أخبار وتقارير

علم الآثار الجوي يقدم نافذة جديدة على المواقع القديمة

في أيار/ مايو 2015، دمرّت غارة جوية نفذها التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية متحف ذمار الإقليمي في جنوب غرب اليمن. كان المتحف يضم أكثر من 12,000 قطعة أثرية، تمثل تاريخ أحد المراكز القديمة للحضارة العربية والإسلامية.

تعتبر خسارة المتحف رمزاً للخطر الذي تمثله الحرب الأهلية المستمرة منذ أربع سنوات في اليمن على التراث المادي الغني للبلاد. ورّدًا على هذا التهديد، عملت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن مع مجموعة علماء آثار من المملكة المتحدة بعد فترة وجيزة من إندلاع الحرب على بناء قاعدة بيانات للمواقع الأثرية في اليمن.

من شأن قاعدة البيانات أن تشكل جزءًا من مشروع الآثار المهددة بالضياع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو مشروع طموح يجمع الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية وغيرها من المصادر في قاعدة بيانات واحدة وكبيرة على شبكة الإنترنت للمواقع الأثرية من موريتانيا إلى إيران. ويركز المشروع على جمع الصور التي التقطت من الجو – وهي الطريقة التي تعرف باسم علم الآثار الجوي.

يقول روبرت بيولي، مدير المشروع، إن المشروع المعروف باسم EAMENA يغطي 20 دولة و10 ملايين كيلومتر مربع. قال “إنه يعمل على تسجيل المواقع والمناظر الطبيعية والمعالم الأثرية من أي حقبة ووصفها.” ومن بين 252,000 مُدخل في قاعدة البيانات الآن، هناك حوالي 50,000 مُدخل من اليمن.

في اليمن، يهدف المشروع إلى إنشاء سجل شامل قدر الإمكان للمواقع القديمة في البلاد، ولن يكون ذلك بمثابة سجل تاريخي فحسب، بل إنه سيستخدم لدعم علماء الآثار وتمكين اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التنمية الاقتصادية فور انتهاء الحرب. في متحف ذمار الذي استهدفته الغارة الجوية، تمكن مسؤولو الآثار من استعادة حوالي 1,500 قطعة فقط من تحت الأنقاض.

قال روبرت فليتشر، من كلية لندن الجامعية في الدوحة، “إنها ممارسة قيمة في مجال حماية التراث، لأن سجل المواقع القديمة – بخصوص أماكن تواجدها وما تبدو عليه – يمكّننا من مراقبتها”. ويعتبر فليتشر المؤسس المشارك لمشروع صحراء مزدحمة وأصول الدوحة التاريخية، وهي مشاريع آثارية في قطر. (اقرأ المقال ذو الصلة: مشروع يربط الشبان القطريين بآثار بلدهم).

متحف ذمار الإقليمي قبل تدميره (تصوير: AIYS).

طائرات تجسس وشركات نفط

تمثل قاعدة بيانات مشروع الآثار المهددة بالضياع مجموعة من الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والطائرات التقليدية وطائرات التجسس على ارتفاعات عالية منذ منتصف القرن الماضي. وإلى جانب دعم جهود الحفاظ على التراث، بحسب فليتشر، فإن للمشروع قيمة لعلماء الآثار من خلال إمكانية الوصول إلى قاعدة بيانات كبيرة من التصوير الجوي والفضائي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الأمر الذي سيجعل اختبار النظريات ممكنا.

يعتقد فليتشر أن وفرة التصوير الجوي للمنطقة تمثل مورداً غير مستخدم لعلماء الآثار. لكن المشكلة تكمُن في إمكانية الوصول إلى تلك الصور.

قال “هناك خزين ضخم من الصور، لكن يتوجب عليك أن تكون مثابرًا ومصممًا على تحقيق ذلك.” ولاسيما فيما يخص الصور الجوية التي التقطتها القوات الجوية الأجنبية وشركات النفط، والتي التقطت منذ ثلاثينيات القرن العشرين وما تلاها، والتي لا تزال غير مكتشفة من قبل الباحثين لأنها تكمن خلف الأبواب الموصدة للمحفوظات الوطنية وأرشيف الشركات.

سيتم تقديم مشروع بيانات اليمن في وقت لاحق من هذا العام باعتباره مشروع متميز، بعنوان منصة إدارة التراث اليمني، المصممة لتلبية احتياجات الهيئة العامة للآثار والمتاحف في البلاد.

كتب بويلي وآخرون في ورقة تقديم المشروع، “تعتبر المواقع الأثرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خطر بفعل مجموعة من التهديدات، منها: الزراعة المكثفة؛ والنمو السكاني والتوسع المصاحب للقرى والبلدات والمدن؛ والتطورات الصناعية وإنشاء السدود وبناء الطرق؛ والنهب والاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية؛ والحرب والتدمير المتعمد والمستهدف للتراث لأسباب دينية أو أيديولوجية.”

في اليمن، يتمثل الخطر الأكبر على المواقع القديمة في الأضرار الناجمة عن الأعمال العسكرية، كما يظهر من خلال حالة متحف ذمار الإقليمي.

وبخلاف ما حصل في سوريا والعراق، حيث قام المتطرفون الإسلاميون بتدمير المواقع الأثرية بشكل متعمّد، لا تشهد اليمن مثل ذلك. قال مايكل فرادلي، مساعد الباحث في كلية الآثار في جامعة أكسفورد، “في اليمن، لا نشهد تدميرًا إيديولوجيًا للمواقع القديمة، أو زيادة كبيرة في عمليات النهب منذ بدء الحرب.”

من ناحية أخرى، في بلد أكثر ثراءً مثل سلطنة عُمان، تعتبر التنمية الاقتصادية التهديد الرئيسي للمواقع القديمة، بحسب فرادلي. وقد كان للتنمية الاقتصادية الضعيفة نسبيا في اليمن تأثير غير مقصود للحد من هذا النوع من الدمار.

صورة أقمار صناعية لليمن توضح المواقع الأثرية القديمة التي لم يسبق رؤيتها (الصورة: EAMENA).

اكتشاف مواقع جديدة

معظم المعلومات الموجودة في قاعدة بيانات مشروع الآثار المهددة بالضياع عبارة عن صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية من النوع المتوفر مجانًا على Google Earth. تم جمع الصور في الأصل عن طريق أقمار التجسس، والتي تم رفع السرية عنها الآن.

قال بيولي “كل يوم ننتقل عبر صفحات من صور الأقمار الصناعية، كيلومتر بعد آخر، وننظر إلى مساحات من الأرض ونقوم بعمل تفسيرات.”

على سبيل المثال، وجد أحد الباحثين في المشروع في صور الأقمار الصناعية أدلة على حصن من القرن الخامس عشر أو السادس عشر على ساحل اليمن بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية لم يُكن معروفًا لعلماء الآثار من قبل.

أظهرت الصور بوضوح حصنًا مربعًا مزوّد ببرجين عند الزوايا المتقابلة. أظهرت الصورة التي التقطت أولاً، في عام 2011، احتلال بشري غير رسمي للموقع. وبحلول عام 2017، تُظهر الصور الموقع وقد احتلته القوات العسكرية، مع آثار لغارات جوية. قال بيولي “لم يتم تدميره بالكامل، ولكن الأضرار بالغة.”

تم ذلك الاكتشاف بواسطة باحث يجلس في مكتبه في إنجلترا، وليس من قبل عالم آثار يعمل بالطريقة التقليدية – في الموقع وتحت أشعة الشمس الحارقة. قال فرادلي، “لم يتمكن علماء الآثار من العمل في اليمن منذ العام 2011.”

وفضلاً عن بناء قاعدة بيانات للمواقع القديمة، يقوم مشروع الآثار المهددة بالضياع بتدريب المتخصصين في التراث في بلدان المنطقة العربية على كيفية استخدام صور الأقمار الصناعية في علم الآثار والحفاظ على التراث والتنمية الاقتصادية.

تعمل قاعدة بيانات المشروع على أساس البيانات مفتوحة المصدر. قال بيولي “هذا يعني أنها ليست تجارية. نحن لا نبيع هذه المعلومات. وبإمكان أي طالب أو عالم آثار أو مؤرخ أو جغرافي حسن النية الوصول إلى البيانات بالكامل.”

سيعرض التصفح غير الرسمي لموقع المشروع مجموعة مختارة فقط من الصور من بين مجموعة البيانات الكاملة. وبهدف الوصول الكامل، يجب على الباحث التقدم بطلب إلى المشروع. قال بيولي “نحن حساسون لأن هذه البيانات لا تخصنا، لكننا نريد أن يعرف الناس عنها.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى