أخبار وتقارير

الاستنزاف يهدد الموارد المائية للمنطقة العربية

تعاني 18 دول عربية من أصل 22 من نقص شديد في المياه، فيما توجه 8 دول أخرى أزمة في توفيرها نتيجة الطلب المتزايد، بحسب بيانات جديدة نشرت مؤخراً.

قال روتجر هوفسته، الباحث بمعهد الموارد العالمية (WRI) والكاتب الرئيسي لمقال يحلل البيانات الجديدة “إذا حدثت سنة جافة، ستواجه هذه الدول عواقب وخيمة. وهذه الأحداث الجافة ستزداد سوءًا مع تغير المناخ.”

يقدم هوفسته تحليلاً للبيانات، نُشر الشهر الحالي على منصة “أكواداكت 3” التابعة لمعهد الموارد العالمية، ًقائماً على حساب مقدار المياه المسحوب من مصادر المياه السطحية والجوفية في كل منطقة مقارنة بإجمالي المياه المتاح. أما عن الأسباب وراء هذه النتائج فتعود أولاً للتغييرات المناخية وثانياً للطلب المتزايد على المياه بسبب النمو الاقتصادي والسكاني.

قال “عمليات سحب المياه تتضاعف عالمياً، وهذا يؤثر بصورة كبيرة.”

استهلاك متزايد

تشير البيانات إلى ارتفاع المعدل العالمي لسحب المياه، أو كمية الماء العذب المستخرج من مصادر المياه الجوفية والسطحية، مرتين ونصف بين عامي 1961 و 2014. كما سجل الطلب على المياه لري المحاصيل زيادة بأكثر من الضعف خلال نصف القرن الماضي، ويشكل الري نحو 67 في المئة من المياه المستخدمة كل عام. وتطلبت الصناعات في عام 2014 ثلاثة أضعاف كمية المياه مقارنة بعام 1961، وهذا يمثل حاليا 21 في المئة من إجمالي عمليات السحب. في ذات الوقت، يساهم الاستخدام المنزلي بنسبة 10 في المئة من استهلاك المياه المسحوبة، وهو ما يزيد على ستة أضعاف مقارنة بعام 1961.

عربياً، تأتي قطر، ولبنان، والأردن، وليبيا، والكويت، والسعودية، والإمارات، والبحرين وسلطنة عُمان ضمن قائمة الدول التي تواجه الخطر الأكبر في نقص المياه نتيجة لسحب 80 في المئة من مياهها لأغراض الزراعة والصناعة واحتياجات المدن سنوياًمما يفاقم الإجهاد المائي. تليها المغرب ومصر والجزائر وتونس وجيبوتي (اقرأ التقرير ذو الصلة: مشاكل المياه وراء انعدام المساواة في تونس)، بالإضافة إلى اليمن وسوريا – اللتين تشهدان حروباً مستمرة منذ أكثر من 8 أعوام – حيث يتم سحب أكثر من 40 في المئة من المياه لذات الغرض.

كما تقع السودان وموريتانيا ضمن مجموعة البلدان التي وجدها المعهد بمستوى “متوسط مرتفع” من الإجهاد المائي، حيث يستخدم ما يتراوح بين 20 و 40 في المئة من احتياطيات المياه المتجددة سنويًا. بينما تقع الصومال  في المدى المنخفض إلى المتوسط ، حيث تستخدم حوالي 10 بالمئة من احتياطياتها سنويًا. ولم يتم تضمين جزر القمر في بيانات المعهد.

قال جواد الخراز، مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لأبحاث المياه (MEDRC)، وهي منظمة دولية مقرها سلطنة عُمان،  “نتائج التقرير غير مفاجئة بالنسبة لي ولا أعتقد أنها ستكون مفاجئة لأي خبير يعمل في قطاع المياه، غير أنه من الضروري إصدار مثل هذه التقارير لتذكير الجميع بالأخطار المتعلقة بالإجهاد المائي وضرورة معالجتها بسرعة وإعطاء الحلول المستدامة“.

بدوره، قال نادر نور الدين، أستاذ التربة والموارد المائية في جامعة القاهرة،”لابد من إعادة ترتيب أولويات استخدام المياه والبحث عن مصادر بديلة.”

تعاني مصر، بحسب نور الدين، من عجز يصل إلى 42 مليار متر مكعب سنويا. قال “لدينا 5 محاصيل رئيسية تستهلك 65 في المئة من إجمالي المياه.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: بحوث حثيثة لحماية موارد مصر المائية).

يتفق أسامة سلام –الأستاذ المساعد بالمركز القومي للبحوث بمصرومدير مشروعات المياه بهيئة البيئة في أبوظبي، مع نور الدين في ضرورة البحث عن مصادر بديلة للمياه.

قال “مصر بحاجة إلى إعادة تقييم دور المياه الجوفية وتحلية مياه البحر؛ لإعادة تخصيصهما كمصادر للمياه العذبة، لمواجهة نقص المياه المتوقع في المستقبل القريب، بسبب النمو السكاني الذي يقدر بـ2.05 في المئة سنويًّا، وارتفاع معدل الاستهلاك السنوي للفرد الواحد من المياه المنزلية لحوالي 102 متر مكعب، والآثار السلبية المتوقعة بعد تشغيل سد النهضة الإثيوبي.”

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

من جهة أخرى، تكشف الدراسة أن العديد من المناطق التي تعاني من “إجهاد مائي شديد” تقع في مناطق الصراعات، ويمكن أن تكون المياه عاملا مساهما في دعم الصراعات. تشمل هذه المناطق إسرائيل وليبيا واليمن وأفغانستان وسوريا والعراق. كما تعاني العديد من المناطق التي تضطر إلى استيعاب أعداد كبيرة من النازحين، مثل الأردن وتركيا، من إجهاد مائي.

قال ماهر أبوماضي، أستاذ المياه بمعهد الدراسات البيئية والمائية بجامعة بيرزيت، ” الوضع المائي صعب جدا على الصعيد العالمي وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط. لكن أزمة المياه في معظم هذه الدول سياسية وادارية وليست فيزيائية.”

يبدي ماهر دهشته من تواجد الكيان الإسرائيلي في مرتبة متقدمة برغم وجود بحيرة طبريا ونهر الأردن  والمياه الجوفية وتحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة. قال “هذا تضليل وبعيد كل البعد عن الصحة. أعتقد أن هذه النتيجة هي بسبب دمج الوضع الفلسطيني ضمن بيانات الاحتلال.”

بحسب أبوماضي، فإن هناك فرق كبير بين الوضع في فلسطين والكيان الإسرائيلي خاصة لجهة الإمكانيات المالية الكبيرة لدى القوات الإسرائيلية وهذا ينعكس على الإستثمار في البنية التحتية والتقنيات اللازمة في قطاع المياه.

قال “لدى الاحتلال مشاريع تحلية مياه البحر وأخرى لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها. أما في فلسطين فالوضع ما زال في البدايات وينتظر الحصول على الحقوق المائية من الإحتلال أولاً.”

حلول ممكنة

يشير هوفسته، الباحث في معهد الموارد العالمية ، إلى الحاجة إلى ممارسات جيدة لإدارة المياه خاصة وأن العوامل الاجتماعية والاقتصادية هي المحرك الرئيسي للضغط على موارد المياه في العالم. قال “يمكن للبلدان التي تواجه تحديات المياه أن تتعامل مع أزماتها”.

كما تؤكد ليا شلايفر ، الباحثة وزميلة هوفست في المعهد ، على دور الحكومات في الاستجابة بشكل أفضل لأزمات ندرة المياه.

قالت ليا شلايفر الباحثة بالمعهد “يجب على هذه البلدان أولاً قياس إمدادات المياه والطلب عليها، لفهم الأسباب. ومن ثم الاستثمار في حلول ممكنة مثل معالجة وإعادة إستخدام مياه الصرف الصحي، وزيادة الكفاءة الزراعية  وإصلاح البنية التحتية.”

بحسب دراسة للبنك الدولي في عام 2018 فإن حوالي 82 في المئة من مياه الصرف الصحي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يعاد استخدامها. (اقرأ التقرير ذو الصلة: بحوث تدوير المياه رهن قبول المزارعين).

فعلى سبيل المثال، تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بتحلية أكثر من 2 مليار متر مكعب سنويا إضافة إلى إعادة استخدام 70 في المئة من مياه الصرف الصحي والتي ستصل الى 100 في المئة بنهاية العام الحالي، بحسب كمال ربيع الباحث بالمركز القومي للبحوث الزراعية في مصر.

قال “تضم منطقة الخليج الآن أكبر عدد من محطات تحلية المياه في العالم، بطاقةٍ إجمالية تبلغ 11 مليون متر مكعب في اليوم، أي ما يعادل حوالي 50 في المئة من الإنتاج العالمي اليومي من المياه المُحلَّاة.”

كما تقوم سلطنة عُمان، وهي دولة تعاني من نقص مياه مرتفع للغاية، بمعالجة  100 في المئة من مياه الصرف الصحي المجمعة وتعيد استخدام 78 في المئة منها.

قالت شلايفر “تسخير هذا المورد يمثل فرصة كبيرة لزيادة إمدادات المياه.”

Countries

تعليق واحد

  1. سوء الادارة للموارد المائية وخاصة في الدول العربية يعد السبب الرئيس بل قبل التغييرات المناخية….كمية المياه التي تمتلكها أي دولة، ليس رقمًا ذا مغزى، كون كمية المياه المتاحة تعتمد على مدى جودة إدارة هذا المورد ونوع الاستخدام؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى