أخبار وتقارير

إضراب الأساتذة يغلق الجامعات في ليبيا

يضطر عبد الرحمن علي، والذي يعمل كمدرس مساعد في جامعة مصراته، للعمل كسائق سيارة أجرة بين المدن الليبية لتأمين احتياجات أسرته المكونة من خمسة أطفال وزوجته. إذ أنه لم يتلق راتبه منذ ثلاثة أعوام مما اضطره للتوقف عن عمله الأكاديمي.

قال “راتبي لا يكفي وليس لدي تأمين صحي. وظيفة الأستاذ لم تعد لها مكانتها في المجتمع الليبي، ولابد من عمل إضافي لتحسين الدخل.”

علي ليس وحده. إذ يعمل العديد من أساتذة الجامعات الحكومية ، اليوم، بوظائف أخرى لكسب عيشهم والحصول على دخل كاف في ظل ضعف أجورهم، بحسب مايقول ” لدي أصدقاء يعملون في محال تجارية ومكاتب ترجمة.”

وفي محاولة لتحسين وضعه كأستاذ جامعي، يشارك علي في الإضراب الذي ينظمه قرابة عشر آلاف أستاذ يعملون في 14 جامعة حكومية منذ 4 أسابيع للمطالبة بزيادة رواتبهم مما تسبب في تعثر بدء العام الدراسي الجديد والذي كان يفترض أن يبدأ منتصف أيلول/سبتمبر الماضي.

قال حسين العلام، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني وليد ، جنوب شرق طرابلس، والمتحدث الإعلامي لإضراب نقابتي أعضاء هيئة التدريس والموظفين بالتعليم العالي في ليبيا، “يتسبب ضعف الأجور وزيادة الأسعار في دفع الأساتذة لامتهان مهن أخرى ربما لا تتناسب مع مكانتهم أحيانا، لتلبية احتياجاتهم المادية.”

وبحسب العلام، هناك 190 من أعضاء هيئة التدريس تم تعيينهم عام 2016 وعشرات تم تعيينهم بمعهد التقنية الطبية في مصراتة، لم يتقاضوا أجورهم حتى الأن ويضطرون للقيام بأعمال أخرى كمصدر للدخل المادي لتلبية احتياجات أسرهم. قال “هناك تخصصات جامعية مثل هندسة النفط والتخصصات الطبية وتكنولوجيا المعلومات هجرها أساتذتها نتيجة لعدم حصولهم على أجور لائقة.”

أجور ضعيفة واقتصاد مترنح

لم تشهد أجور الأساتذة أية زيادات منذ إندلاع الثورة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011، بينما ترتفع  معدلات التضخم، بحسب تقارير البنك الدولي لتصل إلى 20 في المئة. إذ تتراوح معدلات الأجور الشهرية للأساتذة في ليبيا، بين 950 دينار (237 دولار أميركي) للمدرس المساعد، و2100 دينار ليبي (525 دولار أميركي) للأستاذ المشارك في الجامعات الحكومية. في حين يبلغ متوسط إنفاق الأسرة الليبية المكونة من خمسة أفراد، قرابة 1600 دينار شهريا (400 دولار أميركي).

قالت نوال العمراني، الأستاذة في كلية التقنية الهندسية في جامعة الزاوية بمدينة زوارة، “لا يكفي راتب الأستاذ الجامعي لمنتصف الشهر. الوضع صعب جدا وغير لائق إنسانياً وأكاديمياً.” مشيراً إلى أن الجامعات تعاني أيضا من ضعف الميزانيات المخصصة لها مما يتسبب في نقص شديد بالمعدات ومواد المختبرات ويؤثر سلباً على جودة التعليم وعمل الأساتذة الباحثين. (اقرأ التقرير ذو الصلة: أساتذة الجامعات الحكومية يناضلون لتأمين لقمة العيش).

تنفق ليبيا التي يبلغ تعداد سكانها نحو 6.5 مليون نسمة، أكثر من 61 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الأجور الحكومية والتي يتم تسديدها عادة من عائدات النفط. لكن نسبة عجز الموازنة بلغت  69 في المئة – بحسب تقرير البنك الدولي – نتيجة لتراجع أسعاره عالمياً وتدني معدلات الإنتاج بسبب استمرار الصراع السياسي على السلطة  بين حكومتين: حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، ومقرها طرابلس، وحكومة خليفة حفتر في المنطقة الشرقية.

“يتسبب ضعف الأجور وزيادة الأسعار في دفع الأساتذة لامتهان مهن أخرى ربما لا تتناسب مع مكانتهم أحيانا، لتلبية احتياجاتهم المادية.”

حسين العلام
 أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني وليد

في المقابل، لا يعتبر إضراب الأساتذة الأول من نوعه. إذ شهدت الأعوام الثلاث الماضية احتجاجات كثيرة من قبل الأساتذة ومظاهرات تطالب بزيادة الأجور وتحسين ظروفهم المعيشية. لكن العلام يعتقد أن عدم تعليق الدراسة في الماضي ساهم في عدم الإستجابة لمطالبهم. فعلى مدار خمس سنوات ومع تعدد الوزارات قام الأساتذة بالمطالبة مراراً بتحسين أوضاعهم المالية، لكن لم يتم الإستجابة لها في الوقت الذي تم رفع رواتب أكثر من 28 فئة وظيفية في الدولة، على حد قوله “رفضنا القيام باية إضرابات أو اعتصامات في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، ولكن وجدنا على الجانب الأخر إستجابة لمطالب مشابهة.”

من جهة أخرى، تعتبر الاحتجاجات الحالية الأكبر خاصة مع إعلان وزارة التعليم عن قيام حكومة الوفاق بوقف أجور أكثر من 150 ألف معلم وموظف في الوزارة لا تتوفر معهم الوثائق المناسبة.إذ تعاني ليبيا من قطاع عام ضخم يدفع رواتب لموظفين وهميين أٌضيفت أسماؤهم للكشوف خلال الفوضى التي تعم البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011.

وكان عثمان عبد الجليل، وزير التعليم المستقيل بحكومة الوفاق قد صرح في لقاء تلفزيوني “أتمنى أن يكون راتب المعلم الأعلى في الدولة. لكننا نواجه خللاً كبيراً. قطاع التعليم مثقل برواتب تتخطى 7 مليارات جنيه، بينما 50 في المئة ممن يتقاضون هذه الرواتب غير موجودين ولكي نلبي مطالب الأساتذة والمعلمين نحتاج إلى 15 مليار دينار.”

مطالب ووعود

يلخص العلام، مطالب أعضاء هيئة التدريس في تحقيق العدالة الإجتماعية في الأجور، وضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 دينار شهرياً، ووضع حد أعلى مقبول بما يتناسب مع مستوى التضخم والإنفاق وميزانية الدولة. إضافة إلى منح الحق في البعثات الخارجية لمن يستحق، وصرف مستحقات لحضور المؤتمرات الخارجية والتي توقف صرفها منذ عام 2015، وإمداد الجامعات بالحد الأدنى من الإمكانيات اللازمة للقيام بدورها، وتفعيل قانون التأمين الصحي للأساتذة.

يتفق كثيرون مع مطالب الأساتذة ويرون أنها محقة وعادلة. لكنهم في نفس الوقت يختلفون مع أسلوب مطالبتهم خاصة فيما يتعلق بالإضراب عن العمل.

قال إبراهيم الساحلي، نائب رئيس الإتحاد العام للطلبة الليبيين مع العلام. قال “نحن ضد أي مساس بالعملية التعليمية وحقوق الطلاب. هناك طرق أخرى للحصول على الحقوق.”

“أتمنى أن يكون راتب المعلم الأعلى في الدولة. لكننا نواجه خللا كبيراً. قطاع التعليم مثقل برواتب تتخطى 7 مليارات جنيه، بينما 50 في المئة ممن يتقاضون هذه الرواتب غير موجودين ولكي نلبي مطالب الأساتذة والمعلمين نحتاج إلى 15 مليار دينار.”

عثمان عبد الجليل
 وزير التعليم المستقيل بحكومة الوفاق

كما تبدي أمال عبد المنعم، طالبة في السنة الثانية في كلية الآداب بجامعة الزاوية، تخوفاً حول مستقبلها الدراسي. قالت “الفصل الدراسي قصير للغاية وسيكون من الصعوبة تعويضه. أخشى أن يضيع العام الدراسي علينا.”

مع ذلك، يعتقد العلام أن الحل في يد المجلس الرئاسي لإمتلاكه المال والسلطة. قال”حال تم الإتفاق على تحقيق مطالبنا سيتم تعليق الإضراب. نحن حريصون على مستقبل الطلاب، وسنقوم بتعويضهم حال إقرار المطالب باستكمال الدراسة في شهر رمضان، وفي العطلات الأسبوعية والإجازات ومن خلال الأجازة الصيفية.”

في أثناء ذلك، يتمنى علي، المدرس المساعد في جامعة مصراته، العودة للعمل في جامعته. قال “إذا كان لدي دخل كاف ، فلن أضطر إلى العمل وترك دراستي وطلابي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى