يأتي المقال التالي ضمن سلسلة من ثلاثة أجزاء تناقش المشاكل الاقتصادية في تونس وتحاول ربطها بالتدهور الذي حصل في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي والذي طال نظاما تعليميا عُرف بالتفوق فيما مضى. سيناقش المقال الثاني في السلسلة تفرد نظام التعليم التونسي في حقبة ما بعد الاستعمار وكيف ساهم في إعداد التونسيين لمجتمع أكثر تطورا وديمقراطية. وسيتناول الجزء الثالث المحاولات الأخيرة والراهنة لإحياء هذا النظام التعليمي والتخلص من العديد من العلل التي ساهمت في تدهور البيئة الاقتصادية.
برزت تونس مرة أخرى على الساحة العالمية. و لكن لم تكن احتفالاً هذه المرة بقصة النجاح الوحيدة “للربيع العربي”، التي أطاحت من خلالها ثورة الياسمين بالحاكم المستبد زين العابدين بن علي وساهمت في إقامة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي. عوضًا عن ذلك، ركزت وسائل الإعلام الدولية اهتمامها على الاحتجاجات المستمرة ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية، لا سيما في المناطق الداخلية المهمشة من البلاد.
أدت المصاعب الاقتصادية والاضطرابات إلى نزع شرعية الربيع العربي في نظر العديد من التونسيين. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن التناقضات والمصاعب الإقليمية ليست بظاهرة جديدة في تونس. إذ أن الفجوة الاقتصادية بين المناطق الداخلية والساحل مشكلة دائمة وطويلة الأمد. يمكن إرجاع العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها تونس اليوم إلى النظام التعليمي الذي فشل على مدى السنوات الثلاثين الماضية في إعداد الشباب التونسي لتلبية متطلبات سوق العمل.
نتج جزء كبير من الأزمة الحالية من الحكم الفاسد لبن علي وسياساته الشعبوية، فضلا عن فشل المنظمات الدولية المانحة في دعم الإصلاحات الحقيقية والتركيز على المقاييس السطحية. ففي عهد بن علي، تحولت الجامعات إلى مصانع للبطالة. فقد تم قبول طلاب غير مؤهلين وتعليمهم بشكل سيء.
اليوم، أصبح الوضع أكثر تحديا، لكل من المحكوم والحاكم على حدٍ سواء. فمنذ ثورة 2011، فقد الدينار التونسي حوالي 80 في المئة من قيمته مقابل اليورو وانخفض بمقدار يقترب من الـ 100 في المئة من قيمته مقابل الدولار. فيما بلغ التضخم نسبة تقدر بحوالي 8 في المئة، مع رفع الدعم عن الوقود وفرض ضرائب جديدة.
كما تفاقمت المصاعب الاقتصادية بسبب التعديلات الهيكلية التي تم اتخاذها مؤخرًا تحت شروط قرض بقيمة 2.9 مليار دولار أميركي من صندوق النقد الدولي.
تسعى خطة الإصلاح الاقتصادي التي تفاوض بشأنها مع صندوق النقد الدولي، والتي ستعالج ظاهرياً مشاكل الدين العام وعجز الميزانية في البلاد، إلى خفض فاتورة أجور القطاع العام من 15.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو حوالي نصف الميزانية الوطنية، إلى 12.5 في المئة. ولتحقيق ذلك، قامت الحكومة برفع سن التقاعد للعاملين في القطاع الحكومي من 60 إلى 62 وأعلنت عن نيتها تجميد أجور حوالي 700,000 موظف حكومي تونسي.
تصدّى الاتحاد العام التونسي للشغل المؤثر( (UGTTلتلك التدابير، ونجحت في تحقيق بعض المكاسب، على الأقل بالنسبة لموظفي الحكومة، الذين لم يشهدوا زيادة في الأجور منذ سنوات. كما وافقت الحكومة مؤخرًا على زيادة متوسط الأجر الشهري بمقدار 55 دولارًا.
على الرغم من أن التنازلات التي قدمتها الحكومة كان لها تأثير مهدئ إلى حد ما على مزاج الشارع التونسي، إلا أن الغضب من ارتفاع الأسعار وتناقص فرص العمل استمر في الغليان ببطء، مما تسبب في تشكيك الكثيرين فيما إذا كانت الثورة قد حققت أي مكاسب للمواطن التونسي العادي.
هناك شعور مستمر بالتهميش في أوساط الشباب بشكل خاص، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الداخلية والجنوبية من البلاد. ففي حين يبلغ المعدل الوطني الرسمي للبطالة حوالي 15 في المئة، إلا إن نسب بطالة الشباب تبلغ حوالي 36 في المئة، وقد ارتفعت من 29 في المئة في عام 2010. وبالنسبة لجميع الفئات العمرية للموظفين، هناك عاطل واحد عن العمل من بين كل ثلاثة من التونسيين الذين يعيشون في المناطق الداخلية. وعلى الرغم من انخفاض معدلات الفقر من 20.5 في المئة قبيل الثورة مباشرة إلى حوالي 15 في المئة في عام 2015، إلا أن الفقر لا يزال يخيم على أوساط أولئك الذين يعيشون في المناطق الداخلية بمعدل ضعف المعدل الوطني.
ليس من المستغرب إذن أن يكون هناك تركز كثيف بشكل غير متناسب للاحتجاجات في المناطق الداخلية من البلاد وأن يقود هذا اليأس الكثيرين للقيام بأعمال تضحية بالنفس في تحدٍ علني للوضع الراهن.
عبد المجيد
طالب متخرج منذ 2008
اختصاص علوم فيزيائية – نظام قديم (BAC+4)
من الجنوب التونسي
المقال ركز على ضعف التعليم والمتخرجين في آن واحد (وهذا صحيح) لكن في الحقيقة ان كاتب المقال لم يتحدث لا من قريب ولا بعيد على الإقتصاد التونسي المتخلف الذي مازال يعمل بعقلية الستينات والسبعينات حيث انه قائم على اليد العاملة الرخيصة وضعف الأجور وبالتالي حتى لو توفرت الكفاءة في الخريجين فلن يجدوا من الاساس وظائف تلائم اختصاصاتهم بحكم ان الاقتصاد كما ذكرنا اقتصاد متخلف يعتمد على اليد العاملة الرخيصة في مجال النسيج والصناعات التحويلية بعيدا عن اقتصاديات القرن ال21 القائمة على صناعات ذات قيمة مضافة عالية يخلق الثروة مثل التكنولوجيا والصناعات الثقيلة والطيران الكلاسيكي وطائرات بدون طيار الخ الخ.
تحياتي لكم جميعا.