مقالات رأي

ثلاثة دروس أساسية لتعليم إلكتروني أفضل

ملاحظة المحرر: هذه المقالة هي الأولى لسلسلة من جزأين.

منذ أكثر من 30 عامًا والجامعات تقدم خيار التدريس عبر الإنترنت، حيث أجرى الأساتذة والكليات الرائدة في هذا النهج الكثير من الأبحاث على مدار تلك السنين على أمل التوصل إلى أفضل النتائج. فما هي أهم الدروس المستفادة، وكيف يمكن للأشخاص الذين بدأوا للتو بتقديم برامج التعليم الإلكتروني البناء على هذا الأساس؟

في مجال الطب، يتم توجيه الأطباء بشكل عام من قبل الباحثين الذين يتابعون مجموعات كبيرة من المرضى على مدى فترات زمنية طويلة. على سبيل المثال، تابعت دراسة فرامنغهام للقلب أجيال من المرضى منذ العام 1948 وقامت بتوجيه قرارات الأطباء الذين يسعون للوقاية من أمراض القلب وعلاجها.

لسوء الحظ، ليست هناك دراسة مماثلة تمامًا في مجال التعليم العالي عبر الإنترنت. مع ذلك، كانت هناك بعض الدراسات الضخمة التي حاولت استخلاص النتائج من مئاتٍ من التحقيقات الأصغر حجمًا.

ركزت معظم الأبحاث المبكرة في مجال التعليم الإلكتروني على فكرة ما إذا كان ذلك التعليم يماثل جودة التدريس في الفصول الدراسية أو لا. في السنوات الأولى، كانت الشكوك عالية حيال التعليم العالي المُقدّم عبر الإنترنت، على الرغم من استناد التعليم الإلكتروني على أساس دورات المراسلة وشهادات مثل تلك التي تقدمها الجامعة البريطانية المفتوحة، حيث كان الطلاب في الأصل يتعلّمون عن طريق البريد التقليدي على الطراز القديم – من خلال إرسال الواجبات المنزلية في مُغلّف والحصول على الأوراق المُصحّحة بنفس الطريقة. بحلول العام 2001، وجد تحليل لأكثر من 300 دراسة أن التدريس الإلكتروني يمكن أن يكون بذات فعالية التعليم الشخصي، متفاخرًا بأنه “ليس هناك فرق كبير” بين الوضعين، إذا ما تم الأمر بشكل جيد. وبينما يمكن أن تبدو فكرة أننا “لسنا أسوأ!” بمثابة صرخة استنجاد خجولة، إلا أن البحث ساعد على إقناع العديد من قادة الكليات بمواصلة أو توسيع تجاربهم في التعليم الرقمي.

في الآونة الأخيرة، تحولت الأسئلة لتناقش فكرة أي أنواع التدريس الإلكتروني قد عملت بشكل أفضل من غيرها. على سبيل المثال، هل كان التعلم المدمج – حيث يتم تقديم جزء من التعليم بشكل شخصي وبعضه الآخر عبر الإنترنت – أكثر فاعلية من النهج الإلكتروني المحض؟ وجد “التحليل التلوي” لعام  2010 والذي أجرته وزارة التعليم بالولايات المتحدة أنه لم يكن هناك دليل كافٍ ليقول ما إذا كان التعليم الإلكتروني بالكامل أو جهود التعليم المدمج خيارًا أفضل، لكنه حاول تقديم تحليل للنُهُج الواعدة. فقد وجد بأنه “وفي المتوسط، كان أداء الطلاب في نظام التعلم الإلكتروني أفضل بشكل متواضع من أولئك الذين يتلقون تعليما مباشرًا.”

لكن، حتى تلك الدراسات كانت سريعة في الإشارة إلى أنه قد لا يكون هناك إجابة سهلة لمعرفة أي التقنيات تعمل بشكل أفضل. فسرعان ما وجد أولئك الذين يحاولون قياس طرق التدريس الأكثر فاعلية أنفسهم يغرقون بسرعة في مجموعة متنوعة من المتغيرات – مثل جودة وتدريب المعلمين، وإعداد الطلاب، وتوافر خدمات الدعم خارج الفصل الدراسي، وغير ذلك الكثير.

ومع ذلك، إليكم بعض النصائح المستندة إلى الأدلة، والمستمدة من قراءة بعض الأبحاث والمقابلات المتاحة مع قادة التعليم الإلكتروني العاملين في المجال منذ فترة طويلة.

أولاً، قم بتحديد الفئات المستهدفة

يتمثل القرار الأساسي عند إعداد برامج التعليم الإلكترونية في معرفة الفئة التي تريد الوصول إليها؟

تخدم برامج الحرم الجامعي لجامعة جنوب نيو هامبشاير الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عامًا ممّن يرغبون في الحصول على خبرة جامعية. لكن، عندما قررت الجامعة الانتقال لإعتماد برامج التعليم الإلكتروني في التسعينيات، قررت الجامعة استهداف جمهور جديد – “الطلاب البالغين”، ممّن يعملون في الغالب أو يرعون أسرهم ويحاولون استكمال شهاداتهم. وكان العديد من هؤلاء الطلاب في الجيش ويبحثون عن فرصة للتعليم ولكنهم غير قادرين على الوصول إلى الحرم الجامعي.

يقول برايان فليمنغ، المدير التنفيذي لمركز الابتكار بجامعة جنوب نيو هامبشير والذي يُطلق عليه اسم Sandbox ColLABorative، إن هناك خطأ شائعًا عند إعداد برامج التعليم الإلكتروني على افتراض أنه إذا ما قمت بإنشائها، فإن الطلاب سيأتون. لكن، وبهدف الوصول إلى الطلاب الذين لا يستطيعون الوصول إلى الحرم الجامعي، يتوجب عليك إنشاء دعم جديد وجهود تسويقية. قال، “إنه استثمار كبير جدًا للمدارس”.

كشفت السجلات الضريبية للجامعة أنها أنفقت في العام 2015 أكثر من 37 مليون دولار على الإعلانات التلفزيونية والإذاعية والإنترنت لاستقطاب الطلاب. وقد أتى هذا الاستثمار ثماره حيث ارتفعت اعداد الطلاب المسجلين في البرامج الإلكترونية بالجامعة من حوالي 8,000 طالب في عام 2001 إلى أكثر من 100,000 طالب اليوم، معظمهم من الطلاب البالغين.

يتفق فضل الطرزي، الذي يرأس مؤسسة ناشئة للتعليم عبر الإنترنت تُدعى جامعة نيكسفورد والتي تأمل في خدمة الطلاب في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا من مقرّها في واشنطن العاصمة، مع ذلك. قال “حاول أن تحلل السبب وراء توجه طلابك أو المتعلمين لديك لخيار التعليم الإلكتروني، وقم بتصميم منتج يتناسب مع الغرض بدلاً من العمل على إنشاء نسخة رقمية من طرازك الحالي.” بالنسبة لجامعة نيكسفورد، فإن التركيز يتمحور حول درجة إدارة الأعمال، مع وجود خطط لتقديم شهادات ماجستير في إدارة الأعمال منخفضة التكلفة وشهادات درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال تستهدف “الأسواق ذات الدخل المتوسط في العالم”، في البلدان التي يصعب فيها على أولياء الأمور إرسال أبناءهم للدراسة في الخارج.

نظرًا لكون جمهور التعليم عبر الإنترنت – والخدمات والدعم الذي يحتاجون إليه – يمكن أن يكون مختلفًا تمامًا، يوصي فليمنغ وغيره من قادة الجامعات بالتفكير في اللجوء إلى شركة خارجية للمساعدة في تشغيل برامج التعليم الإلكتروني، إذا كانت المؤسسة تستطيع تحمل تكلفة هذه الخدمة. تعرف هذه الشركات باسم “مدراء البرامج الإلكترونية” أو “OPMs”، وقد قامت إحدى الشركات الاستشارية عبر الإنترنت مؤخرًا بنشر نظرة عامة على مختلف مقدمي الخدمات وما الذي يمكن أن تبحث عنه.

يتطلب إعداد دورات تدريبية جديدة عبر الإنترنت أكثر من لوحات المفاتيح، ولكن هناك استثمارات كبيرة في الموارد البشرية والمالية. (الصورة: بيكسباي).

توظيف مصممي البرامج التعليمية

تستخدم الكليات التي تتوافر على برامج مكثفة عبر الإنترنت أنواعًا جديدة من الموظفين لدعم مدربيها والمساعدة في تصميم الدورات التدريبية. يُعرف هؤلاء باسم المصممين التعليميين.

يقول شون هوبسون، كبير مسؤولي التصميم في EdPlus بجامعة ولاية أريزونا، وهي كلية أميركية أخرى تخدم عشرات الآلاف من الطلاب عبر الإنترنت، إن أكبر نصيحة يقدّمها للكليات التي تتطلع إلى الانتقال للعمل عبر الإنترنت تتمثل في توظيف مصممين تعليميين. (نشرت الجامعة مؤخرًا دراسة، بعنوان “جعل التعليم الرقمي فاعلا“، تتناول بالتفصيل الكيفية التي قامت من خلالها ببناء برامجها الإلكترونية، مع الإشارة إلى انها احتاجت إلى فريق مؤلف من 250 شخص لدعم جهودها الإلكترونية.) في عام 2016، كان هناك ما يقدر بنحو 13,000 مصمم تعليمي في الجامعات الأميركية، بحسب تقرير صادر عن منظمة “Intensive Futures”. ويبدو أن هذا العدد في تزايد.

يرى هوبسون أن في إمكان هؤلاء المصممين المساعدة في العديد من جوانب الانتقال من الحرم الجامعي إلى التعليم الإلكتروني، وأضاف بأنهم يعملون “عند تقاطع طرق التدريس التقليدية والثقافة الأكاديمية ونتائج الطلاب وإدارة التغيير ونظرية التعليم والابتكار.”

وقال هوبسون إن احدى التحديات التي يواجهها العاملون في الشرق الأوسط تتمثل في صعوبة العثور على مصممين تعليميين خارج الولايات المتحدة وأستراليا وكندا. لكنه أشار إلى أن بإمكان الجامعات في المنطقة العربية إنشاء برنامج للدراسات العليا في التصميم التعليمي والبدء في تنمية المواهب المحلية.

البدء بتواصل إنساني قوي في الأسابيع الأولى

عبّر العديد من الأساتذة الذين قاموا بالتدريس عبر الإنترنت عن مدى دهشتهم من استمرارية قدرتهم على تكوين علاقات مع الطلاب. يقول خبراء التعليم الإلكتروني إن إجراء الاتصالات أمر أساسي، لا سيما في وقت مبكر من الدورة، حتى يتم تحفيز الطلاب للقيام بعملهم.

يقول كورت بونك، أستاذ تكنولوجيا النظم التعليمية بجامعة إنديانا والذي يسافر حول العالم لإلقاء محاضرات وندوات حول التعليم الإلكتروني، “يجب أن يكون هناك جانب إنساني، وشعور بحضور إنساني، وشعور برعاية إنسانية. يجب أن يكون هناك شعور بأنني لستُ الوحيد في هذا المجال، وأنه ليس نظامًا للنقر على لوحة المفاتيح.”

بهدف تشجيع مثل هذه الجهود، تقدم جامعة ولاية كاليفورنيا – في تشانال آيلاندز، الجامعة الأصغر من بين 23 جامعة حكومية في ولاية كاليفورنيا، تدريبًا لمدة أسبوعين للأساتذة الذين بدأوا في التدريس عبر الإنترنت باسم أنسنة التعليم الإلكتروني. تقترح ميشيل باكانسكي بروك، الأستاذة التي قامت بتصميم المساق والعضوة في هيئة تدريس الابتكار الرقمي لمبادرة التعليم عبر الإنترنت لكليات المجتمع في كاليفورنيا، أن يقوم الأساتذة بتقديم ميزات إنسانية مثل جعل الطلاب يقومون بإجراء مناقشات داخل الفصل عن طريق إرسال إجابات في مقاطع فيديو قصيرة على أسئلة فورية يمكن لجميع الطلاب في الصف رؤيتها. تتيح أدوات مثل VoiceThread أو FlipGrid للأساتذة إنشاء مساحة مغلقة على الإنترنت حيث يتمكن أولئك الموجودين في الفصل فقط من مشاهدة مقاطع الفيديو.

تؤكد باكانسكي بروك على وجوب ألا يقلق الأساتذة بخصوص ضرورة الظهور المصقول أو المثالي في مقاطع الفيديو الخاصة بالرد على تعليقات الطلاب. قالت، “إذا كان الأمر يشبه محادثة في فصل دراسي، فلماذا يجب أن يكون هذا الشيء خاليًا من العيوب؟ لا تحدث المحادثات بهذه الطريقة.” وقالت في مقابلة مع EdSurge العام الماضي، “يجب أن تكون هناك بعض العفوية. من الصعب جدًأ جعل الأستاذ يتقبل ذلك، لكنني أعتقد أنه بمجرد أن يتمكنوا من القيام بذلك، فإن الأمور ستغيير. سيكونون أكثر قُربا إلى طلابهم. “

تشير بعض النصائح المدعومة بأبحاث أجريت على مدار الـ  30 عامًا الأخيرة إلى دروس لا يرغب المهتمون ببدء دورات عبر الإنترنت في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بسماعها على الدوام، وهي إن إنشاء دورات مناسبة وفاعلة عبر الإنترنت ومساقات مدمجة أمرٌ يتطلب استثمارات كبيرة في وقت الموظفين والبحوث والمال.

جيفري يونغ، محرر ومراسل يركز على قضايا التكنولوجيا ومستقبل التعليم. ويشغل حاليًا منصب كبير المحررين في EdSurge، حيث يغطي تقاطعات التكنولوجيا والتعليم. في السابق، قضى يونغ 20 عامًا في العمل كمراسل ومحرر لصحيفة ذي كرونيكل أوف هاير إديوكيشن The Chronicle of Higher Education. في عام 2014، أمضى عامًا واحدًا كزميل بحثي في زمالة نيمان بجامعة هارفارد، حيث كان أيضًا زميلًا في مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى