أخبار وتقارير

أمواج جديدة: كيف شكل الفنان المغربي محمد المليحي جمالياته

في السنوات الأخيرة، حاول الأكاديميون والمعارض المقامة في المتاحف دحض المغالطة القائلة بأن الفن التجريدي عبارة عن حركة فنية أميركية فحسب من خلال تقديم أعمال لفنانين لا تقع أعمالهم الفنية ضمن فئة التعبيرية التجريدية فحسب، بل إنها توضح أيضًا إتقان هذا الشكل الفني. وهذا هو الحال مع أعمال محمد المليحي، الفنان المغربي الذي أسس حركة الفن المتطرف في مدرسة الدار البيضاء للفنون من عام 1964 إلى عام 1974، ومعها نموذج ملهم إقليميًا للرسم والتعبير التجريدي.

يسلط معرض أمواج جديدة: محمد المليحي ومدرسة الدار البيضاء للفنون، وهو معرض بأثر رجعي مُقام حاليًا في موزاييك رومز في لندن، الضوء على مسيرة المليحي بهدف توضيح إتقانه للفن ومساهمته الكبيرة التي قدمها في مجال الفن التجريدي. قام مراد منتظمي برعاية المعرض الذي يحكي قصة فنان كان أيضًا مصورًا فوتوغرافيا ورسام لوحات جدارية ومصمم غرافيك ومعلم في الوقت ذاته.

ينقسم المعرض إلى ثلاثة فصول تستعرض التطور الفني والمهني للمليحي ومتابعة انتقاله من المغرب إلى إشبيلية وروما في أوائل الخمسينيات، ومن ثم العامين اللذان قضاهما في نيويورك من عام 1962 إلى عام 1964. في روما عام 1957 عُرضت أعماله دولياً لأول مرة في معرض غاليريا تراستيفيريه، وهو معرض مبدع تملكه وتديره الفنانة الإيطالية توباتزيا ألياتا. تأثرت تجارب المليحي الهندسية للخطوط الأفقية والرأسية بظلال صامتة من اللون الأحمر الداكن “الماروني” والبني والأصفر تأثرا شديدا بدراساته في أكاديمية الفنون الجميلة في روما حيث درس جنبا إلى جنب مع الفنانين المعاصرين المعترف بهم الآن، بما في ذلك الفنان اليوناني الإيطالي الراحل يانيس كونيليس.

بينما كان المليحي يطور تقنية الرسم “ذو الحواف الناعمة” الخاصة به، بدأت جمالية الموجة الأيقونية التي ستهيمن على أعماله اللاحقة في التبلور في نيويورك. في عام 1963، عُرضت أعمال المليحي في المعرض الجماعي “الحواف الصلبة والرسم الهندسي Hard Edge and Geometric Painting في متحف الفن الحديث. استحضرت جمالياته الهندسية أشكال وأضواء ناطحات السحاب في نيويورك والمناظر الطبيعية الحضرية، لكن ربما كانت موسيقى الجاز هي التي حفزت في نهاية المطاف أعمال المليحي الأخيرة، ليس من الناحية البصرية فحسب بل والفكرية أيضًا.

إذ تتوافق الطبيعة العمودية لخطوطه الهندسية مع الطبيعة الخطية للموسيقى. بعيشه وعمله بالقرب من مقهى فايف سبوت الشهير، وجد شغف المليحي بمشاهدة الحفلات الحية لموسيقى الجاز طريقه إلى لوحاته، حيث بدأت لوحاته في التعبير عن طاقة لا يمكن احتواءها والتي ترتد عن السطح، ليشكل كل لون نوتة موسيقية في قطعة موسيقية غير مسموعة، بشكل يجلب إلى الأذهان فكرة التقاء موسيقى الجاز بالعناصر الفعالة المختلفة التي تنسجم في النهاية. تفسح زوايا المليحي الهندسة الصلبة المجال للأحجام الدائرية، وفي النهاية الأمواج. وكما تحمل الموجات الصوتية كل خصائص الموسيقى، فإن موجات المليحي اللونية تدل على العديد من العناصر.

بعد عودته إلى الدار البيضاء عام 1964 للتدريس، انطلق ليلقي نظرة على تقاليد المغرب لإبداع فن يتماشى مع الفن المعاصر في ذلك الوقت، مع إشارات ثقافية وتاريخية إلى فن وحرف وتقاليد التراث المغربي والبربري، بما في ذلك المجوهرات والفخار والهندسة المعمارية.

يعتبر اللون موطن قوة المليحي. إذ لا تتواجد أكثر من خمسة ألوان في أي لوحة واحدة، ومع ذلك فإنه يقول الكثير ضمن مثل هذا النطاق المحدد. تشير موجات المليحي إلى أشياء كثيرة: العلاقة الطبيعية بين الشمس والبحر والأفق؛ والعلاقات الكونية بين الكواكب؛ والعلاقة بين الإنسان والقمر. في فيلم وثائقي تلفزيوني مغربي يمثل جزءًا من المعرض، يقول المليحي إن “الأمواج تنقل إحساس استثنائيًا”، ويستمر في شرح كيف أن شكل القمر الدائري الأساسي يحتوي على مجموعة متنوعة من التذكيرات الثقافية.

https://www.bue.edu.eg/

كما أن هناك شاعرية في تصوير القمر، مثل “الشعر في الدين الإسلامي والمتعلق بالأيام التي يتضاءل فيها شكل القمر في السماء”. وبالتالي فإن لوحاته لا ترمز إلى البيان التعبيري البصري المجرد للأشكال من أجل الأشكال فحسب، بل إنها تستخدم التجريد كوسيلة لتسليط الضوء على المراجع والحقائق الثقافية والاحتفاء بها.

أخذت الأمواج في أعمال المليحي عنصرًا باطنيًا حيث قام بتطويرها إلى ألسنة لهب، وذلك برسمه لضربات عظيمة تنبثق من وسط اللوحة بقوة تحمل في ثناياها قوة الأرض.

تم تعزيز الجانب المتحفي للمعرض بكون المليحي مساهم كبير في تطوير جمالية الفن الإقليمي بعرض عدد كبير من المصادر الأولية إلى جانب الأعمال الفنية لأنشطة المليحي المتنوعة، بما في ذلك الأغلفة التي صممها للمجلات الطليعية من أمثال مجلة أنفاس (1966-1969) والتكامل (1972-1977)؛ فضلاً عن صور مع طلابه في مدرسة الدار البيضاء للفنون الجميلة، حيث قام بالتدريس بين عامي 1964 و1974؛ وصور فوتوغرافية التقطها للحرف المغربية البربرية ومباني العمارة الحديثة. يساعد الفيلم الوثائقي، الذي يظهر فيه المليحي متحدثا عن تاريخه وفنه، في فهم بعض الجوانب الأكثر تفوقًا في عمله.

يتطلب المعرض اهتمام الزائر وتركيزه حتى يقدر تمامًا مدى عمل المليحي ويفهم أنه لم يكن فنانًا فحسب، بل ناشطًا يناضل من أجل تقدير وتنمية ثقافية أكبر لوطنه المغرب والعالم العربي. بقيادته لمشاريع ترميم كبيرة في المغرب ما بين عام 1985 وعام 1992 أثناء عمله في وزارة الثقافة، تم توثيق هذه الجهود في المرحلة الأخيرة من المعرض، والتي تعرض أمثلة على الحرف المغربية إلى جانب أعماله وصوره الفوتوغرافية.

يستمر معرض أمواج جديدة: محمد المليحي ومدرسة الدار البيضاء للفنون حتى 22 حزيران/ يونيو في الموزاييك رومز في لندن.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى