مقالات رأي

كتابين يستكشفان سبل إصلاح التعليم العالي العربي

في كتابين حديثين، جمع عدنان بدران، العالم والأكاديمي والسياسي الأردني، سلسلة من آراء الخبراء التي تقدم تشخيصًا شاملاً لحالة التعليم العالي في المنطقة العربية، مضمّنا ذلك توصيات للإصلاح.

أنصح بشدة أي شخص لديه اهتمام جاد بالتعليم العالي العربي بقراءة الكتابين، الصادرين بعنوان “التحديات الكبرى التي تواجه التعليم العالي في العالم العربي: ضمان الجودة والصلة بالواقع” (الصادر عن دار سبرنجر، 2019) و”الجامعات في الدول العربية: حاجة ملحة للتغيير” (دار سبرنجر، 2018). ففي هذين الكتابين، قام بدران والمحررين المشاركين إلياس بيضون وجون ر. هيلمان بجمع فصول قامت بكتابتها مجموعة واسعة من الشخصيات المعتمدة من الحكومة والأوساط الأكاديمية. يرأس بدران، الذي شغل منصب رئيس وزراء الأردن، الأكاديمية العربية للعلوم ويعمل مستشارًا في جامعة البتراء، فضلاً عن مساهمته في كلا الكتابين.

يقدم الكتاب السابق نظرة عامة على الوضع الحالي للجامعات في العالم العربي، ومدى امتلاكها القدرة على تحويل المجتمع بهدف رفع نوعية الحياة وتحفيز الثروة. وفي الكتاب الجديد، يركز المؤلفون على الجودة والأهمية الاجتماعية للتعليم العالي العربي.

في مقدمة الكتاب الجديد “التحديات الكبرى”، كتب المحررون، “من وجهة نظرنا، لا يمكن أن يأتي حل المشاكل العربية إلا من خلال تحسين شامل لجودة التعليم وأهميته بشكل عام، والتعليم العالي، على وجه التحديد، بهدف توفير خريجين وطلاب دراسات عليا لدفع عجلة التقدم اللازم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

يقول جون واتربري، الرئيس السابق للجامعة الأميركية في بيروت، إن تحقيق هذا الهدف المتمثل في “تحسين بالجملة” سوف يشتمل على إصلاح حوكمة مؤسسات التعليم العالي. يدافع واتربري عن استقلالية الحكم الذاتي لمؤسسات التعليم العالي، ولكنه يشير إلى العقبات التي تعترض طريق تحقيق ذلك. إذ كتب بأن إصلاح التعليم العالي في الدول العربية يحدث كرد فعل لا مفر منه للأزمة فحسب. إذ تحجم الحكومات عن إصلاح الجامعات لأن “أي تحركات نحو الاستقلال المؤسسي، وهو أمر يُخشى منه، سوف تشكل سابقة لبقية المجتمع المدني.”

رؤى حول سوريا

يضم الكتاب فصول عن الأوضاع في بلدان معينة – إذ تتم دراسة أوضاع الأردن ولبنان ودول المغرب العربي بالتفصيل. لكن الفصل الخاص بالتعليم العالي في سوريا ما بعد الصراع يبرز عن بقية الفصول من خلال الأفكار التي يقدمها عن سياسات التعليم العالي السوري.

كتب هاني مرتضى، الذي شغل منصب وزير التعليم العالي السوري وعميد كلية الطب بجامعة دمشق ورئيس جامعة دمشق، فصلاً بعنوان “صلة التعليم العالي في سوريا بواقع ما بعد الحرب”. لا يزال مرتضى مخلصًا للنظام، لكنه يقدم توصيات صادقة للإصلاح من شأنها أن تخدم احتياجات البلاد في فترة ما بعد الحرب، مع قبول ضمني باستمرار حكم حزب البعث برئاسة بشار الأسد.

تم تعيين مرتضى وزيرًا للتعليم العالي عام 2003، وهو أول شخص يشغل هذا المنصب من دون أن يكون عضوًا في حزب البعث. ففي بداية فترة رئاسة بشار الأسد، كان تعيين مرتضى يمثل أملاً في إصلاح حقيقي للتعليم العالي. وبصفته رئيس لجامعة دمشق منذ العام 2000، قاوم مرتضى ضغط حزب البعث بخصوص تحديد المواعيد الأكاديمية.

في فصله في الكتاب، يجادل مرتضى أن “وجود نظام تعليم عالي ديناميكي وذو صلة ومضمون الجودة في سوريا بمثابة أداة قوية لنجاح عملية إعادة الإعمار.”

يرى مرتضى أن الجامعات السورية محرك للتقدم الاجتماعي.

كتب “إذا كان يُراد لإعادة الإعمار أن تكون ذات مغزى، فعلى الجامعات أن تشارك في إجراء الدراسات والبحوث، وإعداد الخريجين في جميع التخصصات، ليس بهدف التخفيف من آلام ظروف ما بعد الحرب فحسب، بل بهدف اقتراح نهج وخطط ورؤية من شأنها أن تمنع أو تقلل على الأقل من احتمال نشوب صراعات مستقبلية.”

في الأيام الأولى من الفترة التي ستعقب الحرب، يجب أن تركز الجامعات على “التخصصات الهندسية والصحية بطريقة تستجيب للقضايا الناشئة مثل متلازمة الإجهاد اللاحق للصدمة “اضطراب ما بعد الصدمة” والحالات العقلية المرتبطة بالنزاع والعدد المتزايد للمعوقين (مبتوري الأطراف، ضعاف البصر، إلخ) في المجال الطبي؛ وترميم الأطلال وإعادة تدوير مخلفات الحرب، وتطوير واستغلال تكنولوجيات جديدة في إنتاج الطاقة في التخصصات الهندسية.”

وفي وقت لاحق، يتوجب على المؤسسات “إصلاح محتوى المواد التعليمية في كليات التاريخ والفلسفة، والتي غالبًا ما تميل إلى زيادة الشعور”بالماضي النقي” الذي يتناقض تمامًا مع المأزق الكئيب للحاضر.”

[هل أنت مهتم بقضايا التعليم والبحوث والثقافة في العالم العربي؟ اشترك بنشرتنا الآن.]

دراسات حل النزاعات

يعتقد مرتضى بأن من الواجب تقديم مساقات في حل النزاعات للطلاب في جميع التخصصات، وهو مقترح يعترف بمجال دراسي حديث في التعليم العالي. (اقرأ المقال ذو الصلة: دور الجامعات في إعادة إعمار الأمم بعد الحروب).

في إشارة إلى كتاب سانسوم ميلتون الصادر عام 2018 بعنوان التعليم العالي والتعافي بعد انتهاء الصراع، كتب مرتضى بأن ميلتون – وهو زميل باحث أقدم في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، في قطر – يوصي “بإدخال برامج التعليم العالي في مجالات جديدة للدراسة مثل حل النزاعات على المستويين الجامعي والدراسات العليا. ففي حالة سوريا ما بعد الصراع، يعد إدخال شهادات ومناهج حل النزاع أمرًا حيويًا. وهذا على الرغم من مخاطر زيادة الحساسيات والتعامل مع الأمر بعدائية من قبل بعض أصحاب المصلحة.”

تبدو المقترحات إنسانية، لكن النهج متحفظ. باتباع الخط الرسمي لحكومة الأسد، لا يشير مرتضى إلى الصراع السوري على أنه حرب أهلية، وهو يقدم فكرته عن تدريس حل النزاع كإجراء لمنع انتشار التطرف الإسلامي، “حتى بين الأطباء والمهندسين.”

في مقابلة مع الكاتب آلان جورج – والذي استشهد بأقوال مرتضى في كتاب جورج الصادر عام 2003 بعنوان “سوريا: لا خبز ولا حرية” – وبينما كان لا يزال رئيساً لجامعة دمشق، ناقش مرتضى بصراحة القوة التي مارسها حزب البعث الحاكم على الحياة الجامعية. فعلى الرغم من ضعف قبضة الحزب في الأيام الأولى من حكم بشار الأسد، قد امتلك الحزب فرعا خاصا به في الجامعة، وكان لموظفيه رأي نهائي في القرارات. قال مرتضى حينها “إذا أراد تغيير شيء ما، فيمكنه ذلك.”

كان ذلك منذ زمن طويل، لكن ما قاله القائد القومي الأيرلندي جيري آدامز عن الجيش الجمهوري الأيرلندي في عام 1995 ينطبق بالتأكيد على حزب البعث في عام 2019: لم يرحلوا، كما تعلمون.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى