث في اليمن، فعرض عليها فرصة العمل كباحثة بدرجة أستاذ في جامعة ويرسبيرج بكلية الكيمياء والصيدلة.

مع ذلك، لم تكن رحلة الخروج من اليمن سهلة. إذ واجهتها صعوبات في التنقل والسفر ونقل عينات النباتات التي تعمل عليها، لكنها لم تستسلم وقامت بإجراء كافة الخطوات الإدارية المطلوبة، للحصول على الموافقات اللازمة واستخراج شهادات توثيق لعينات النباتات، بخلوها من الأمراض وإثبات أنها نباتات بحثية خالية من الفطريات والمواد السامة.

“الحرب في اليمن أثرت بشكل سيئ على حياتنا كبشر وأيضاً كباحثين. فمع فقدان الأمن ونقص التمويل وصعوبة توفير الكهرباء وشح المياه، يبدو العمل البحثي ضرباً من الخيال.”

إقبال دعقان
 باحثة يمنية في مجال الكيمياء الحيوية

قالت “كانت السفارات كلها مغلقة، ولم يكن من السهل الحصول على موافقة لإدخال عينات من النباتات التي أعمل عليها خاصة وأنني كنت أخشى تلفها خلال السفر. لكنني تمكنت من الحصول على موافقة لإدخال 3 كجم من كل نوع. وهذا كان انتصارا عظيما بالنسبة لي.”

واجهت النقيب أيضاً صعوبات في الحصول على موافقة إدارة الجامعة على سفرها، ومن ثم الخروج من اليمن خاصة مع توقف حركة الطيران،  فكان لزاما عليها الذهاب إلى السودان، حيث قضت أربعة أشهر في إنتظار الحصول على تأشيرة لدخول ألمانيا.

لاحقاً وعند وصولها إلى ألمانيا، واجهت النقيب صعوبة في التواصل مع زملاءها الباحثين بسبب عدم إتقانها للغة الألمانية.

قالت “وصولي للجامعة في ألمانيا كان مجرد بداية، إذ كان علي تعلم اللغة وبناء علاقات مهنية وإثبات نفسي كباحثة. كل ذلك لم يكن سهلاً ولم يكن ممكناً لولا دعم عائلتي.”

اليوم، تستعد النقيب لمغادرة ألمانيا بحثاً عن منحة أخرى تدعم استمرارية أبحاثها خاصة مع استمرار تدهور الأوضاع في بلدها. كما تنتظر الحصول على براءة إختراع عن هذه المستخلصات ونشر أبحاثها بالتنسيق مع الجامعة.

تعتقد دعقان أن النقيب “نموذج ملهم للباحثات اليمنيات، فهي مجتهدة وصاحبة عزيمة وإرادة.”

لكن النقيب تمر بلحظات شك كثيرة. قالت “أفتقد الاستقرار في حياتي، والضغوط الحياتية والنسية تتزايد. أنا في صراع دائم مع نفسي هل استمر في البحث عن فرص أم أتوقف.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى