أخبار وتقارير

البحوث المزيفة: مشكلة عالمية وعربية

يمتلك العلم القدرة على تحسين الصحة، وتعزيز الاقتصادات وإلقاء الضوء على المجهول في جميع أرجاء الكون. ويتابع معظم العلماء البحوث بأمانة وأهداف نبيلة. لكن عدداً قليلاً ومتزايدًا من الأوراق البحثية يتم سحبها من قبل المجلات لعدة أسباب منها الأدلة المزيفة وتضارب المصالح والانتحال، بحسب المتخصصين في مجال الاحتيال العلمي.

تعتبر البحوث القادمة من الصين من أكبر المخالفين. ومع ذلك، يُظهر تحليل جديد للبيانات أجرته الفنار للإعلام أن المشكلة منتشرة على نطاق واسع في المنطقة العربية، إذ تمتلك كل من مصر والمملكة العربية السعودية، وهما من بين الدول العربية التي تمتلك أعلى عدد من المقالات العلمية المنشورة، بعضًا من أعلى معدلات السحب في المنطقة. إذ يبلغ معدل سحب البحوث في مصر أكثر من ضعف المعدل في الولايات المتحدة وثلاثة أضعاف المعدل في المملكة المتحدة.

قال إيفان أورانسكي، الصحافي والمؤسس المشارك لـ Retraction Watch، وهي قاعدة بيانات عامة تقوم بفهرسة الأوراق البحثية، “للعلوم السيئة تأثير. إذ إنها تؤثر على الأشخاص الذين يجرون تجارب سريرية على نتائج مزيفة، كما أنها تؤدي أيضًا إلى انعدام الثقة في العلم بشكل عام.”

يقول أورانسكي إن سحب البحوث، وما هو أهم من ذلك، أي معرفة هذه الأمور جزء أساسي من تقدم العلوم. قال “ما لم يقم الباحثون أو محرّرو المجلات العلمية بسحب أو تصحيح النتائج الخاطئة علنًا، فإن الاستنتاجات العلمية غير الدقيقة يمكن أن تلوث المجموعة الأوسع من الأبحاث ذات الجودة.”

بإمكان محرري المجلات العلمية أو المؤلفين سحب مقال ونتائجه رسميًا لعدد من الأسباب، حيث يمكن أن يكون الباحث قد زيّف البيانات، أو ربما كانت أجزاء من المقال مُنتحلة أو قد تؤدي ظروف أخرى إلى التشكيك في النتائج.

قال أورانسكي “السبب الذي يهمني في سحب البحوث هو أنه، وعلى الرغم من أنه قد يكون مؤشرًا غير كامل، إلا أنه أحد الطرق التي يمكن أن تبلغنا بأن تصحيح العلم يحدث فعليًا.”

المخرجات بالمقارنة مع البحوث المسحوبة

باستخدام قاعدة بيانات Retraction Watch، تمكنت الفنار للإعلام من تحديد عدد الأوراق البحثية المسحوبة لكل بلد من بلدان جامعة الدول العربية منذ العام 1996. وبعدها قارنت الفنار للإعلام الأرقام الخاصة برفض البحوث بعدد الأوراق المنشورة في كل بلد في في ذات الفترة الزمنية باستخدام قاعدة بيانات معامل سميكاغو وكاونتري رانك Scimago Journal & Country Rank. وقد مكننا ذلك من حساب النسبة المئوية للأبحاث المرفوضة في كل بلد في الفترة من العام 1996 وحتى العام 2018.

https://www.bue.edu.eg/

على الصعيد العالمي، تبلغ نسبة الأوراق المسحوبة حاليًا حوالي 0.08 بالمئة سنويًا، حسب تقديرات أورانسكي. وقد ارتفعت هذه النسبة في السنوات الأخيرة.

something didnt work here

تظهر نتائج تحليل الفنار للإعلام أن للعديد من دول المنطقة معدلات منخفضة نسبياً من الأبحاث التي يتم سحبها. لكن بلدانًا أخرى، بما في ذلك بعض الدول التي تمتلك إنتاجاً مرتفعاً نسبيًا من المنشورات العلمية، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، تمتلك معدلات سحب عالية نسبيًا، على الرغم من عدم تجاوزها للصين تقريبًا. إلى حدٍ ما، توضح عمليات سحب البحوث أن العلوم تعمل وأن النتائج الخاطئة يتم اكتشافها والإبلاغ عنها، بدلاً من التستر عليها.

لم يتم سحب أي ورقة بحثية من جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والصومال واليمن على الإطلاق خلال الفترة الزمنية التي تم فحصها. لكن ربما يرجع ذلك إلى عدم وجود أبحاث أصلاً، ففي موريتانيا، على سبيل المثال، لم تُفتح أول كلية طب في البلاد إلا مؤخرًا.

قال أورانسكي “الدول التي لا يتم سحب بحوث فيها تعني أنه ليس هناك أحد يقوم بالبحث فيها، أو أن لا أحد يراقب البحوث.”

في الواقع، تمتلك البلدان التي ينعدم فيها سحب البحوث في العالم العربي مخرجات بحثية منخفضة للغاية. على سبيل المثال، أنتجت جزر القمر 157 ورقة بحثية فقط من العام 1996 وحتى العام 2018 – ولو حصلت حالة سحب واحدة فقط، لامتلكت الدولة الأرخبيلية أعلى معدل للبحوث المسحوبة في المنطقة.

 ارتفاع معدل البحوث المسحوبة في البحرين

تمتلك البحرين أعلى معدل للبحوث التي يتم سحبها في العالم العربي، حيث تم سحب 0.1201  في المئة من الأبحاث التي نشرها الباحثون في الدولة الخليجية بين عامي 1996 و2018.

قال أورانسكي “قد تبدو البحرين سيئة حقًا، لكن هذه ليست الصورة الكاملة.”

قد يكون الإحصاء السلبي نتيجة لمقالات كتبها عدد قليل من الباحثين المراوغين أو غير الأخلاقيين. تنتج البحرين عدداً صغيراً نسبياً من البحوث، حوالي 6,600 مقال في الفترة الزمنية التي درستها الفنار للإعلام. إذ لم يتم سحب سوى ثمانية أوراق بحثية في البحرين، لكن هذا كان كافيًا لجعلها أسوأ المتورطين في المنطقة. وتمتلك ليبيا قصة مشابهة جداً. وبالمقارنة، تنتج مصر أكثر الأبحاث في المنطقة بنشرها لما مجموعه 204,000 ورقة بحثية في ذات الإطار الزمني.

يمكن القول إن النتائج أكثر جدوى بالنسبة للبلدان ذات الثقافات البحثية الأكثر جوهرية، مثل الجزائر ومصر والمغرب ولبنان والمملكة العربية السعودية وتونس. تماثل معدلات السحب في الجزائر والمغرب تقريبًا المعدلات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن مصر ولبنان والسعودية وتونس تمتلك معدلات سحب تزيد عن ضعف معدل الولايات المتحدة.

لا يؤدي سحب مقالة علمية، داخل وخارج المنطقة العربية، إلى إنهاء آثارها السلبية. قد لا يجوز للباحثين في المستقبل الاستشهاد بالمقالات التي تم سحبها أو استخدام نتائجها لتصميم التجارب، ولكن في أثناء الوقت الذي يتم فيه سحب الورقة، ربما تكون نتائجها قد أدرجت بالفعل في التحليل التجميعي – وهي دراسة تجمع النتائج التجريبية لأوراق بحثية متعددة .

يعتبر هذا التشويه للبحوث ما ترغب بورنيما ماديفانان، الأستاذة المشاركة في قسم علوم تعزيز الصحة في جامعة أريزونا، في إنهائه. ففي مقال نشر هذا الشهر في مجلة الجمعية الطبية الأميركية JAMA للطب الباطني، اقترحت هي وزميل لها في أن يتخلص التحليل التلوي بأثر رجعي من نتائج الأبحاث المسحوبة.

تمتلك الصين أعلى معدل في العالم من الأبحاث المرفوضة، لكن معدلات الرفض في بعض الدول العربية عالية نسبيا أيضًا. (الانفوجرافيك: بنجامين بلاكيت، البيانات من ريتراكشن ووتش وقاعدة بيانات SJR.)
تمتلك الصين أعلى معدل في العالم من الأبحاث المرفوضة، لكن معدلات الرفض في بعض الدول العربية عالية نسبيا أيضًا. (الانفوجرافيك: بنجامين بلاكيت، البيانات من ريتراكشن ووتش وقاعدة بيانات SJR.)

أوصى الباحثان بضرورة إعطاء الدراسات التجميعية دورة حياة محددة، مما يعني أنه سيتعين على المؤلفين إجراء فحص دوري والتأكد من أن الأبحاث التي شملها التحليل لم يتم سحبها أو تصحيحها منذ نشر التحليل التلوي. وإذا ما حدثت تغييرات، سيتوجب عليهم إعادة إجراء التحليل.

قالت “في تحليلنا الخاص، وجدنا أن التقديرات المجمعة تغيرت في ثلث التحليلات عندما تمت إزالة بيانات الأوراق المزيفة.”

 تحسين العملية العلمية

من بين المآخذ على بحث Retraction Watch: إنه يراقب حالات الرفض في المجلات الصادرة باللغة الإنجليزية فقط. لكن أورانسكي منفتح على فكرة إدراج المقالات المنشورة باللغة العربية إذا كان أمناء المكتبات أو العلماء في المنطقة يرغبون في المشاركة. قال، “إذا أراد شخص ما مساعدتنا وإعلامنا عن وقت سحب ورقة محددة، فسنقوم بإدخالها باللغة العربية. سنكون سعداء بذلك.”

تقول ماديفانان إن الحل بالنسبة للأوراق البحثية المسحوبة لا يعني بالضرورة معرفة أي البلدان أو المناطق هي أكثر المتورطين سوءًا من غيرها. وتجادل بأن من المهم تحسين الطريقة التي يتم من خلالها الإبلاغ عن عمليات رفض البحوث والإعلان عنها. قالت “يتعلق الأمر بمسألة الشفافية وتعامل زملائك على مستوى.”

على سبيل المثال، قد تكون المجلات العلمية غامضة أحيانًا في شرح أسباب رفض مقال ما.

وبينما تشيد بـ Retraction Watch، تقول بأنه ليس من الصواب توقع أن يتولى صحافيون مثل أورانسكي مهمة تسجيل سحب البحوث بمفرده وتشعر بالقلق إزاء عدم قدرة Retraction Watch على المتابعة. قالت “إنه ليس كافٍ مقارنة بمعدل وسرعة نشر الأوراق البحثية. يجب أن يكون العلماء أكثر انخراطًا في العملية وأن يتحملوا المزيد من المسؤولية.”

يتفق أورانسكي بشأن كون النظم الحالية التي يطبقها العالم العلمي للتحقق من دقة المنشورات غير كافية. قال أورانسكي “لا أعتقد أن العلم معطل، أعتقد أن عملية التصحيح العلمي تحتاج إلى التحسين فحسب.”

Countries

‫2 تعليقات

  1. مقال قيم
    ان قضية نشر البحوث المزيفة والية سحبها وكيفة تأثير مثل هذه البحوث على مصداقية النتائج العلمية موضوع بالغ الحساسية والاهمية
    ان التحدي الذي يواجهه البحث العلمي يجب ان يأخد كاقضية قومية تضع له الدول آلية تنظيم تحفظ من خلالها مصداقية البحث العلمي ويحفظ فيه حق العلماء الحقيقون حتى لايختلط الحابل بالنابل
    كما ارى ان ذكر بعض الدول من حيث كمية الانتاج العلمي وما تم سحبه يجب ان يكون بعد دراسة شامله وعميقه جدا جدا ترتقي لان تكون مشروع لاطروحة دكتوراه او بحث بحد ذاتها
    تحياتي واحترامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى