أخبار وتقارير

توقعات مؤشر رأس المال البشري لمستقبل الشباب العربي

سيحقق الكثير من الشباب المولودين في المنطقة العربية اليوم أكثر بقليل من نصف إمكاناتهم المحتملة، بحسب مؤشرات البنك الدولي.

بحسب المقياس الجديد، المُسمى مؤشر رأس المال البشري، تعتبر البحرين الأفضل أداءً في المنطقة، حيث يتوقع الشباب تحقيق 67 بالمئة من إمكاناتهم. من ناحية أخرى، يواجه الشباب في موريتانيا أكبر العقبات في المنطقة؛ ويقدر المؤشر أن الأطفال حديثي الولادة هناك يمتلكون فرصة بنسبة 35 في المئة فقط لتحقيق إمكاناتهم.

لكن الاقتصاديين يقولون إن مقاييس المؤشر لا تمثّل سوى جزء من الصورة – عندما يؤخذ دخل البلد في الاعتبار، تبدأ الفوارق في الظهور. فيما يتعلق بتشجيع رأس المال البشري، يبدو أن بعض دول الخليج لا تعمل كما هو متوقع، إذا ما أخذت ثروتها في الإعتبار، في حين أن بعض البلدان متوسطة الدخل، مثل الأردن أو فلسطين، تحقق بالفعل أداءً أفضل من المتوقع.

قال فيتو تانزي، الأستاذ المساعد في السياسة الصحية والإدارة في الجامعة الأميركية في بيروت، “كنتُ أعتقد أن الأرقام ستكون أعلى بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي. تبلغ النسبة في قطر 62 في المائة، مع إنها تبدو كما لو أنها تملك جميع أموال العالم.”

كانت سنغافورة الأفضل أداءً في العالم بحسب هذا المقياس، حيث يمكن لشبابها أن يتوقعوا تحقيق 90 بالمئة من إمكاناتهم. فيما كانت تشاد، في الوقت ذاته، الأسوأ أداء في العالم بنسبة 29 في المئة. ويبلغ المتوسط العالمي، بالمقارنة، 57 في المئة.

نتائج إهمال رأس المال البشري

يجمع هذا المؤشر، وهو مكون رئيسي في مشروع رأس المال البشري التابع للبنك الدولي، قياسات التعليم وبقاء الأطفال على قيد الحياة والصحة العامة طوال فترة العمر.

يسعى المؤشر إلى الإجابة على الأسئلة التالية: هل سيبقى الطفل على قيد الحياة إلى سن المدرسة؟ إذا ما نجح في ذلك، هل سيتعلم القراءة والكتابة ويتمكّن من فهم الرياضيات؟ إذا كان الأمر كذلك، هل سيكون في صحة جيدة عند دخوله سوق العمل؟

وصف البعض مبادرة رأس المال البشري بأنها مشروع محبب للرئيس السابق للبنك الدولي، جيم يونغ كيم، الذي انضم إلى البنك بعد أن شغل منصب رئيس كلية دارتموث قبل أن يغادر فجأة في شباط/ فبراير، قبل ثلاث سنوات من التاريخ المتوقع لإنتهاء مدّته. يُنظر إلى البنك الذي تقوده الولايات المتحدة تقليديًا بشك في بعض الجهات في الشرق الأوسط، على اعتباره مؤسسة ليبرالية جديدة تحاول الترويج لأشكال مكررة من رأسمالية السوق الحرة الغربية في الدول العربية.

قد ينتقل هذا الشك ليطال مشاريع مثل مؤشر رأس المال البشري. ومع ذلك، يقول تانزي إنه على الرغم من أن المقياس ليس مثاليًا، إلا أنه أداة مفيدة للقياس والبحث.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص. 

من الناحية النقدية، يعمل المؤشر أكثر من مجرد الإشارة إلى أن التعليم والصحة مهمان لنجاح أي بلد. إذ يحدد تكلفة عدم إجراء تحسينات في هذه المجالات. على سبيل المثال، تنبأ المؤشر بأن جيل العراقيين الذين يولدون اليوم لن يكونوا منتجين بأكثر من 40 في المئة فقط من قدرتهم الحقيقية في حال توفر لهم تعليم ورعاية صحية مثاليين. وهذا يعني فعليًا أنه إذا ما استمر العراق دون إصلاحات وتحسينات، فستتكلف البلاد 60 في المئة من دخلها على المدى الطويل.

“تدرك دول مجلس التعاون الخليجي جيدًا أوجه القصور لديها. المشكلة الكبرى التي يواجهونها هي الأمراض غير المعدية.”

حنين السيد
 مديرة برنامج التنمية البشرية في العراق ولبنان وسوريا لصالح البنك الدولي

تدابير الصحة والتعليم

قالت روبرتا جاتي، كبيرة الاقتصاديين في مجال التنمية البشرية في البنك الدولي، “المعيار الذي تقاس به كل دولة هو المستوى الذي يعيش فيه جميع الأطفال، فضلاً عن ذهابهم إلى المدرسة لمدة 14 عامًا وتلقيهم لتعليم على مستوى عالٍ. أي أن أياً منهم لا يعانون من التقزم في صحتهم وأنهم جميعًا يعيشون حتى سن الستين. عندما تنظر إلى المؤشر، لن تجد أي دولة تحقق نسبة 100 بالمئة.”

لقياس جودة التعليم المدرسي، تستخدم جاتي وفريقها بيانات من منظمات مثل برنامج تقييم الطلاب الدولي، المعروف اختصارًا باسم اختبار PISA، الذي يجمع بيانات حول أداء التعليم في جميع أنحاء العالم. (اقرأ التقرير ذو الصلة: تحليل واقع التعليم العربي من خلال اختبارات تقييم الطلاب الـ PISA).

بهدف فهم جودة الرعاية الصحية ومعدلات بقاء الأطفال على قيد الحياة، يستخدم محللو البنك الدولي البيانات التي تجمعها الأمم المتحدة. كشفت الأبحاث الحديثة عن غياب الدقة على نطاق واسع في شهادات الوفاة في المنطقة العربية – في حين أن هذه المشكلة تلقي بظلال من الشك على دقة البحوث التي تعتمد على استخدام شهادات الوفاة لتحديد سبب الوفاة، إلا أن تأثيرها أقل على الجهود المبذولة لتقييم معدلات البقاء بشكل عام. (اقرأ التقرير ذو الصلة: البيانات غير الدقيقة تؤثر على الأبحاث المتعلقة بأسباب الوفاة في الدول العربية).

something didnt work here
على مستوى العالم، يبدو أن شباب سنغافورة الأكثر احتمالا في العالم للاستفادة من كامل إمكاناتهم فيما كان شباب تشاد الأقل قدرة على ذلك. تتصدر البحرين دول المنطقة العربية، فيما تحتل الإمارات المركز الثاني. (التصميم: بنجامين بلاكيت/ مصدر البيانات: البنك الدولي)

عندما يتم أخذ ثروة كل بلد في الاعتبار، تبدأ بيانات المؤشر الخاصة بالمنطقة العربية في رسم صورة أكثر تعقيدًا. على سبيل المثال، يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر مبلغ 65,000 دولار أميركي، في حين أن مؤشر رأس المال البشري لديها هو 61 في المئة، وهو أحد أفضل المؤشرات في المنطقة. يفوق نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الأردن ما يزيد قليلاً عن 4,000 دولار، لكن مؤشر رأس المال البشري هناك يتخلّف بخمس نقاط مئوية فقط عن قطر.

يشير تانزي، من الجامعة الأميركية في بيروت، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بمزايا أخرى، حيث يقول “دول مجلس التعاون الخليجي أكثر تجانسًا أيضًا. وليس لديهم لاجئون بنسبة تؤخذ في الاعتبار.”

أداة تنبؤ أساسية جيدة

تقول جاتي إن هذا الافتقار النسبي لإداء بارز لم يمر من دون أن تلاحظه الحكومات في الخليج. قالت “هناك اعتراف بأنهم بحاجة إلى الانتقال من الاستثمار في البنية التحتية إلى الاستثمار في رأس المال البشري.”

توافقها زميلتها حنين السيد، مديرة برنامج التنمية البشرية في العراق ولبنان وسوريا لصالح البنك الدولي.

قالت “تدرك دول مجلس التعاون الخليجي جيدًا أوجه القصور لديها. المشكلة الكبرى التي يواجهونها هي الأمراض غير المعدية.”

تضرّ الأمراض غير المعدية بإنتاجية منطقة الخليج من خلال الوفاة المبكرة والعجز في مرحلة البلوغ – على سبيل المثال، يقدر بعض الخبراء أن بدء الإصابة بمرض السكري في دولة الإمارات العربية المتحدة يحدث بسرعة تصل إلى عشر سنوات أبكر من وقت الإصابة به لدى السكان الآخرين. (اقرأ التقرير ذو الصلة: باحثون إماراتيون: القدمان مفتاح لعلاج مرض السكري).

عوضًا عن ذلك، تعتبر قصص البلدان ذات الدخل المتوسط في العالم العربي قصص النجاح النسبية في المنطقة – على الرغم من وجوب القيام بالكثير من التحسينات. يقول تانزي إن بلدانًا مثل لبنان والأردن تعاني من انعدام مساواة أكبر بين المجموعات الاجتماعية والاقتصادية، وهي أمور ليست بالضرورة واضحة أو صريحة في أعمال مؤشر رأس المال البشري. ويشك في أن هذا، إلى جانب عدد كبير من اللاجئين، هو أحد العوامل التي تحدّ من أداء لبنان في التصنيف العالمي.

قال “المقياس أداة تنبؤ أساسية جيدة، لكن، وكمثل كل شيء في الحياة، فإنها بحاجة إلى إلقاء نظرة على التفاصيل التي تتجاوز الأرقام. من الناحية الواقعية، لا يمكنك تلخيص كل شيء في رقم واحد فقط.”

تعترف السيّد وجاتي، من البنك الدولي، بهذا النقد. وتتفقان على أن مقياس رأس المال البشري لا يشمل كل المقاييس، وهو ما سيكون في الواقع مهمة شبه مستحيلة.

مزايا مبكرة للفتيات

في جميع البلدان في العالم العربي، كان أداء الفتيات أفضل من الأولاد – عادة بنسبة بضع نقاط مئوية فقط. فيما كانت قطر صاحبة أكبر فجوة بين الجنسين، حيث من المتوقع أن تحقق الفتيات ما يصل إلى ست نقاط مئوية أكثر من نظرائهم من الذكور. لكن هذا النمط لا ينطبق إلا على الفتيات في سن يسبق الـ 18 عامًا، بحسب السيد.

قالت السيد “في معظم المؤشرات، تحقق الفتيات أداء أفضل من الأولاد وليس هذا هو الحال في المناطق الأخرى. يتمثل الجانب الآخر عند دخولك سوق العمل، هناك وضع مختلف.”

يبدو أن هذا الأمر صحيح بالنسبة للتركيب الجنساني للوظائف الأكاديمية في المنطقة؛ غالبًا ما يكون هناك العديد من الأساتذة النساء في المناصب الأقل، لكن قلة قليلة من النساء يشغلن المناصب العليا. (اقرأ التقرير ذو الصلة: المرأة العربية ما زالت بعيدة عن قيادة المؤسسات الأكاديمية.)

وبينما يبدو الأمر مُشجعًا أن نرى إنجاز الفتيات الصغيرات بشكل جيد في سنوات شبابهن، تشير البيانات إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لضمان ترجمتها إلى نجاح وإنتاجية في حياتهم عند التقدم بالسن. يمكن للبيانات التي تحتاج إليها مشاريع من قبيل هذا المؤشر أن تمكّن الحكومات والوزارات من معالجة هذه القضايا من خلال نهج قائم على الأدلة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى