كان للحروب الإسرائيلية الثلاثة التي شُنت على قطاع غزة منذ العام 2008 تأثير مادي ونفسي على جامعات غزة. كما أن للحصار البري والبحري والجوي المفروض منذ العام 2006 آثار سلبية على جامعات القطاع.
في مثل هذا السياق، يُنظر إلى مسألة جودة التعليم العالي باعتبارها رفاهية، وليست حق، لاسيما وأن الجامعات تواصل عملها في ظل ظروف طوارئ دائمة.
مع ذلك، غالباً ما يُنظر إلى المسؤولين عن تحسين النظام والخدمات في جامعات غزة على أنهم أبطال أو ضحايا – أي أنهم يحاولون توجيه سفينة التعليم بمعرفتهم لتفادي الغرق، على الرغم من أنهم قد لا يكونوا من المتخصصين، أو أنهم يعانون من سوء الإدارة بسبب السياق السياسي المنهار الذي تعمل فيه مؤسسات التعليم العالي.
يقلل هذان السيناريوهان من قيمة البحث العلمي، ويقوضان المساءلة المؤسساتية أمام الجمهور الفلسطيني، ويثبطان عزيمة الناس عن المطالبة بالإصلاح لتحسين خبراتهم وآفاقهم الجامعية.
عقود من الاحتلال
على مرّ القرون، شهد قطاع غزة أنماطًا متعاقبة من الاحتلال. فقد وقع تحت سيطرة العثمانيين من 1516 إلى 1917، والبريطانيين من 1917 حتى 1948، والمصريين من 1948 إلى 1967، ومن ثم الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967. وقد عزّزت كل حقبة تاريخية وسياسية جديدة برامج تعليمية وتحديات جديدة.
في نهاية المطاف، كان من الضروري إنشاء جامعات فلسطينية لتمكين الشباب الفلسطيني، سعيًا لبناء جيل من الفلسطينيين المؤهلين أكاديميًا ومهنيًا مع تعزيز قضية الوحدة الفلسطينية.
في الواقع، تشير التقارير إلى تفوق الفلسطينيين من ناحية التعليم العالي مقارنة بالدول العربية الأخرى.
يمكن للجامعات أيضًا أن تعمل بمثابة مكان لتشجيع الدراسات النقدية والحوار. وبالتالي، فإن جودة التعليم العالي في جامعات غزة أمرٌ مهم يمكن أن يساهم في بناء مستقبل أفضل يأمل الفلسطينيون في خلقه أو أن يشكّل عائقًا أمام تحقيق ذلك.
تناقض
أثناء انجازي بحث لنيل درجة الدكتوراه، والذي ركز على تجربة التعليم العالي في ظل الاحتلال، وضّح المحاضرون والطلاب في قطاع غزة لي أسباب عدم اعتبار مسألة تحسين التعليم العالي أولوية بالنسبة لهم.
حيث لخص أحد المحاضرين، والذي سنشير له باسم “السيد عبد الرحمن يو. بي.، الأمر قائلا، “لدينا ما يكفي من المشاكل في قطاع غزة [مثل الحروب المتكررة وانقطاعات الكهرباء]، لكن بالإضافة إلى ذلك، هناك توسع للاحتلال في الضفة الغربية. ثم هناك مسألة الأشخاص الذين يمكنهم التصدي لتحسين الوضع. هل يتمثل ذلك في إدارة الجامعة؟ سيؤدي ذلك إلى إضرابات وتعليق للدراسة، الأمر الذي سينعكس سلبًا على مستوى التحصيل العلمي للطلاب.”
بدا الطلاب أيضًا ممتنين لحصولهم على أية فرص ممكنة للتعليم العالي في غزة. كما كان معظمهم مقتنعين بأن أي مشكلة تعليمية في جامعاتهم نتيجة “طبيعية” للاحتلال الإسرائيلي، وليس شيئًا ينبغي أن يلوموا وزارة التربية والتعليم العالي أو الإدارة الجامعية عليه. ومقارنة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى التي يواجهونها يوميًا، فإن أي شكاوى حول جودة تجربة التعليم العالي تبدو مسألة تافهة.