أخبار وتقارير

منى جبريل: باحثة ترصد “الأضرار الخفية” المعيقة للتعليم في فلسطين

يواجه طلاب مرحلة التعليم العالي في قطاع غزة المُحتل من قبل إسرائيل صعوبات غير عادية، وربما مختلفة عمّا يواجهه الطلاب في أي مكان آخر في العالم. فبخضوعهم لحصار شديد داخل الحدود الإسرائيلية والمصرية، يكابد الطلاب الحرمان بفعل الحصار الاقتصادي والقيود البيروقراطية على الحياة العادية والآثار المدمرة للأعمال العسكرية الإسرائيلية.

حوّلت منى جبريل، المولودة في الكويت لأبوين فلسطينيين، تجربتها الخاصة في العيش والدراسة والتدريس في غزة إلى أطروحة دكتوراه بعنوان الحياة الاكاديمية تحت الاحتلال: التأثير على التربويين في جامعات غزة. تصف الأطروحة كيفية عمل طلاب مؤسسات التعليم العالي في خضم الصراع المزمن، وتقدم حلولًا مبتكرة وملهمة لبعض المشكلات التي تواجهها مؤسسات التعليم العالي في غزة.

تشغل منى جبريل الآن مكتبًا في الطابق الأرضي، ذو فناء صغير زُرعت فيه شجرة، في مبنى قديم وسط كامبريدج تابع لكلية جادج للأعمال بجامعة كامبريدج، الجامعة التي حصلت منها على درجة الدكتوراه في عام 2017. تعمل جبريل هنا بصفة عضو في مشروع يسمى R4HC-MENA، لتطوير البحوث والسياسات المتعلقة بالرعاية الصحية في المناطق المتأثرة بالنزاع.

قالت ديان ري، أستاذة علم الاجتماع التربوي بجامعة كامبريدج، والتي أشرفت على أطروحة جبريل لنيل الدكتوراه، إن عمل طالبتها السابقة “كشف عن شيء لم يتم اكتشافه من قبل، ألا وهو الأضرار الخفية الناجمة عن الاضطرار إلى العيش في منطقة صراع. وهي تكتب عن ذلك بطريقة دقيقة للغاية.”

شغف بالتعليم الفلسطيني

تواصل جبريل الكتابة والتحدث علنًا عن التعليم العالي في غزة، بطريقة تجمع ما بين تجربتها الشخصية والمراقبة الاجتماعية الدقيقة والمتعاطفة. وتصف نهجها بأنه “جنوبي-جنوبي”، بمعنى أنه يمثل وجهة نظر كاتبة من النصف الجنوبي من العالم، ومن منظورها الخاص، بخصوص مؤسسة في النصف الجنوبي من العالم – على عكس الاتجاه التاريخي لوصف الجزء الجنوبي من العالم من قبل الغرب. (اقرأ المقال ذو الصلة: إصلاح التعليم ليس من أولويات جامعات غزة المحاصرة).

تقوم جبريل بذلك بطريقة مبتكرة للغاية. إذ يعرض موقعها الشخصي، على مفترق الطرق، جميع كتاباتها الأكاديمية وغير الأكاديمية ومقاطع الفيديو على يوتيوب ولوحات. تقول ديان ري، المشرفة على شهادة الدكتوراه في جامعة كامبريدج، إن جبريل شاعرة رائعة أيضًا.

بدأت قصتها في آب/أغسطس 1990، عندما غادرت عائلتها منزلها في الكويت لزيارة عائلة والدة منى في غزة، عازمين على البقاء لمدة شهر واحد. كانت منى في الثالثة عشرة من عمرها في حينها، وهي ثاني أكبر ستة أطفال – ثلاث فتيات وثلاثة أولاد. في اليوم التالي لوصولهم إلى غزة، بحسب منى، “غزا الجيش العراقي الكويت”.

أثر الغزو على مسار حياتها. إذ قرر والداها، بالنظر إلى حالة انعدام اليقين في الكويت، أن تبقى منى وإخوتها وأخواتها في غزة وأن يدرسوا هناك برعاية خالهم.

كتبت جبريل “منذ ذلك الحين، أصبحتُ مقيمة في غزة بشكل دائم.”

بعد سنوات، واجهت جبريل، بصفتها فتاة في غزة، ضغوطًا اجتماعية لتصبح معلمة، وهي مهنة تقليدية للنساء هناك. قالت جبريل، “كان الجميع ينصحني بأن من الأفضل لك أن تصبحي معلمة، لأنه وعندما تتزوجين، سيكون في إمكانك الجمع بين الأمرين – العمل ورعاية الأسرة والأطفال. لكنني لم أرغب في أن أصبح معلمة.”

في النهاية، أصبحت جبريل معلمة في ظل غياب لأية فرصة أخرى في غزة. قالت “أصبحت معلمة في منطقة محرومة. بدأت أتعاطف مع الفتيات اللاتي أدرسهن وأحبهن، وهذا ما دفعني إلى أن أصبح معلمة أفضل. بعد ثلاث سنوات، تم ترشيحي لأكون مدربة للمعلمين المبتدئين.”

قيود خفية

منحت التجربة جبريل أفكارها حول مشاكل التعليم في غزة، إلى جانب المشاكل الواضحة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي. إذ كانت الفصول كبيرة جدًا؛ ولم يستطع أولياء الأمور أو يتمكنوا حتى من متابعة واجبات أطفالهم؛ ويتحمل الأطفال في بعض الأحيان مسؤوليات عائلية شاقة مثل رعاية الأشقاء الأصغر سنًا بينما لا يزالون في المدرسة الابتدائية هم أنفسهم. لكن المعلمين أيضا كانوا مشاركين في سلوك غير مناسب، مثل الصراخ على الأطفال أو ضربهم، مع معرفتهم بأن لذلك نتائج عكسية، لكنهم لم يتمكنوا من التغير. وبهدف إيجاد حلول لهذه المشكلة، قالت: “بدأت أفكر في الذهاب إلى الجامعة” لدراسة التعليم في مرحلة الدراسات العليا.

[هل أنت مهتم بقضايا التعليم والبحوث في فلسطين والعالم العربي؟ إشترك بنشرتنا الآن.]

وبذلك تقدمت بطلب للحصول على منح دراسية، وتلقت عرضًا من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة. هناك أكملت درجة الماجستير في تعليم عالى لمدة عام. بعدها، عادت إلى غزة وعملت محاضرة في اللغة الإنجليزية وكزميلة   التدريس في مجال التربية في جامعة الأزهر في غزة، قبل أن يتم قبولها كمرشحة للحصول على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة كامبريدج.

في رسالة الدكتوراه، كتبت جبريل عن وجود نوعين من القيود التي تؤثر على الشباب في غزة وهم يكافحون لنيل تعليمهم. هناك قيود واضحة، مثل الحرب والاحتلال العسكري وأعراض الاقتصاد المتضرر مثل انقطاع الكهرباء التي تجعل من الدراسة في الليل أو استخدام الإنترنت أمرًا مستحيلا. لكن، هناك أيضا قيود غير مرئية. تنتج القيود غير المرئية عن القيود المرئية، ومن الصعب تحديدها، إذ انها تكمن في ذهن الفرد: كاليأس والعجز والعزلة والقمع الذاتي.

https://www.bue.edu.eg/

استجابة لهذه الظروف، تقدم جبريل مجموعة من الحلول العملية. حيث كتبت بأن في الإمكان تنقيح برامج التعليم العالي في غزة للتركيز على الخبرات والاحتياجات الفلسطينية، والتخلص من النهج المصري التقليدي المُستخدم في غزة واستبداله بنهج يتطلع إلى الخارج والصعيد الدولي.

وتضيف بأن مؤسسات التعليم العالي لا يمكنها تجهيز الشباب بوسائل لجعل أصواتهم مسموعة في المجتمع فحسب، بل وتجهيزهم بالدعم النفسي أيضًا، ولاسيما بالنسبة لأولئك الذين أصيبوا بالصدمة بسبب النزاع.

علاوة على ذلك، يمكن تطوير البنية التحتية التكنولوجية. على سبيل المثال، بالنسبة لبرنامج Ignite في كلية جادج للأعمال بجامعة كامبريدج، طورت جبريل فكرة إنشاء وكالة توظيف عبر الإنترنت للشباب في غزة.

قالت ديان ري “آمل أن تتمكن من العودة وأن تلعب دورًا قياديًا في إحدى جامعات غزة، لأنها ليست مجرد أكاديمية: إنها سيدة أعمال موهوبة بدرجة لا تصدق وتتمتع بمهارات ريادية رائعة، وهذا ما تحتاج إليه غزة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى