أخبار وتقارير

لبنان: طلاب الجامعات والمدارس يرفضون استئناف الدراسة

يتغيّب آلاف الطلاب عن صفوفهم للأسبوع الرابع على التوالي في كافة المناطق اللبنانية مفضلين التظاهر في الشارع في إطار الحراك الاحتجاجي الذي تشهده البلاد  للمطالبة برحيل الطبقة السياسية، مما يثير مخاوف حول وضع العام الدراسي الحالي ومستقبل الطلاب التعليمي.

فبعدما أعلن وزير التربية والتعليم اللبناني أن قرار استئناف الدراسة يعود إلى كل مؤسسة على حدة، عاد يوم الثلاثاء الماضي وأصدر قراراً بتعطيل الدراسة بكافة المدارس والمعاهد والجامعات على ضوء استمرار الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية، وانطلاق دعوات للإضراب العمومي بجميع أنحاء لبنان. مؤكداً في بيان صحفي “أن هذا القرار يأتي حفاظًا على سلامة الطلاب واحترامًا لحقهم في “التعبير الديمقراطي.”

وكانت المدارس والمعاهد والجامعات قد توقفت بصورة شبه كاملة، في مختلف المدن منذ اندلاع الاحتجاجات في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولمدة أسبوعين، قبل أن تعود المدارس والجامعات لاستئناف الدراسة بوتيرة متفاوتة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: في لبنان: أساتذة وطلاب ينتفضون للتغيير).

بدورهم، كثّف طلاب المدارس والجامعات اللبنانية منذ نحو أسبوع، من تواجدهم في الاعتصامات والمسيرات المتحركة في الشوارع، وأمام المؤسسات العامة عوضاً عن الذهاب إلى المدارس والجامعات معربين عن مخاوفهم من تردي الأوضاع وتأثير ذلك على مستقبلهم.

قالت سارة ملحم، 17 عامًا طالبة في إحدى المدارس الرسمية، “لا أعتقد أن عامي الدراسي مهدد، لأنّ قضيتي محقّة، وقد تركت الصف مع جميع الطلاب من أجل حقوقنا وحقوق أهلنا التي لن نستردها إن لم نملأ الساحات ونصرخ بأعلى صوت في وجه السلطة الفاسدة.” موضحة أن المشاركة في الحراك فرصة لا تعوض بالنسبة لها وأنها لن تعود للدراسة حتى تتحقق المطالب والتي من ضمنها “تغيير مناهجنا الدراسية التي أصبحت بدائية وتقليدية لا تلبي حاجات سوق العمل.”

يشهد لبنان منذ مساء 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي سلسلة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية العارمة في البلاد، اعتراضا على التراجع الشديد في مستوى المعيشة والأوضاع المالية والاقتصادية، والتدهور البالغ الذي أصاب الخدمات التي تقدمها الدولة، لاسيما على صعيد قطاعات الكهرباء والمياه والنفايات والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي بالإضافة إلى تراكم الديون إلى 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو من أعلى المعدلات في العالم. (اقرأ التقرير ذو الصلة: حرب الطوائف في لبنان تتحوّل إلى ثورة شباب ضد السياسيين).

وبعد نحو 13 يوما من الحراك الشعبي غير المسبوق والذي تسبب بقطع كافة طرقات البلاد، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته “تجاوباً لإرادة الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الساحات للمطالبة بالتغيير.”

مع ذلك، لم تتوقف الاحتجاجات تماماً – خاصة مع التأخر في بدء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة – لكن تم فتح معظم الطرقات التي تم إغلاقها على مدى أسبوعين كاملين. كما أعلنت بعض الجامعات والمدارس عن استئناف الدراسة وفتح أبوبها أمام الطلاب.

واتخذت المظاهرات منعطفاً خطيراً الأسبوع الماضي بعد مقتل ناشط سياسي برصاص جندي حاول تفريق حشد من المتظاهرين في بيروت بإطلاق طلقات تحذيرية. يجري التحقيق في حادث إطلاق النار، لكنه أشعل مواجهة متوترة بين المحتجين والسياسيين.

لا أعتقد أن عامي الدراسي مهدد، لأنّ قضيتي محقّة، وقد تركت الصف مع جميع الطلاب من أجل حقوقنا وحقوق أهلنا التي لن نستردها إن لم نملأ الساحات ونصرخ بأعلى صوت في وجه السلطة الفاسدة.”

سارة ملحم
 17 عامًا طالبة في إحدى المدارس الرسمية

كر وفر

لم يرق قرار استئناف الدراسة للكثير من للطلاب، الذين تظاهروا في مناطق مختلفة من لبنان اعتراضا على القرار وللتنديد بمنع إدارة المدرسة لهم من الانضمام للتحركات الاحتجاجية. في بيروت، تمركز الطلاب المحتجون أمام مقر وزارة التربية والتعليم في تحد واضح للقرار. وأغلق الطلاب المحتجون في طرابلس وعكار شمالي لبنان مرافق حيوية ومقرات عدد من المصارف. أما في البقاع جنوبي لبنان، فقد خرج طلاب المدارس الثانوية في مظاهرات أدت إلى شل حركة السير في أكثر من بلدة وقرية. كما تظاهر طلاب في صيدا جنوبي لبنان رافضين الانسحاب من الشارع، مطالبين بـ”القضاء على المحسوبيات وبناء وطن عصري”.

قال عبد الله جبلاوي، 15 عامًا طالب في مدرسة الإيمان الخاصة في طرابلس،”نحن نتظاهر ضدّ الإحباط، لأنّنا لا ننريد التخرّج ثمّ السفر والاغتراب عن عائلاتنا. وأنا سعيد بمشاركتي في التظاهرات التي أسعى من خلالها بناء مستقبلٍ أحلم به.”

في المقابل، تمارس بعض إدارات المدارس والجامعات ضغطًا كبيرًا على الطلاب والأساتذة المضربين من أجل منعهم عن المشاركة في الاحتجاجات.

ففي 5 تشرين الثاني/نوفمبر، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي لرئيسة مدرسة الراهبات المخلصيات في منطقة عبرا، تهدد فيه طلاب الثانوية بالطرد في حال تظاهرهم موجهة لهم كلامًا عنيفًا وقاسيًا. لاحقاً، ومع انتشار التسجيل، اضطرت الراهبة إلى تقديم الاعتذار بعد موجة الانتقادات الشعبية التي واجهتها واتهمتها بالقمع والتواطؤ مع السلطة.

” نحن نتظاهر ضدّ الإحباط، لأنّنا لا ننريد التخرّج ثمّ السفر والاغتراب عن عائلاتنا. وأنا سعيد بمشاركتي في التظاهرات التي أسعى من خلالها بناء مستقبلٍ أحلم به.”

عبد الله جبلاوي
 15 عامًا طالب في مدرسة الإيمان الخاصة في طرابلس

كما أعلنت لأمانة العّامة للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان في بيانٍ لها أنّها ستثتأنف التدريس بدءًا من 12 تشرين الثاني/نوفمبر في سياق الضغط على الطلاب والهيئة التربوية في المدارس الكاثوليكية، من أجل تعويض ما فات من الدروس والبرامج الأكاديمية.

بدوره، قال أحد الإداريين في الجامعة اللبنانية الأميركية، والذي طلب عدم ذكر اسمه، إنّ إدارة الجامعة بدأت تضغط من أجل عودة الطلاب إلى صفوفهم، وتحديدًا طلاب السنة الأخيرة للتخرج، لأنّ معظمهم يرتبط إمّا بعقود أو بمنح خارج لبنان، وعدم اكمالهم عامهم الدراسي وتخرجهم، سيلحق أضرارًا جسيمة على مستقبلهم.

لكن إدارة الجامعة نفت هذه المعلومات وقالت، في رسالة بريدية للفنار للإعلام بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، أنه لم يتم نقاش أو طرح مثل هذه النقطة على الإطلاق.

يعتقد كثيرون أن الضغط على الطلاب وترهيبهم لن يجدي.

قال سامر أنوس، وهو أستاذ التربية في جامعة البلمند االخاصة في طرابلس، أنّ “الضغط على الطلاب لا ينفع، لأنّهم كسروا حاجز الخوف وارتفعت نسبة وعيهم بوجه كل السلطات، وهم وضعوا أهدافهم من الانتفاضة الشعبية ومتقدمين جدًا رغم كلّ الضغوط النفسية التي يتعرضون لها.”

يقلل أنوس من حجم المخاوف حول وضع العام الدراسي في لبنان.

قال “ما يتعلمه الطلاب في الشارع اليوم أكثر أهمية من ما يتعلمونه داخل القاعات المغلقة. كما أن مشاركتهم ستؤثر ليس فقط في تحديد مستقبلهم بل وتحديد مستقبل بلادهم.”

بدوره، يعتقد خالد صباغ، 26 عامًا باحث في القانون الدولي وخريج أكاديمي من معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، أنّ وجود طلاب الجامعات والمدارس في الشارع أمر شديد الأهمية لكونهم “الفئة التي تحظى بثقة كبيرة من المجتمع، ولديها مستوى الوعي الأعلى، وتملك تفويضًا غير مباشر من المجتمع للتعبير عن تطلعاته ومطالبه.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى