أخبار وتقارير

معارض تسلط الضوء على ازدهار الفنون في السعودية

توافد على جدة الشهر الماضي طاقم متنوع من مدراء المتاحف العالميين والإقليميين، والقيمين، والصحافيين، وهواة جمع التحف، لحضور معرض “21، 39“، وهو مهرجان للفنون البصرية يستمر لمدة أربعة أيام مع معرض مستمر ينظمه المجلس الفني السعودي، وهي مجموعة غير ربحية شُكّلت من قبل رعاة الفن وجامعي التحف.

أطلق على المبادرة اسم 21 و39 في إشارة إلى إحداثيات خطوط الطول والعرض في جدة، وتم إعدادها لإعلام الفنانين المدعوين بالمشهد الفني المزدهر في المملكة العربية السعودية، وأنها  أصبحت مساهمة مهمة في توسيع نطاق تقويم الفنون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، والذي يتضمن بيناليهات، ومعارض فنية وبرنامج معارض عادية.

تساعد هذه المبادرة على تسهيل تقديم القيمين على المتاحف وجامعي التحف مع توفير فرصة لمواطني جدة في الوقت ذاته للتعرف على الفنانين المحليين.

تضمن البرنامج في دورته السادسة هذا العام جولات منظمة من المعارض المحلية واستوديوهات الفنانين، وزيارات إلى وسط مدينة جدة التاريخي، لإطلاع الزائرين على العديد من جوانب البيئة الفنية المحلية.

تاريخيًا، شهدت جدة توافد زوّار من الخارج منذ فترة طويلة أثناء مرور الحجاج عبر المدينة الساحلية في طريقهم إلى مدينتي مكة والمدينة المقدستين. لم تتخلل روح جدة بوصفها مفترق طرق إقليمي جزءًا كبيرًا من برامج الأسبوع الفني بحسب بل والأعمال الفنية المعروضة أيضًا، حيث ركزت معظمها على الهوية الثقافية في المملكة العربية السعودية وعلى المشهد الاجتماعي والسياسي المتغير.

بعد أربعة أيام من الأحداث المجدولة، سيستمر حدث 21 و39 في تقديم معرض مركزي يستمر لمدة شهرين، مما يسمح لقيام كل من الطلاب والسكان المحليين على حدٍ سواء برحلات يومية سواء لزيارة البرنامج أو المشاركة فيه.

يحمل المعرض المركزي لهذا العام عنوان “العبور”. يمكن قراءته كمرجع حرفي لتاريخ جدة بصفتها ميناء وموقع لحركة الأشخاص والبضائع. لكن العنوان يحمل أيضًا ثقلًا مجازيًا، يستحضر أفعال التفوق الفكري أو الميتافيزيقي.

برعاية عفت عبدالله فدعق، عميدة كلية التصميم والعمارة بجامعة دار الحكمة في جدة، ضمّ المعرض ما يقرب من 30 عملاً من إبداع 26 فنانًا. تقع معظم الأعمال في مساحة كبيرة تشبه المستودعات في جولد مور مول، وقد تم وضع عدد قليل منها في حي البلد، في وسط مدينة جدة التاريخي.

من ناحية التقييم الفني، تمثّل فرضية العبور وسيلة لإلقاء الضوء على المواضيع التي تشغل ممارسة كل فنان. ففي مقدمة كتالوج المعرض، كتبت فدعق بأن “العبور يركز على تقديم تجارب الفنانين في العبور للوصول إلى يوتوبيا شخصية في محاولة للعثور على تعريفهم الفردي للجمال”.

وبتصوير موضوعات فنية في عالم الميتافيزيقيا والعلوم والروحانية والمجتمع والثقافة، تعرض الأعمال الفنية شعورًا بالتدقيق الذاتي الشخصي والاجتماعي العميق. يمثل الفنانون الذين أنتجوا هذه الأعمال مجموعة من الأعمار والخبرات، بما في ذلك فنانون سعوديون معروفون مارسوا الفن منذ عدة عقود بالإضافة إلى فنانين ناشئين من الشباب.

من معرض سارة العبدلي في بيت الشربتلي. (الصورة: هبة الكيال)

يقول النقاد إن العوامل التي تساهم في نجاح العمل الفني تشمل الاستخدام الأصلي لوسيلة ما أو التعبير المقنع لرسالة سياسية أو اجتماعية. في العبور، تنجح بعض الأعمال الفنية أكثر من غيرها في بث رسالة قوية أو عرض سيطرة الفنان على الوسط المختار.

تشمل أبرز معالم المعرض عملًا لعجلان غارم بعنوان جبل الرحمة، وهو تركيب كبير لصور بولارويد للحجاج الذين يزورون جبل عرفات أثناء الحج السنوي، فضلا عن صور للأشياء والصلوات المكتوبة بخط اليد التي تركوها وراءهم عن قصد. يقع جبل عرفات شرقي مكة حيث ألقى النبي محمد آخر عظة له. عادة ما تُجمع البقايا المتروكة هناك بشكل منتظم ليتم التخلص منها من قبل السلطات المحلية. تتحدث صور غارم والأشياء التي جمعها قبل أن يتم التخلص منها عن ممارسات الطقوس والإيمان، وتلتقط بشكل مؤثر الشدة العاطفية للروحانية في دراسة متوازنة للموضوع.

يتألف عمل نسرين بخيت بعنوان “سكون” من تركيب نحتي يضم 30 حلقة من السيراميك بأحجام مختلفة موضوعة على مسافاتٍ متساوية عن بعضها البعض في خط مستقيم. تشير عملية التثبيت فعليًا إلى عملية سفر أو عبور، ويشير عنوان العمل – الذي يعني السكون والهدوء الداخليين – إلى موضوع الروحانية في ممارسة الفنان. تعمل بخيت، وهي مدرّسة في كلية الفنون والتصميم بجامعة الملك عبد العزيز، على مزج التنفيذ الفني الرائع مع التعبير الشخصي في عملها.

وكما هو الحال مع بخيت، فإن العديد من المشاركين في المعرض من النساء، ويتنوع تدريبهم الفني من فنانات درسن في المدارس الفنية المحلية وحتى المدارس الدولية.

ومن بين أكثر أعمال المعرض إثارة للاهتمام برزت تلك الأعمال التي تتناول الثقافة المحلية، مثل لوحة خطوة، للفنانة إيناس النعيمي، والتي تجسد بشكل بصري خطوات رقصة تقليدية من جنوب المملكة العربية السعودية. تسمح آثار الأقدام على القماش للمشاهدين بتتبع الخطوات وتصور الرقصة نفسها. يسمح العمل للفنانة، التي تنحدر من مدينة أبها الجنوبية، باستكشاف هويتها الثقافية وتذكير الزوار بأن مناطق المملكة المختلفة تزخر بالكثير من التاريخ والتقاليد. كانت هذه الرسالة التي تم تصويرها بأقوى صورها خلال أحداث 21، 39.

نظم حافظ جاليري العديد من المعارض. سلط أحدها، والذي يحمل عنوان “مكان” وتم وضعه في صالة العرض الجديدة المتعددة الاستخدامات ومساحة الإقامة الفنية في المعرض، الضوء على أعمال الرسم والنحت من قبل مجموعة من الفنانين الذين يركزون على المفاهيم المتعلقة بمساحات الأشياء والحياة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الأسواق والحدائق.

وكان المعرض الآخر عبارة عن معرض فردي لأعمال سارة العبدلي، بعنوان طائر السيمرغ يعلو دائما The Simorgh Always Rises. تضمّن المعرض أعمالاً على الورق ولوحات لنساء، بعضها تم إنجازه على طراز المخطوطات الإسلامية، ورسمت في مشاهد من المساحات الرئيسية للعامية المحلية المأهولة من قبل النساء السعوديات. تم تقديم معرض العبدلي في بيت الشربتلي، وهو منزل تاريخي تم ترميمه في وسط مدينة جدة، حيث عكست معالمه المعمارية التقليدية مشاهد أعمال العبدلي.

تجسّد أفضل مثال لفهم حافظ جاليري لأهمية الموقع بالنسبة إلى العمل الفني في هذين المعرضين اللذين تم تنسيقهما بإحكام حيث استجاب الفنانون مباشرة للسياق.

قدم معرض أثر، الذي دخل عامه العاشر في تمثيل فنانين من المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط، معرضًا جماعيًا للفنانين الذين عرض أعمالهم على مر السنين. إذ تم عرض أعمال للفنانين المعروفين دوليًا مثل أحمد ماطر ودانا عورتاني إلى جانب أعمال للفنانين الناشئين ليكون عرضًا لما أنجزه المعرض في دعم المشهد الفني المتنامي الذي يساعد على خلق اتصالات وحوارات بين الفنانين في المنطقة والمساعدة على تأمين الإقامة للفنانين في الخارج للمساعدة في تطوير عملهم وممارستهم.

عُرضت الروح المشتركة للمعرض بأبهى صورها من خلال حدث ليلة الافتتاح على السطح، حيث اختلط الفنانون والزوار بعد مشاهدة المعرض – في شهادة على المعرض ونجاح 21، 39 في المساعدة على جمع الزوار ومختلف أفراد المجتمع معًا من خلال الفن.

يستمر معرض العبور حتى 30 آذار/ مارس في جولد مور مول في جدة.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى