أخبار وتقارير

اتفاق تقاسم السلطة في السودان يقصي روّاد التغيير

يقضي الاتفاق، الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي، بين المدنيين والقوات العسكرية في السوان إلى تقاسم السلطة بين الجانبين إلى حين إجراء الانتخابات بعد ثلاث سنوات من الآن. لكن النساء – اللاتي لعبن دورًا بارزًا في الثورة التي فرضت الاتفاق – تم تغيبهن عن طاولة المفاوضات.
كما يتساءل الطلاب والشباب الآخرون، الذين أجبروا الديكتاتور عمر البشير على التنحي في نيسان/ أبريل عما إذا كان سيتم تمثيلهم خلال الحكم المؤقت. إذ يراقب كل من تابع صعود البلاد إلى هذا الشكل الهش من الحرية واقع التقدم بعناية.

قالت تسنيم دهب، صحافية سودانية، “كانت المرأة ممثلة تمثيلا جيدا في الشوارع، وهو أمر لم يكن سهلاً. لكننا فوجئنا تمامًا بتمثيلنا الضعيف على منصات وسائل الإعلام وفي غرف التفاوض.”
وأضافت “أنا متأكدة من أن هذا لا يمكن أن يستمر. إذا لم تضم الحكومة المؤقتة تمثيلا عادلا للنساء، فأنا متأكدة من أن المتظاهرين في الشوارع سيطيحون بها.”

قوبلت الانتفاضة التي استمرت لمدة سبعة أشهر بعنف وحشي من جانب الحكومة، بما في ذلك حملة قمع في 3 حزيران/ يونيو أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 113 متظاهر وإلقاء أكثر من 40 جثة في نهر النيل، وفقًا للجنة أطباء السودان المركزية، التي تابعت الآثار الطبية للعنف. (دعا الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي إلى إجراء تحقيق في الهجمات التي نفذتها الحكومة).

“كانت المرأة ممثلة تمثيلا جيدا في الشوارع، وهو أمر لم يكن سهلاً. لكننا فوجئنا تمامًا بتمثيلنا الضعيف على منصات وسائل الإعلام وفي غرف التفاوض.”

تسنيم دهب –
 صحافية سودانية

احتجاجات الخبز
اندلعت المظاهرات المتفرقة الأولى في السودان – والتي يطلق عليها أحيانًا اسم “احتجاجات الخبز” – في كانون الأول/ ديسمبر، حيث وصل الاقتصاد إلى الحضيض وكانت الطوابير الطويلة تتشكل من أجل الوقود والخبز والحصول على النقد. لكن ما يتجاوز ذلك، بحسب المراقبين، يتمثل في إستياء المواطنين من الفساد الحكومي في خضم انتشار الفقر على نطاق واسع. شعر الكثير من السودانيين أنه لم يتبق لديهم شيء يخسرونه بسبب الاحتجاج.
في أوائل نيسان/ أبريل، تجمع متظاهرون بلغ عددهم عشرات الآلاف حول المقر العسكري في الخرطوم. كانت الحكومة قد أغلقت بالفعل مؤسسات التعليم العالي في محاولة للقضاء على الشرارة الثورية المنتشرة بين الشباب. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الجامعات السودانية معلقة حتى إشعار آخر).

لكن في أوساط المتظاهرين، استمر نوع غير رسمي من التعليم في الإزدهار – متمثلا في المناقشات السياسية، والتعليمات غير رسمية، والعروض الفنية.
إذ أصبحت “الزاوية الفنية” في منطقة الاحتجاج الرئيسية، والتي تضمنت مكتبة حيث كان المنظم يقوم بتوزيع الكتب، أمرًا شائعًا. كما بدأت الملصقات السياسية وتصميمات الغرافيك والكتابات على الجدران والجداريات المستوحاة من الاحتجاج في تغطية جدران المدينة المتربة وملأت وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد. أنشأ المتظاهرون محطة إذاعية خاصة بهم فضلاً عن مدرسة لأطفال الشوارع. وقدمت عيادات متنقلة العلاج للمرضى والجرحى. في بعض الأحيان، كان الجو أشبه بمباراة كرة قدم أو مهرجان موسيقي أكثر من كونه مجرد احتجاج، على حد قول الصحافي مهند هاشم، في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية العالمية.

قالت يسرا الباقر، مراسلة القناة الرابعة الإخبارية في المملكة المتحدة والمولودة في السودان والتي ساهمت في نقل أحداث الاحتجاجات، “لا أعتقد أن الأمر كان يشبه أي شيء رآه أي شخص على الإطلاق. لا أعتقد أن الصور أو الكلمات يمكن أن تحيط بما تعنيه تلك المساحة. كان المكان الأكثر سحرا، ولكنه كان شديد التنظيم أيضًا.”
كلام الباقر وصحافيون آخرون ممّن غطوا الانتفاضة السودانية جاء خلال أمسية الأسبوع الماضي في نادي فرونت لاين في لندن.
اصطف الرجال والنساء في طوابير منفصلة للتفتيش الأمني قبل دخول منطقة الاحتجاج. خلال شهر رمضان، تم طهي الطعام في أوانٍ كبيرة ومشاركته في وجبة الإفطار، وهي وجبة ما بعد غروب الشمس عند انتهاء الصيام اليومي.

الصحفيون الذين غطوا إحتجاجات السودان يناقشون أحداث الأشهر السبعة الأخيرة هناك في نادي فرونت لاين في لندن. من اليسار إلى اليمين، جيمس كوبنال من بي بي سي ويسرا الباقر من القناة 4 وعثيلة سليمان صحفية إذاعية ورئيس منتدى الصحفيين السودانيين ,مهند هاشم، بي بي سي (تصوير: ديفيد ويلر).

مشاركة النساء

تحت حكم البشير، تقول العديد من النساء إنه لم يكن في إمكانهن الخروج إلى الشارع خوفًا من مواجهة العدائية أو التحرش الجنسي أو العقوبة بسبب انتهاك قوانين الشريعة. ولكن سرعان ما بدأت النساء في الانضمام إلى الاحتجاجات، حيث أفادت الأنباء عن كونها آمنة. وكان أول رد فعل لبعض المتظاهرين الذكور على النساء اللائي انضممن إليهم هو “إنهم يأتون بهدف  التشجيع”، بحسب الباقر. وقالت إن الرجال أدركوا بسرعة، “إنهن لم يكن مجرد مشجعات، بل رفقاء، إنهن قادمات لخوض القتال.”

قالت نهى الزين محمد، المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين والذي ساهم في تنظيم الاحتجاجات، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني ” عدم تمثيل النساء على طاولة المفاوضات كان مخيبا للأمال.” وبحسب الزين محمد فإن النظام اعتاد في الثلاثين عاما الأخيرة تجاهل صوت النساء وعدم إشراكهن في الحياة السياسية.

قالت “كان من السهل نسبيا الانضمام إلى الاحتجاجات في الشوارع، إلا أنه مع المؤسسات والأحزاب سيكون التغيير أكثر صعوبة.”

تعتقد الزين محمد أن التجمع سيعمل على عقد ندوات مع القيادات الشعبية والأحزاب والنقابات المهنية للتوعية بدور المرأة وضرورة إشراك النساء.

خلال الاحتجاجات، لم تركز المناقشات على السياسة فقط، كما قال الصحفيون السودانيون في نادي فرونت لاين، بل ركزت على ملامح المجتمع السوداني التي ربما تكون قد ساهمت في تثبيت الحكم الاستبدادي. قالت عثيلة سليمان، الصحافية التلفزيونية ورئيسة منتدى الصحافيين السودانيين، “كان من المذهل أن ترى، بعد 30 عامًا،  السودانيين يعقدون مناقشات ثقافية وسياسية مكثفة.”

ترى الباقر إن الانقسامات الاجتماعية ساهمت في زيادة مشاكل البلاد. قالت “هناك الكثير من العنصرية في السودان. هناك الكثير من التفوق العربي. لقد تم استعمار بلادنا، لذلك فإن هناك الكثير من التفوق الأبيض أيضًا.”

ربما لم يسمع سكان الخرطوم دائمًا عن تصرفات الحكومة في قمع التمرد في أماكن أخرى من البلد المترامي الأطراف، حيث تستغرق الرحلة ثلاث ساعات بالطائرة من الخرطوم إلى دارفور. العديد من ضواحي البلاد مهمشة جغرافيا واقتصاديا. ولذلك وصل حوالي 1,500 متظاهر من دارفور للانضمام إلى التظاهرات قرب المقر العسكري. وقال المحتجون إن تلك كانت مناسبة بالغة الأهمية، حيث هتفوا “كلنا دارفور”.

انتاب المتظاهرين شعور بالقلق من وجود محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، في المجلس العسكري الانتقالي. وحميدتي هو قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي تحرس الحدود السودانية وتقوم بقمع حركات التمرد. يُعتبر حميدتي متورطا في وحشية الحكومة في دارفور وغيرها من المناطق المتمردة حيث كانت قوات الدعم السريع مرادفة لـ ميليشيا الجنجويد المكروهة. ورغم أن حميدتي كان نائبًا لرئيس المجلس العسكري الحاكم، إلا أن المطلعين على السياسة السودانية يقولون إنه كان المسؤول. قالت الباقر “إنه الرجل الذي يمتلك المال، إنه الرجل الذي يمتلك القوات، إنه الرجل النافع إقليميا. لقد التزم الجميع جانبه.”

تعتبر قوات الدعم السريع مستقلة عن الجيش السوداني. ويُشاع بأن أموال الاتحاد الأوروبي المقدمة لدعم الجهود المبذولة لإنهاء الهجرة شمالًا قد تدفقت إلى يد حميدتي وتم إثراء قوات الدعم السريع من خلال تزويد القوات للقتال دعما للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن. لم يرتقي حميدتي إلى مستوى القيادة من خلال بعض الطرق التعليمية التقليدية – جامعة الخرطوم أو كلية أركان الحرب. قالت الباقر “حميدتي مجرم حرب. إنه محطم التمرد والكلب المهاجم للنظام.”

3 حزيران/ يونيو: يوم حالك

إلتزم حميدتي وأنصاره بسمعتهم المخيفة فجر يوم 3 حزيران/ يونيو في الساعات الأخيرة من رمضان. إذ هاجمت قوات الدعم السريع المتظاهرين دون سابق إنذار. ولم توجد ممرات آمنة يمكن للمتظاهرين الهروب من خلالها. وعلى مرأى أنظار جنود الجيش، أطلقت قوات الدعم السريع النار على المتظاهرين وقامت بضربهم وجلدهم واغتصابهم وإحراق خيامهم. توصل تقدير مبكر أجراه الأطباء السودانيون إلى أن 70 امرأة ذهبت إلى مستشفيات الخرطوم لتلقي العلاج من الاغتصاب، مع توقع أن يكون عدد حالات الاغتصاب الفعلية أعلى من ذلك بكثير. لم تبذل قوات الدعم السريع سوى جهودا بسيطة لتغطية آثار ما قامت به، مثل رمي الجثث في النيل.

قالت الباقر “ما فعلوه كان أمر لا يصدق، وقاسي للغاية.”

لا تزال جماعات حقوق الإنسان تكافح لتجميع صورة كاملة عن فظائع 3 حزيران/ يونيو، حيث جعل الإغلاق الفوري للإنترنت في السودان بعد الاحتجاج – وهي خطوة أدانها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة – من تجميع الأدلة أكثر صعوبة.

لكن حجب الإنترنت لم يوقف الاحتجاجات. قال مهند هاشم، الصحافي في بي بي سي، إن النشطاء كانوا ينظمون اجتماعاتهم في المساجد وملاعب كرة القدم والحافلات وفي جنازات من قتلوا في الاحتجاجات. قالت الباقر “لقد أصبحت الثورة تناظرية.”

الآن، يمارس الدبلوماسيون الدوليون، الذين دفعوا المفاوضين السودانيين للعمل مع إثيوبيا والاتحاد الأفريقي بهدف التوصل إلى اتفاق، ضغوطاً من أجل الامتثال لشروطها. قال بيان الحكومة الأميركية “نتطلع إلى عودة خدمة الإنترنت فورًا، وإنشاء هيئة تشريعية جديدة، والتحقيق في القمع العنيف للاحتجاجات السلمية، والمضي قُدما لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.”

وبالحديث عن المتظاهرين، قالت الباقر “ربما أصبحوا مدمنين على مشاعر التحرر والمساواة.”

وقد يتوسع هذا الإدمان على الحرية بشكل جيد، لكن الأمر المتعلق بإمكانية تمثيل النساء والشباب السودانيون، الذين يتوقون إلى الحرية ويرغبون في البناء عليها، في الحكومة، والمفاوضات المستقبلية، والانتخابات من عدمه لا يزال أمرًا يُتطلع لرؤيته.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى