مقالات رأي

الدراسات البينية: مكاسب وتحديات للأساتذة والطلاب

تطالب كل مؤسسة وكل برنامج الأساتذة باتباع نهج فريد في التدريس والتفاعل مع الطلاب. لكن، عندما يتم تدريس المساق في إطار جزء من برنامج أوسع متعدد التخصصات، يحتاج المدرب إلى اتباع نهج بناء أكثر تشددًا في تصميم المساق الدراسي وتدريسه. ربما يتساءل الطلاب عما تعنيه الدراسات البينية حقًا، ولماذا اختارت العديد من الجامعات في جميع أنحاء العالم تقديمها لهم.

جاءت شعبية الدراسات البينية بمثابة رد فعل على الطبيعة المتغيرة للتدريس والتعليم. في الماضي، كانت برامج الدراسات العليا تُصمّم للتقدم بالمواد المقدمة في برامج المرحلة الجامعية الأولى، ورفع هذه البرامج إلى مستوى أعلى من التحليل والدراسة المتعمقة. وقد تمثلت الخطوة الأولى نحو تعدد التخصصات في تقديم الدراسات البينية، والتي حاولت خلق رؤى جديدة من خلال تبادل وجهات النظر التي يمكن أن تشمل تخصصين. فيما تمثلت الخطوة الأكثر تقدمًا في إنشاء برامج متعددة التخصصات متكاملة تمامًا تجمع المعرفة ووجهات نظر المجالات الأكاديمية المتعددة.

في الماضي، كانت المخرجات الرئيسية للبرامج الجامعية تتمثل في تخريج الطلاب من ذوي المعرفة. اليوم، لا يعتبر تخريج الطلاب ذوي المعرفة كافيًا في العالم المهني. يجب أن يكون الطلاب مجهزين بعدد من المهارات مثل التفكير النقدي والتحليل، والقدرة على النقاش، والقدرة على العمل الجماعي، والقدرة على إيجاد واستيعاب المعارف الحديثة، ومعرفة مدى ارتباط المجالات المختلفة ببعضها البعض. يحتاج الأطباء إلى العمل مع المهندسين، ويحتاج المهندسون المعماريون إلى العمل مع علماء البيئة، كما أن المدراء التنفيذيين للشركات بحاجة إلى العمل مع علماء النفس.

شكل مبكر من “تعدد التخصصات”

من الناحية التاريخية، قدّمت برامج “دراسات المناطق” نوعًا من المناهج الدراسية متعددة التخصصات، ولكنها كانت مصممة لاستكشاف جوانب منطقة جغرافية مختارة. اقتصرت هذه الجوانب في العادة على دراسة التاريخ والسياسة والثقافة. واليوم، يضمن برنامج مثل “برنامج الدراسات الخليجية” التحاق الطالب في دورات المتطلبات الأساسية التي تُعرِّفهم بالتاريخ والسياسة والثقافة والاقتصاد في منطقة الخليج. وتُتبع هذه المساقات بمواد اختيارية تغطي مواضيع أوسع عن الطاقة والأمن والأدب ووسائل الإعلام، وهلم جرا. صُمّمت جميع هذه الدورات بطريقة تقدم للطالب في النهاية نهجا شاملا للمنطقة. تأخذ الدراسات البينية خطوة إلى الأمام في تزويد الطلاب بأبعاد أوسع للدراسة وتزويدهم بمهارات تحليلية أكثر تقدمًا.

تشتمل  الدراسات البينية على مستوى درجة الماجستير أو الدكتوراه على ثلاث مزايا رئيسية للطلاب. تتمثل الميزة الأولى في إمكانية استفادة الطلاب القادمين من مجموعة واسعة من الخلفيات التعليمية والمهنية من برامج متعددة التخصصات. على سبيل المثال، تتيح الدورة التمهيدية للدراسات الثقافية للطلاب من ذوي الخلفيات في العلوم السياسية أو علم الاجتماع أو الإعلام أو اللغويات إمكانية اختيارها كجزء من خطتهم الدراسية.

أمّا الفائدة الثانية للدراسات البينية فتتمثل في أنها تتيح للطلاب اختيارين بالنسبة لشهاداتهم النهائية. ففي برنامج يشتمل على دورات من ثلاثة تخصصات، على سبيل المثال، يمكن للطلاب إما التركيز على التخصصات الثلاثة جميعها والتخرج بدرجة شاملة أو متعددة التخصصات أو يمكن للطالب التخصص في واحد أو اثنين من التخصصات الثلاثة واختيار تركيز أكثر تحديدًا من درجاتهم العلمية.

وأخيرًا، يمكن للدراسات البينية أن تقدم للطلاب مجموعة واسعة من الخيارات الوظيفية. على سبيل المثال، من المرجح أن تحدّد درجة في الهندسة الطلاب على الوظائف القائمة على الهندسة، بينما يمكن لشهادة متعددة التخصصات أن تمنح الطلاب المتفوقين مرونة مهنية أكبر.

https://www.bue.edu.eg/

أسلوب تدريس جديد

يمكن للدراسات البينية أن تكون تحديا ومجزيا للأساتذة على حدٍ سواء. حيث تتجسد المكافآت في المعرفة الإضافية المُكتسبة من العمل في تخصصات جديدة والتفاعل مع مجموعة من الطلاب من جنسيات وخلفيات تعليمية ومهنية متنوعة. تلعب قاعدة الطلاب الأوسع دورًا مهمًا في الارتقاء بتجربة الفصل الدراسي والمناقشات والواجبات المنتجة. ومع ذلك، ولكي يكون المدرب قادرًا على إنهاء الدورة التدريبية مع إتقان غالبية الطلاب للمواد ذات الصلة، يتوجب تصميم الدورة بشكل مختلف عن الدورات المعتادة في المرحلة الجامعية أو التخصصات المنفردة. يحتاج المدرّس إلى بناء السياق الفكري لأولئك الطلاب الذين تتوافر لديهم بالفعل المعرفة التي يتم تدريسها في الفصل، مع إنشاء قاعدة معرفية أساسية لأولئك الذين يفتقرون لأي خبرة سابقة في الموضوعات المقدمة.

وبالإضافة إلى تصميم منهج المقرر الدراسي بطريقة شاملة، فإن هناك تحدٍ آخر يواجه الأساتذة ويتمثل في تحديد الدورة في سياق الدراسات البينية. يجب أن يكون المدرّس على دراية بالخطة التعليمية للبرنامج الأوسع، حيث يجب أن تمتاز الدورات بتدفق واضح للمعلومات داخل كل دورة وربط المعرفة بين الدورات المقدمة في البرنامج متعدد التخصصات ككل. يجب أن تعمل مخرجات التعليم لكل دورة متعددة التخصصات جنبًا إلى جنب مع نتائج الدورات الأخرى التي يتم تدريسها.

في العموم، لا توسّع الدراسات البينية من معرفة الطلاب فحسب، بل انها توسّع أيضًا من مقاربتهم للأوساط الأكاديمية والواقع المهني. حيث تقوم الدورات المُقدمة في مثل هذه البرامج بنسج المعلومات معًا لمساعدة الطلاب على فهم الصورة الأكبر. وبذلك يتوجب على الطلاب الذين يتمتعون بآفاق أوسع أن يصبحوا قادةً أكثر دراية ومدراء أكثر إبداعًا.

*محجوب زويري، أستاذ مشارك في التاريخ المعاصر للسياسة في الخليج ومدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر. فرح القواسمي، مساعدة باحث في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى