أخبار وتقارير

الفلسفة بدل السياسة: سلاح بختيار علي لكسر الصمت

يشتهر الروائي والشاعر وكاتب المقالات الكردي بختيار علي بروايته “نظرتُ مليّا إلى ليل المدينة“، والتي تُعدّ من أكثر الكتب مبيعًا في إقليم كردستان العراق ويُعتقد أنها أول رواية تُترجم من اللغة الكردية إلى الإنجليزية.

الآن يعكف علي ومترجمه كريم عبد الرحمن على إنهاء رواية علي التالية، آخر رمّان الدنيا، والتي يأمل المؤلف في نشر ترجمتها العام المقبل. وقد قرأ مقتطفًا منها في مهرجان شباك في لندن في تمّوز/ يوليو.

تدور أحداث رواية علي المقبلة في تركيا وتستكشف السياسة القمعية والعنصرية للأنظمة المتعاقبة بعد أتاتورك، مؤسس الدولة الحديثة وأول رئيس لها، وكيف تم قبول التمييز ضد الأقليات العرقية كقاعدة.

قال علي “ستكون هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن بيئة غير كردية وغير عراقية. هناك جانب مظلم للتاريخ التركي لا يتحدث عنه سوى القليل من الناس. أعتقد أن من واجب الأدب الكشف عن التناقضات المتأصلة في الخطاب القومي والعنصري.”

يعتبر الأكراد أكبر أقلية عرقية في تركيا، حيث يشكلون حوالي 20 في المئة من السكان، وقد واجهت ثقافتهم درجات متفاوتة من القمع على مر السنين. هناك ما يقدر بنحو 45 مليون كردي في جميع أنحاء العالم، ويتركزون في منطقة جغرافية تعرف باسم كردستان، وهي تضم أجزاء من إيران والعراق وسوريا وتركيا.

 الولع بالأدب

ولد علي في السليمانية، في المنطقة الكردية من شمال العراق، في عام 1960. وهو يعيش الآن في بون بألمانيا. حصل على منحة  PEN Promotes للأدب المترجم في عام 2015 وجائزة نيللي ساكس في عام 2017.

متأثرًا بمسرحيات جان بول سارتر، كان علي مفتونًا بالطريقة التي يستخدم بها الأدب كناقل للأفكار الفلسفية الهامة. على الرغم من دراسته للجيولوجيا في سنوات دراسته الجامعية، إلا أن شغفه بالأدب ظل ملاذه الدائم، لاسيما خلال السنوات المضطربة من الحرب العراقية الإيرانية، “إحدى أكثر الحروب سخافة في التاريخ”، على حدّ وصفه.

قال علي “كانت وحشية السياسة في ذلك الوقت مخيفة. كنتُ أشعر بالغربة في دوائري الخاصة. كان كل أصدقائي متورطين في الحركات السياسية في ذلك الوقت. قرأت الكثير كوسيلة لنسيان الظروف المحيطة بي.”

بتعذر مواصلته دراسته في الجامعة ورفضه الانضمام إلى الجيش والقتال إلى جانب القوات العراقية، تحول علي إلى الكتابة. أتاح له ذلك الانقطاع في حياته الأكاديمية مساحة لتطوير مهنته في الكتابة، والتي بدأها بكتابة القصائد والمقالات.

قال “كنت مرتابًا للغاية في قدرة السياسة على انقاذنا. في زمن الحرب والدكتاتورية، يقدم الأدب الملاذ الأخير للحرية. العلم طريقة لفهم العالم، لكن الأدب يساعدنا على النجاة من ويلات الحياة.”

في ظل النظام البعثي للرئيس العراقي السابق صدام حسين، نشر علي القليل من الأعمال نسبيًا بسبب الرقابة الشديدة. ولم ينشر ما كتبه إلا بعد سنوات، حيث نُشر الشعر الذي كتبه في الفترة من 1983 إلى 1986 في عام 1992. ونُشرت أول رواية كتبها في عام 1987 في السويد في عام 1996.

“هناك جانب مظلم للتاريخ التركي لا يتحدث عنه سوى القليل من الناس. أعتقد أن من واجب الأدب الكشف عن التناقضات المتأصلة في الخطاب القومي والعنصري.”

بختيار علي  

قال “لم يكن النشر هدفي في ذلك الوقت. كنت خائفًا في الغالب من رقيبي الداخلي، والمخاوف التي ورثتها، والتحيزات التي فرضت عليّ والتي استوعبتها من دون رغبة. كان كفاحي الرئيسي ضد هذا النوع من الرقابة اللاواعية. في الشرق، لا يقتصر الأمر على الرقابة السياسية فحسب، بل على شبكات الرقابة الدينية والأخلاقية والإيديولوجية. ككُتاب، علينا أن نواجه كل هذه المحرمات. في كردستان، لا توجد رقابة مباشرة من قبل السلطات، لكن هناك تخويف سياسي واجتماعي وديني لا يقل شدّة أو قسوة عن الرقابة المباشرة.”

كانت فترة الكتابة الأكثر غزارة لعلي بعد انتفاضة عام 1991 ضد نظام صدام، والتي أسفرت عن استقلال فعلي للمنطقة الكردية في العراق وما تلاها من تخفيف للرقابة الخانقة للدولة البعثية. وبينما تم الاحتفاء بالإنجاز باعتباره انتصار تاريخي، يقول علي إنه “يلقي الضوء أيضًا على الفراغ الفكري للحركة القومية”، التي لم تكن قادرة على مواكبة التغيرات المهمة خلال تلك الفترة.

قال “ما زالت مدارس الفكر الكردية السياسية السائدة تتشبث بذات التفاهات الأيديولوجية الضحلة. كنا بحاجة لمعالجة مسائل حديثة مثل: لماذا أدت محاولات الثورة إلى انتكاسة وانحدار في القيم الإنسانية؟ أو لماذا فشلت محاولات التحديث في المجتمعات الشرقية؟”

هكذا أسس علي ومجموعة من زملائه من المثقفين مجلة آزادي (وهو الاسم الكردي لكلمة “الحرية”) بهدف الإجابة على هذه الأسئلة. قال علي “كانت المجلة الخطوة الأولى لإيجاد فحص نقدي للماركسية العقائدية والفكر القومي المنعزل.”

عدم الثقة في الأيديولوجيات

في كتاباته، يسعى علي جاهداً للتأمل. ويقول إن القليل من الناس يتحلون بالشجاعة الكافية للتعامل مع هياكل السلطة التقليدية في المجتمع الكردي بعيون نقدية وتبديد ما وصفه بأنه أوهام عرقية ودينية.

قال “في الشرق، لدينا مجتمعات كاملة تخشى مواجهة أسرارها وتاريخ فظائعها ومواجهة الأوهام المحيطة بها، ولم يعتد القراء على الكتابة الخالية من الأدلجة. لقد أدت الحلول السياسية لمشاكلنا إلى مزيد من الفاشية والدمار. لا أدعي تقديم أي حلول في كتبي؛ لكنني أقدم ببساطة أسئلة تتعلق بمسؤولياتنا كبشر. الأسئلة الأساسية في كتاباتي أسئلة أخلاقية عن معنى التضامن الإنساني بغياب الأيديولوجية، الإثنية أو الدينية.”

تستكشف روايته “نظرتُ مليّا إلى ليل المدينة” (والتي حملت في الأصل عنوان “غزلنوس وحدائق الخيال”)، موضوعات الفساد والاستبداد بين النخبة السياسية وجهود الفنانين والمثقفين للالتزام بمبادئهم والازدهار في هذه البيئة. كما إنها ترمز إلى نضال الكتاب من أجل التحرر من سيطرة الأحزاب السياسية، التي، كما أشار عبد الرحمن في مقال له في عام 2008 لهيئة الإذاعة البريطانية، تمتلك معظم دور النشر في المنطقة.

لا يؤمن علي كثيرًا بقدرة السياسة على إحداث تغيير حقيقي وصادق، وهذا هو السبب في تجنبه إحداث بعد سياسي في كتاباته، ما لم يكن ذلك لفضح ميولها المدمرة.

“أدت الحلول السياسية لمشاكلنا إلى مزيد من الفاشية والدمار. لا أدعي تقديم أي حلول في كتبي؛ لكنني أقدم ببساطة أسئلة تتعلق بمسؤولياتنا كبشر. الأسئلة الأساسية في كتاباتي أسئلة أخلاقية عن معنى التضامن الإنساني بغياب الأيديولوجية، الإثنية أو الدينية.”

بختيار علي  

قال “يولد الناس في هذا الجزء من العالم محمّلين بالكراهية السياسية والولاء السياسي …. السياسة هنا تمثل تدهور المسؤوليات الأخلاقية؛ إنهم يبنون الجدران فقط ويخلقون حواجز بين الناس من هويات مختلفة. أنا أحاول إيجاد المساحات البشرية المشتركة خارج إطار السياسة.”

تصف هوزان محمود، الكاتبة والناشطة النسوية ومؤسسة مجلة المشروع الثقافي الكردية، أسلوب بختيار في الكتابة بأنه “شعري” و”غامض”.

قالت “بختيار علي اسم معروف في كردستان. لقد أصبح معروفًا لمعظم القراء في منتصف التسعينيات، في ذروة الحرب الأهلية الكردية وفي سنوات التوتر والفساد وأمراء الحرب التي تلتها. تتحدث كتاباته عن أرواح الذين عاشوا سنوات الحرب تلك وتعاملوا مع تداعياتها.”

يأمل علي أن يحارب أدبه “العقل الجمعي” ويشجع على التعبير عن الهوية الفردية، متحررة من طرق التفكير والوجود التي يفرضها المجتمع الأكبر.

قال “نادراً ما يتحدث الناس هنا عما يفكرون فيه وما يشعرون به. أن تدفعهم للحديث جزء مهم جدًا من العمل. تحاول معظم شخصياتي كسر الصمت وتحدي الأعراف الاجتماعية والسياسية والنجاة من دون الاضطرار إلى الغوص في مستنقع السياسة الدموي العنيف.”

وأضاف “أنا أرفض تقديم رؤى طوباوية أو حلول لا تأخذ بعين الاعتبار العالم الداخلي للإنسان. لقد كان تصوير ولادة القوة الخفية والمقموعة للفرد هدفي على الدوام. أنا أؤمن بالذكاء الفردي، وليس بالعقل الجمعي.”

Countries

تعليق واحد

  1. يحاول بختيار ات يركز علی الافراد المهمشە فی المجتمع ولدیە لغتە الخاصة في الكتابة خصوصا من حيث التكنيك و انه مبدع متعدد الابعاد اي يكتب في عدة مجالات مثل الشعر و الرواية و القضايا الفكرية و باحترافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى