يلتقط التاريخ الشفوي، الذي يتطور بالتدريج ليصبح تخصصًا أكاديميًا، الزوايا الخفية المحتملة للسجل التاريخي من خلال الاستماع إلى أولئك الذين تم تجاهل أصواتهم فيما مضى.
قال ويسلي هوغان، مدير مركز الدراسات الوثائقية في جامعة ديوك في الولايات المتحدة، والتي قد تكون أفضل معهد أكاديمي في هذا المجال، “يمثل التاريخ الشفوي تحديًا كبيرًا للأشخاص الأقوياء، بمن فيهم المؤرخين، الذين يعتقدون أنه يتعين عليهم تحديد مَن يروون قصصهم وما يكن اعتباره بمثابة دليل.”
في العالم العربي، حيث يعكس التاريخ الرسمي وجهات النظر السياسية، يلعب التاريخ الشفوي دوراً متزايد الأهمية، بحسب الباحثين. تقول روزماري صايغ، وهي عضوة هيئة تدريس متقاعدة في الجامعة الأميركية في بيروت والتي استخدمت التاريخ الشفوي لتسجيل قصص الفلسطينيين الذين سُلبت أرضهم، إن للتاريخ الشفوي قيمة خاصة في تسجيل وضع وتجارب النساء، والعاملين في الزراعة والصناعة، والأقليات اللغوية، والمجتمعات التي خضعت للاستعمار والمهاجرين واللاجئين والغجر.
قالت هنا سليمان، طالبة الدكتوراه في جامعة كامبريدج ومديرة أرشيف التاريخ الشفوي الفلسطيني في الجامعة الأميركية في بيروت، “إن أقوى ما يمتاز به التاريخ الشفوي هو إجبار الباحث على النظر إلى الموضوع في عينه – مما يجبر المؤرخ على أن يكون عالمًا إثنيًا، ويجلس فعليًا وجهًا لوجه مع الرواة، ويستمع إلى صوتهم ويستشعر بمشاعرهم ولغة جسدهم. يجعلك ذلك على اتصال مع سرد كامل للحياة.”
تصف جمعية التاريخ الشفوي، ومقرّها الولايات المتحدة الأميركية، هذا المجال بأنه يقوم بجمع والحفاظ على وتفسير روايات الأشخاص والمجتمعات والمشاركين في أحداث الماضي. يعتبر المجال أيضًا أقدم أشكال توثيق التاريخ، ويعود تاريخه إلى الأوقات التي كانت فيها مشاركة القصص هي الشكل الوحيد لإنشاء سجل تاريخي. في الوقت ذاته، يُعد واحدًا من أكثر الوسائل حداثة لتوثيق التاريخ، مع التوسع باستخدام مسجلات الأشرطة.
تأسس التاريخ الشفوي باعتباره فرعًا أكاديميًا في منتصف الستينيات. قال هوغان من جامعة ديوك، “لفترة طويلة في الأربعينيات والخمسينيات لم يكن هناك وصول كافٍ إلى المعدات. لم نتمكن من الحصول على مسجلات الأشرطة المحمولة حتى العام 1963”.
كانت الباحثات في كلية سبيلمان، وهي تاريخيًا مؤسسة للنساء السود في أتلانتا، بولاية جورجيا، من أوائل من استخدم التاريخ الشفوي. حيث أخذ الأكاديميون مسجلات الأشرطة المحمولة إلى اجتماعات حركة الحقوق المدنية في منتصف الستينيات لتسجيل المناقشات ومقابلة المشاركين. على الرغم من القيمة الواضحة لوجود مثل هذه التسجيلات الفورية، إلاّ إن العديد من المؤرخين في ذلك الوقت كانوا ينظرون إليها بعين الشك.
قال هوغان “على الرغم من أن المؤرخين بدأوا في استخدام [مسجلات الأشرطة المحمولة] في أوائل الستينيات، إلا أن معظم أقسام التاريخ بدأت بالاعتراف بالتاريخ الشفوي كدليل في أواخر سبعينيات القرن العشرين فقط، لذلك استغرق المؤرخون وقتًا طويلاً جدًا حتى يكونوا على استعداد لقبول كون التاريخ الشفوي كدليل يمكن مقارنته بالأدلة المادية، مثل المجلات أو الوثائق المكتوبة.”
من أفضل ما قرأت خلال العام الحالي؛ إن البحث في التاريخ الشفوي يمكن الباحثين والمراكز البحثية التي توثق أعمالهم من تسجيل صورة حقيقية وقريبة إلى واقع الأحداث، مسبباتها ونتائجها بشكل كبير أصبح الآن متاحا بشكل كبير مع توفر وسائل التسجيل من هواتف نقالة ذكية وشبكات اتصال. انا شخصيا أنتمي إلى الأمة الشركسية التي حاربت القوى الاستعمارية المتمثلة في روسيا القيصرية التي احتلت أرضهم وهجرت الشعب في منتصف القرن التاسع عشر والقوى الاستعمارية الأخرى التي أثرت على حياة الشركس في مهجرهم ولا تزال حتى الوقت الحاضر. وقد يكون من الصعب تجميع الروايات الشخصية لما حدث قبل قرن ونصف، الا ان الكثيرين ممن عايشوا فترات التأقلم وجهود محو الهوية وأعمال الحفاظ على الهوية لاتزال تعيش بيننا ويمكن تسجيلها وحفظها واستخلاص العبر والدروس منها خدمة لأهداف الحفاظ على الأمة واقعا ومستقبلا.