أخبار وتقارير

حرية الإبداع تحت الحصار في مصر

القاهرة- تواجه الساحة الثقافية المصرية منذ العام الماضي مجموعة من القرارات الحكومية تتعلق بإغلاق مؤسسات ثقافية ومكتبات عامة ومصادرة الكتب واعتقال كُتاب وأصحاب دور النشر مما يثير مخاوف حول مستقبل صناعة النشر وحرية الإبداع.

قال فادي عوض، مدير النشر السابق في دار الشروق، وهي أحد أكبر دور النشر المصرية، “باتت بيئة إنتاج الثقافة في مصر مُكلفة سياسياً، ووقائع السجن والإغلاق تجعل البعد السياسي عنصراً رئيسياً في قرار الناشر للتعاقد مع أي كاتب.”

في 15 شباط/ فبراير الماضي، أيدت محكمة الاستئناف المصرية، حُكماً صادراً بالحبس لخمس سنوات على خالد لطفي، مؤسس دار نشر “تنمية”، بتهمة إفشاء أسرار عسكرية لتوزيعه النسخة العربية من كتاب “الملاك: أشرف مروان” للمؤلف الإسرائيلي يوري بار جوزيف. يروي الكتاب قصة أشرف مروان صهر الرئيس المصري الأسبق ويقول إنه كان عميلا لإسرائيل. وصدرت النسخة الإنجليزية من هذا الكتاب بعنوان “الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل” .

وكان لطفي قد أسس مكتبته قبل 6 أعوام في وسط العاصمة المصرية، والتي تحولت بمرور الوقت، لواحدة من أشهر المكتبات المتخصصة في إتاحة الكُتب الصادرة عن دور نشرعربية، عبر لجوئها لصيغة تعاون مع نظيرتها في العواصم العربية لإصدار طبعة قاهرية من بعض العناوين الصادرة عنها، بسعر مخفض.

قضية لطفي ليست الوحيدة، حيث داهمت الأجهزة الأمنية، أواخر شهر ايلول/ سبتمبر الماضي، مكتبة البلد بشارع محمد محمود وسط القاهرة، وتم إغلاقها المقر بالشمع الأحمر بدعوى أن المكتبة بلا ترخيص. علماً بأن المكتبة مملوكة لفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي المعارض ما دفع البعض للربط بين مواقف المالك السياسية وقرار الإغلاق. سبق ذلك، التحفظ على مكتبة ألف من قبل لجنة التحفظ على أموال الإخوان، وتم تعيين مراقبين من طرف اللجنة لمراقبة الأداء الإداري والمالي للشركة. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2016، تم إغلاق مكتبتين تابعتين لسلسلة مكتبات الكرامة، التي أسسها الناشط الحقوقي جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

قالت دينا قابيل، مديرة دار المرايا للنشر والتوزيع، “التضييق مستمر علينا، ووصل مستوي تجاوزت الحد المعقول؛ بحجج مستمرة تهدف جميعها إلى السيطرة على محتوى الكتب المنشورة.”

قبل 6 أشهر، اقتحمت قوة أمنية الدار للقبض على أيمن عبد المعطي، مدير توزيع الدار، وأدرجت إسمه في قضية  بـتهمة”الانضمام إلى جماعة إرهابية، والترويج لفعل إرهابي ونشر أخبار كاذبة عن طريق استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.”

قالت قابيل “الواقعة أثرها ثقيل؛ ولاتزال آثارها واقعة على عملنا؛ خصوصاً أن أيمن ليس له أي نشاط سياسي.”

دينا قابيل، مديرة دار المرايا للنشر والتوزيع. (الصورة: عمرو التهامي)

تتعدد وسائل التضييق على الناشرين بحسب قابيل. فإلى جانب قرارات الإغلاق والاعتقال، يحتاج مسؤولو دار النشر إلى القيام بمراجعة مستمرة لمسؤولي المصنفات الفنية، لفحص أرقام إيداع الكُتب، أو أخذ كُتب بعينها بعد نشرها لمراجعة المحتوى المنشور فيها. وكانت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، المؤسسة الحكومية المسؤولة عن تسجيل الكتب، قد وضعت قوانين جديدة لتسجيل الكتب الجديدة تتضمن توقيع الكاتب لإقرار ” أنه مسؤول عن كل ما ورد فى كتابه ويتحمل عواقب كل ما جاء به، فضلًا عن صورة رقمه القومى، وتوكيل رسمى لمندوب عنه إذا لم يستطع الحضور.” كما تخضع الكتب  مترجمة أو المستوردة من الخارج إلى مراحل متعددة ومعقدة من المراقبة في ظل قوانين متداخلة وفضفاضة تتيح وغير واضحة.

“في تشريح الهزيمة :حرب يوم 1967 بعد خمسين عاماً” هو أحد الكُتب التي طلب مسؤولي هيئة المصنفات نسخاً من الدار لفحص محتواها، قبل أن تعيده إلى الدار بعد مراجعة محتواه بالكامل.

قالت قابيل “العشوائية هي المحدد الرئيسي لهم في اختيار الكٌتب؛ كلمة نكسة  في العنوان كانت المُحفز الأساسي لهم لاتخاذ هذا القرار؛ تمهيداً لمُعاقبة الدار على نشرها هذا الكتاب.” مشيرة إلى أن مثل هذه الإجراءات تتسبب بخسائر مالية للقائمين على صناعة النشر إلى جانب تأثيرها على حرية الفكر والإبداع.

يتفق عوض، الذي يستعد لنيل درجة الدكتوراة في اللغة من إحدى الجامعات الفرنسية، مع قابيل حول تزايد الخسائر المالية للناشرين خاصة وأن الكتاب السياسي والروايات المُرتبطة بالسياسية تعتبر الأكثر مبيعاً في مبيعات الدور المصرية، على حسب قوله.

قال “يعتبر تراجع إصدار الكتب السياسية يشكل خسارة اقتصادية ضخمة لدور النشر المصرية. كان طبيعياً أن تنشر هذه الدور مذكرات لسياسيين لعبوا أدواراً مؤثرة في ثورة 25 يناير؛ لكن هذا لن يكون مسموحاً به. هذه الخسارة تؤثر على نوعية الكتب الموجودة حالياً في السوق، والتي غالبا ما تصنف ضمن فئة التنمية البشرية التي تتحدث عن صورة الشخص الناجح المُتماسك، الغير متفاعل مع السياسة، والتي تروج له الدولة في مؤتمراتها.”

يرفض سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، اعتبار الحوداث التي شهدها الوسط الثقافي المصري مؤخراً تراجعا لحرية الفكر والإبداع في بلاده.

قال “الناشرون ليسوا فوق القانون؛ حبس خالد لطفي تطبيقاً للقانون، وهو تمتع بحقه القانوني كاملاً في الدفاع عنه وإثبات برائته حيال التهم التي وجهتها له المحكمة.”

يعتقد عبده أن مشاكل دور النشر المصرية تأتي من جهل الناشرين بميثاق الشرف الذي أقره الاتحاد، وأعراف المهنة المعمول بها عند كُل ناشري العالم واتحادات الكُتاب، إذ أكد ” أن حرية الإبداع لاتصطدم بالقانون، والحصول على التصريحات اللازمة لنشر الكتاب هو التزام بأمن البلد القومي.” مستشهداً بارتفاع عدد دور النشر  من 605 إلى 1250 دار نشر العام الماضي مما يؤكد أن ” حرية الإبداع للناشرين والكُتاب في مصر مصونة دوماً، ولا أحد يمسها من قريب أو بعيد.”

مع ذلك، يبدو واضحاً  توجه الكتاب المصريين، من ذوي المواقف السياسية المعارضة، للتعاقد مع دور نشر عربية خارج مصر لتفادي سياسات التضييق. إذ وقع علاء الاسواني مؤخراً عقداً مع دار الأداب في بيروت لنشر روايته الجديدة، في حين كانت كل رواياته السابقة صادرة عن دور نشر مصرية.

قال عوض “نحن أمام موجة رحيل جماعي للأدباء المصريين لدور النشر العربية لطبع كُتبهم؛ خصوصاً من ذويي الرؤية النقدية في أعمالهم الأدبية. هذه خسارة كبيرة.”

بدورها، تعتقد منصورة عز الدين، الروائية المصرية، أن سياسات التضييق على دور النشر وسوق الكتب ليست بجديدة في العالم العربي وليس في مصر فقط،  وأن “الكتاب والمبدعين لطالما لجأوا عبر التاريخ إلى حلول فردية أسست نوعاً جديداً من الأدب أو الكتابة تميل للمجاز والنقد بطرق غير مُباشر، والاستعانة بالاحتمالات والتلميح كوسيلة غير مباشرة للإفلات من الرقيب مع الحفاظ على جودة.” لتبقى المشكلة الأكبر هي “الصمت أو الرقابة الذاتية لدى المبدعين والتي تهدد فعلياً الإبداع العربي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى