أخبار وتقارير

محمد الرواس: أعمال متنوعة من النحت وشخصيات المانغا

لا يستهدف المعرض الذي أقيم كإطلالة على أعمال الفنان محمد الرواس، المقيم في بيروت، الزوار الذين يتطلعون لرؤية أعمال فنية خفيفة بصرياً، ولا أولئك المشاهدين الذين يفضلون أن تكون تجربتهم الفنية سهلة الهضم.

يعتبر المعرض الذي يحمل عنوان “محمد الرواس: الأعمال الأخيرة” استرجاعاً لأعمال فنان يخدم فنه بأسلوب يتحدى المشاهدين بصرياً وفكرياً، ليطالبهم بمواجهة مفاهيم البورتريه والتأليف وتاريخ قانون الفن العالمي بحد ذاته ظاهريا.

من الناحية التقنية، يعتبر الروّاس رسام ونحات ومصمم غرافيك نشيط. يحتوي المعرض الذي يطل على أعمال الفنان بأثر رجعي والمُقام في غاليري صالح بركات في بيروت على العديد من الأعمال التي تعد شهادة على التزام الرواس الدائم بتدريس الفنون البصرية واستكشاف المعالم النظرية الأعمق لهذا المجال في أعماله الفنية. يسلط المعرض الضوء على مهاراته في البناء والتقنية بالإضافة إلى حرصه الشديد على اللون من خلال الأعمال التي نفذها منذ أيام دراسته.

يشتمل المعرض على أربع مراحل مختلفة من أعمال الفنان. إذ يشتمل الفصل الأول المعروض على رسومات بأقلام الرصاص والحبر لمنحوتات ومشاهد طبيعة صامتة نفذها الرواس عندما كان يدرس في المدرسة المتوسطة. تسلط هذه الأعمال الضوء على استمرارية الموضوعات التي عادت إلى الظهور في أعماله الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، تكشف رسومات القلم الرصاص والفحم عن فنانٍ كان يقوم بتكوين المهارات الفنية للرسومات القوية وعين حريصة على اكتشاف الموضوعات المثيرة للاهتمام.

تتمثل المرحلة الثانية من مسيرة الرواس في مشروع تخرجه من كلية الفنون: وهي لوحة بعنوان قطار 1، نُفذت خلال سنته الأخيرة في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية في عام 1975. تم العثور على هذه اللوحة الكبيرة التي تجسد شخصيات نسائية مجردة في الآونة الأخيرة بعد سنوات من اختفائها والاعتقاد بأنها قد دمرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت من 1975 وحتى العام 1990. لعقود من الزمن، كان الدليل الوحيد على وجود اللوحة يتمثل في صورة محبّبة للفنان الشاب وهو يقف بجانبها عند الانتهاء من رسمها.

 قال الرواس “لولا زميلي الذي عرض عليّ فكرة التقاط صورة، لكان العمل قد اختفى إلى الأبد.”

القطار الأول ، 1975(الصورة من معرض صالح بركات)

عندما تم العثور على اللوحة، التزم الرواس بترميم العمل لاستعادة الكثافة الأصلية لألوانه، وإضفاء روح جديدة على موضوعاته: النساء النحيفات ذوات الأطراف الطويلة، وقد رسمت كل واحدة منهن بأسلوب مختلف في أوضاع مختلفة من الإغواء والتآمر واللامبالاة. يستشهد الفنان بأعمال أرشيل غوركي باعتباره أكبر المؤثرين عليه في الوقت الذي أنتج فيه تلك اللوحة. بالتأكيد، هناك أيضًا ارتباط بصري بالأعمال الذي أنجبت أشهر الصور التجريدية، لاسيما لوحة آنسات أفينيون لبابلو بيكاسو. لا يسلط هذا المرجع غير المباشر الضوء على التدريب الأكاديمي للرواس فحسب، بل إنه يسلط الضوء أيضًا على تعدد المراجع الفنية البصرية التاريخية التي يستخدمها والتي تظهر في أعماله اللاحقة.

تتمثل الفترة الثالثة المقدمة في المعرض في سلسلة من المطبوعات المرسومة التي تم تنفيذها عندما كان الرواس في المغرب لمدة عامين بعد مغادرته بيروت هربًا من الحرب. هناك، تعلم الرواس كيفية إنتاج مطبوعات بدائية، الأمر الذي ساعده في دفعه للدراسة لنيل درجة الماجستير في الفنون الجميلة في الطباعة من كلية سليد للفنون الجميلة في جامعة كوليدج لندن.

أما المرحلة الرابعة فتشتمل على لوحاته الأكثر حداثة، وقد عُرض العديد منها أيضًا.

من المثير للاهتمام، أنه وبعد استعادة لوحة قطار 1، قام الرواس بتكرار الرسم في لوحة جديدة بعنوان قطار  2 في عام 2016 كمشروع لإعادة النظر في التجربة الإبداعية وتحدي العمل السابق. تكشف القدرة على عرض كلتا اللوحتين في المعرض عن فنان قام، على مدى 40 عامًا، بالتفكير في غرض الرسم، وتطور من الناحية النظرية والتقنية.

في أعماله الأخيرة، يقسم الرواس تكوين لوحاته إلى مستويات متداخلة ومختلفة. يسمح له هذا بالعمل على مواضيع متنوعة في وقت واحد، مثل الأحداث الراهنة وتاريخ الفن والثقافة الشعبية المعاصرة. إنه يجمع بين الأشكال والمناظر الطبيعية بأشكال معمارية لإنشاء عوالم تتصادم فيها الأزمنة. تجبر قدرته على تنفيذ ما يبدو وكأنه عدة لوحات في عملٍ واحد المشاهد على التوقف لفك الرموز القصيرة المختلفة.

يعمل الرواس على تضمين أعماله لتصريحات مجازية وحرفية حول التاريخ والشؤون المعاصرة مثل مقاتلي داعش، الذين وضعهم ذات مرة في لوحة مصورًا إياهم على أنهم خنازير تفر من المشهد.

في لوحة قطار 2، تنظر شخصية رجل تُذكرنا بمواضيع العصر الذهبي الهولندي إلى كل من المُشاهد وشخصية المانغا اليابانية التي تظهر في المقدمة. إنه الفن في حوار مع ذاته، حيث تتأمل إحدى الشخصيات الأخرى.

من خلال التوسع، تكشف الطبقات المعقدة للرواس عن كل من قدرته على رسم الموضوعات النسائية بأشكال متعددة والحوار ذاته الذي يدور مع ذاته هو حول الأساليب المختلفة للرسم والبورتريه.

غزل البنات ، 2018(الصورة من معرض صالح بركات)

تعتبر شخصيات الذكور مجرد شخصيات دعم في كل لوحة، حيث يركز الرواس على النساء. وتمثل شخصيات المانغا – وهي أشكال مألوفة من القصص المصوّرة اليابانية – كل من تمثيل الشخصيات الأنثوية القوية والإثارة التي تثيرها هذه الشخصيات لقراء كاريكاتور المانغا من الرجال، كما تُظهر أيضًا كيف يسمح هذا النوع بتمثيل هذه الشخصيات على أنها مذهلة للغاية ومغرية جنسًا، فهي شخصيات وقحة في جنسانيتها العلنية ولكنها تمثل رمزا لقوة المرأة.

لا يُقصد من اللوحات أن تكون مثيرة، لكنها تعبر عن اتساع قوة المرأة وجمالها. ويتضح هذا في القطعة المركزية والنحت الوحيد المعروض في المعرض: حادث في مستعمرة فتيات المانغا، والتي تلخص افتتان الرواس بالأشكال المعمارية. يسلط هذا التسليم المادي الضوء على قدرة الفنان على تكوين الروايات القصيرة الفردية مرة أخرى وبأبعاد ومستويات مختلفة. حيث تم وضع الشخصيات في أوضاع متوسطة في مراحل متفاوتة من رد الفعل على حادث تهدم أحد المباني.

قال الرواس “لقد استمتعت حقًا بالعمل على هذه القطعة من الناحية المادية – بإنشاء شيء بيدي من المواد المهملة التي وجدتها – ومن ناحية النظر في بنية المبنى والأسئلة المتعلقة بهندسة الشكل.” وأضاف “أعتقد أنني سأحاول العمل أكثر على النحت الآن. لقد وجدتُ الأمر مُرضيًا للغاية.”

سيستمر عرض معرض محمد الرواس: الأعمال الأخيرة في غاليري صالح بركات في بيروت حتى 23 نيسان/ أبريل.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى